خاص - حبشي يفجّرها: زوجة نائب نافذ تعرقل ملف الـPCR في الجامعة اللبنانية! - كارين القسيس

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 3, 2025

خاص الكلمة اونلاين

كارين القسيس


تتوالى الفضائح ويتكرّس الإفلات من العقاب كقاعدة لا استثناء فيها، هناك، حيثُ تنهار المؤسسات وتتراكم الأزمات، يتكشّف ملف تلو الآخر، لكنّ الأيادي التي تُنهب بها الأموال هي ذاتها التي تُقفل بها الأدراج وتُكتم بها الحقائق.

اليوم، تعود "الكلمة أونلاين" لتُسلّط الضوء مجدداً على أحد أكثر الملفات دقةً وخطورة، ألاّ وهو ملف فحوصات الـPCR في مطار بيروت الدولي، فبعد أن كانت من أوائل الوسائل الإعلاميّة التي فتحت هذا الملف وكشفت بعض خيوطه المعقدة، تتابع اليوم التحقيق فيه بإصرار، لأنّ الحقيقة الكاملة لم تُقل بعد، ولأنّ المال المنهوب هو مال اللبنانيين، ولا مكان للمساومة حين يكون الفساد بهذا الوضوح وبهذه الفظاعة.

نحن أمام ملف تتجاوز قيمته الخمسين مليون دولار أميركي على الأقل، دُفعت جميعها نقداً بـ"الدولار الفريش"، وتحيط به شبهات قانونية ومالية وسياسية، وسط محاولات لتسويته بالتواطؤ أو بالصمت المريب، بل وحتّى عبر التحايل على قرارات قضائيّة واضحة، أمّا الأخطر، فهو وجود مساعٍ لطيّ هذه الصفحة إرضاءً لأصحاب النفوذ وعلاقاتهم داخل السلطة.

وفي حديث خاص لـ"الكلمة أونلاين"، يؤكّد عضو تكتل "الجمهورية القوية"، النائب أنطوان حبشي، أنّ النقاش لا يدور حول ما إذا كانت الأموال موجودة، بل إنّ الحقيقة الثابتة هي أنّ هذه الأموال تمّ تحصيلها بالكامل بالدولار الفريش، ويُقدّر البعض قيمتها بما لا يقل عن خمسين مليون دولار، بينما يذهب آخرون إلى أنّ الرقم قد يفوق ذلك بكثير.

ويُشير حبشي إلى أنّ الملف شهد صدور قرارات قضائيّة واضحة، من بينها قرار صادر عن ديوان المحاسبة وآخر عن القاضي فوزي خميس بتاريخ 3 شباط 2022، وكلاهما يتعلّق بمصير الأموال التي جُمعت من فحوصات الـPCR في مطار بيروت.

وقد حمّل ديوان المحاسبة المسؤولية لوزير الصحة السابق حمد حسن، ورئيس الجامعة اللبنانية السابق فؤاد أيوب، مع إشارة ضمنية إلى مسؤولية الرئيس الحالي للجامعة بسام بدران، مع لحظ حسن النية، حيثُ كشف القرار مخالفات جسيمة في كيفية جمع هذه الأموال وصرفها، ومحاولات لاحقة لإعادتها وفق سعر صرف 15 ألف ليرة لبنانية، رغم أنّ الجباية تمت بالدولار الفريش.

وعند سؤاله عن هذا التناقض، ردّ حبشي قائلاً، إنّ هذا هو جوهر الإشكاليّة التي دفعت بديوان المحاسبة إلى التدخّل وإصدار قرارات، لم يُنفّذ أي منها حتى الآن.

ويُضيف، "رئيس الجامعة بسام بدران توجّه إلى لجنة التربية النيابية للمطالبة باسترداد الأموال لصالح الجامعة، ورفع صوته مدافعاً عن حق هذه المؤسسة، وبناءً على طلبه، أخذ رئيس اللجنة موعداً مع المدعي العام المالي آنذاك، علي إبراهيم، بحضور بدران، وهناك، كانت المفاجأة.

