ليست أكوام القمامة على الأرصفة هي المشكلة الوحيدة، بل ما تخفيه هذه الأكوام من صفقات مشبوهة، وتأخير متعمّد في صرف مستحقات الشركات، وتلاعب بمصير المواطنين تحت ذريعة "الإدارة". من قلب هذا الواقع الكارثي، تتصاعد أصوات نيابيّة تكشف المستور وتفضح ما يدور خلف الكواليس، حيث ربّما تتحول أزمات المواطنين اليومية إلى أوراق ضغط تستخدمها السلطة لابتزاز الخارج، وتمويل جيوبها من "ذهب الزبالة".
فمن يعرقل الحل؟ ولماذا تُترك شوارع بيروت وضواحيها لتغرق في القذارة بينما القرارات تُتخذ في غرف مغلقة؟ وهل هناك من يربح فعلاً كلما تفاقمت الأزمة؟
في حديث لموقع "الكلمة أونلاين"، تكشف النائبة نجاة صليبا عن احتمال أن تكون شركة رامكو، المسؤولة عن جمع النفايات في العاصمة ومحيطها، لا تتقاضى مستحقاتها الماليّة بشكل منتظم، ما ينعكس تقليصاً في عدد نقلات النفايات اليومية، غير أنّ صليبا ترى في المشهد ما هو أبعد من مجرد أزمة ماليّة، إذ ترجّح أن تكون هذه الفوضى المتعمّدة جزءاً من مخطط تنفذه المنظومة نفسها لإجبار الدول المانحة على تقديم مساعدات مالية"، يتم لاحقاً نهبها تحت عنوان "إدارة النفايات"."
وتساءلت صليبا عن سبب تقاعس وزير المال عن الدفع لشركة رامكو، ولمَ هذا التلكؤ في صرف المستحقات، وإن كان هناك ما يُخفى خلف الكواليس.
كما تُشدّد على ضرورة اعتماد استراتيجية وطنية متكاملة لإدارة النفايات، قائمة على القانون والالتزام به، موضحةً أّنّ الفرز من المصدر، رغم أهميته، ليس كافياً وحده، بل يجب أن يكون جزءاً من خطة شاملة تشمل مراحل سبع، تبدأ بالتخفيف من الإنتاج وتصل إلى الطمر كخيار أخير، وليس كحل أول.
وتضيف صليبا، هناك خطوات جديّة تُتخذ حالياً في المجلس النيابي لمراجعة قانون النفايات، بالتعاون مع وزارة البيئة، تمهيداً لتحديث الاستراتيجية الوطنية والمصادقة عليها من جديد أو تفعيل ما سبق أن أُقرّ.
من جهتها، وضعت النائبة بولا يعقوبيان إصبعها على الجرح ذاته، مؤكدةً أنّ تفاقم الأزمة يعود إلى عدم دفع المستحقات لشركة "رامكو"، فيما كشف مستشار وزير المالية أنه كان يحاول فقط الاستفسار عن آلية الصرف، ما يطرح تساؤلات حول احتمال وجود تصفية حسابات داخلية أو "نكايات سياسية"، تُستخدم فيها النفايات كوسيلة ضغط.
وتلفت يعقوبيان إلى أنّ ملف النفايات لم يُعالَج يوماً وفق المعايير المفترضة، بل تمّت إدارته بما يخدم مصالح المتعهّدين المقرّبين من الطبقة السياسية، والذين ما زالوا بحسب تعبيرها "يريدون أن يأكلوا من الزبالة".
وترى أنّ الحلّ الوحيد يكمن في وضع خطة مستدامة وواضحة لإدارة النفايات، تحمي لبنان من الانتكاسات المتكررة.
أما من داخل الإدارة المحليّة، فكشف مصدر من بلدية بيروت عن اجتماع حصل مؤخراً بين مدير عام شركة رامكو، السيد وليد أبو سعد، وبعض المستشارين في وزارة المالية، تمخض عنه اتفاق يقضي بدفع المستحقات المالية خلال أسبوعين، ما قد يسهم مؤقتاً في حلحلة الأزمة.
لكن، هل يكفي هذا المسكّن المالي لتجاوز الأزمة، أم أنّنا أمام حلقة جديدة من مسلسل إدارة النفايات الفاشلة؟ وهل تُكتب الخطة الوطنيّة الجديدة بنوايا إصلاحية فعلية، أم ستكون مجرّد ورقة جديدة على طاولة المنظومة القديمة؟
الجواب بيد من لا يزال يملك الشجاعة للوقوف في وجه الفساد المنظّم، وبيد شعبٍ تعب من الروائح، لا فقط رائحة النفايات، بل رائحة الصفقات التي تفوح من خلفها.