فبحسب حبشي، طرح إبراهيم "اتفاقاً" يقضي بدفع خمسة ملايين دولار فريش فقط، على أن يُسدد الباقي وفق سعر صرف 15 ألف ليرة لبنانية، عندها، رفض المجتمعون هذا الطرح، ما أدّى إلى وقف المسألة.

وقد أثار هذا المقترح استغراب النواب، ومن بينهم حبشي، الذين تساءلوا، كيف يمكن عقد اتفاق مع الجامعة، في حين أنّ رئيسها هو نفسه من طلب دعم النواب؟ واعتبروا أن مجرّد طرح هذه التسوية يُسقط عملياً أي اتفاق كان يُحضّر في الخفاء.

ويُتابع نائب "القوّات"، أنّ الملف طُرح مجدداً ولكن بأسلوب مختلف، من خلال ربطه بمشاريع إنشائية للجامعة، كمستشفى ومختبر، وكأنّ شيئاً لم يكن، مذكراً بأنّ القرارات القضائية تُشكّل دليلاً قاطعاً على وجود سوء إدارة واختلال واضح في التصرف بالمال العام.

ويُشدد على أنّهم يؤيدون دعم الجامعة، ومن حقّها إنشاء مستشفى تابع لها، لكن لا يمكن أن يتم ذلك على حساب الحقيقة، متسائلاً، "هل هذه الأموال تعود للجامعة؟ أم لوزارة الصحة؟ أم أنّها من أموال خزينة الدولة؟ وهل يُعقل التساهل في قضية بهذا الحجم؟".

ويرى أنّ التهرّب من المساءلة في هذا الملف يُعدّ أمراً بالغ الخطورة، إذ لا نتحدث عن آلاف الدولارات، بل عن عشرات الملايين من المال العام.

ويكشف حبشي أنّ ما وصله من معلومات تشير إلى أنّ الملف لن يتقدّم، بسبب تورط زوجة أحد النواب النافذين المعروفين بنفوذهم داخل الدولة العميقة، في هذا الملف.

ويرفض أي محاولة لطمس الحقائق أو الالتفاف على القرارات القضائيّة عبر اقتراح قوانين ذات طابع سياسي مريب، داعياً إلى إجراء تدقيق جنائي شامل في هذا الملف، واضعاً هذا المطلب برسم رئيس الجمهورية جوزاف عون، بقوله: "بدل زيادة الضرائب على اللبنانيين لتأمين مئة دولار للعسكري، استرجعوا الخمسين مليون دولار، وعندها يمكن إعطاء العسكري والموظف أضعاف ما يُمنح اليوم".

وفي ختام حديثه، يدعو حبشي رئيس لجنة التربية النيابية إلى المطالبة بعقد لجنة برلمانية تضم النواب المعنيين، للغوص في هذا الملف حتى نهايته، معتبراً أنّ ملف الـPCR، رغم صغره الظاهري، قد كشف عن فساد بنيوي عميق وهزّ الثقة بما تبقّى من حسن سير الانتظام العام في الدولة.


رغم ضخامة الأموال المعنية ووضوح المخالفات القانونيّة، لا يزال ملف فحوصات الـPCR في مطار بيروت يدور في حلقة مفرغة من المماطلة والتسويات المبطّنة، فقرارات قضائيّة واضحة وحقائق دامغة طُرحت علناً، لكن التنفيذ متوقف، والمحاسبة غائبة، وبالتالي، فإن هذا الملف لم يُقفل لأنه حُلّ، بل لأنّ من يقف وراءه محصّن بحماية سياسية متينة، وهكذا، يتحوّل المال العام إلى مكسب خاص، وتتحوّل مؤسسات الدولة إلى أدوات لتبرير التجاوزات، في مشهد يُلخّص معادلة الانهيار: "فساد بلا كلفة، وسلطة فوق القانون".