"صحافة المواطن" في الإستحقاقات المقبلة… بين سلامة المعلومات وأهميتها كمصدر خلال الحرب - بقلم مايا غانم

  • شارك هذا الخبر
Monday, April 28, 2025

لحظات الإستهداف، وانهيار الأبنية، والتوغل الاسرائيلي وغيرها من الأحداث، لم تكن لتمرّ في التغطية الإعلامية للحرب الأخيرة التي عاشها لبنان بوجه اسرائيل، لولا مساعدة صحافيين مواطنين، خاطروا بحياتهم لنقل الصورة والمعلومة.



فعلى الرغم من أنهم مواطنون لا يملكون شهادة صحافة، إلا أن اندفاعهم لنقل الصورة في مناطق لم تتمكن الوسائل الإعلامية والصحافيين من دخولها، أم من الوصول إلى الحدث في الوقت المناسب، ساهم في نقل صورة أوسع وأشمل لما كان يجري على الأرض واستحقوا لقب "صحافي مواطن" بغضّ النظر إن كانوا على دراية بهذا العمل أم لا، وبعضهم سيكون لهم حصّة في العالم الصحافي خلال الإستحقاقات المقبلة، إلا أن للأمر تحديات بين نقل المعلومة والتدقيق بها.
يقول الشاب حسين صالح، إبن بلدة راميا، إنه لا يعتبر نفسه صحافي أم اعلامي بل صاحب مسؤولية. ويضيف: "قررت أن يكون لي دورًا في الحرب الاخيرة، في إظهار الحقيقة للناس من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا وأنه مع بداية الحرب، لم يعلم كثيرون من خارج لبنان، ماذا كان يقدّم الجنوب للقضية". ويتابع: "الدافع بالنسبة لي، كان إيماني بأن كل شخص في المجتمع له دور في الحياة، حتى إن لم يكلّفه أحد به، عليه أن يخلق وظيفة لنفسه ليساعد الآخر، لذلك قررت إظهار الحقيقة، وتكذيب الإشاعات التي كانت تحصل، من خلال فيديوهاتي".


وعن التحديات التي واجهها، يقول: "في البداية كنت أشعر بالخجل، لكنه تبدّد لاحقًا، ما ربطني بشبكة كبيرة من الصحافيين من خلال علاقة ثقة بنيناها سويًا". ويجيب ردّاً على سؤال: "لا أتضايق في حال استُخدمت مادتي من دون ذكر اسمي، لكن بالطبع أفرح في حال حصل ذلك، الأهم أن تُستخدم في سياق المصداقية، فمجهودي ليس لي بل لوطني وقضيتي".
بدورها، اشتهرت أيضًا الشابة زينب سعد، من بنت جبيل، بشجاعتها في نقل الصورة للصحافة رغم أنها مُختصّة في المختبرات الطبية. وتقول: "بدأت بتصوير ما يحدث في محيطي خلال الحرب من على سطح منزلي، ونشرها على حساباتي الخاصة على وسائل التواصل الاجتماعي ولاقت تفاعلاً كبيرًا، ما شجّعني على استكمال التصوير، الى أن تعرفت على صحافي أحد المواقع، وبدأت بإرسال الأخبار له وشاركت في مجموعة واتساب للصحافيين المحليين وبنيت علاقات معهم".

من أبرز الأحداث التي حصلت مع زينب، كانت خلال التوغل الاسرائيلي من مارون الراس نحو بنت جبيل: "تمكنت من رؤية الدبابات وتصويرها من منزلي، بعد ذلك، أصبحت أرافق بعض الصحافيين الى مناطق أبعد كـ وادي السلوقي وميس وحولا والعديسة.. حتى في يوم العودة، حين حصلت تطورات، كنت أحاول توثيق ما يحصل من اعتداء إسرائيلي واستشهد شخصان إلى جانبي".

وعن استخدام مادتها من قبل الإعلام، تقول: "لم أفكر يوما أنه يجب أن يكون هناك حصرية لمادتي، الى أن قمت بتصوير جرافة في مارون الراس تدمر منزلاً ومسجداً، وتناقلته القنوات الاخبارية بكثرة، فتم تشجيعي على ذكر اسمي في الفيديوهات، وعندما صورت فيديو اخر للدبابات الإسرائيلية، ذكرت اسمي عليه، وانتشر بكثرة، وتواصل معي صحافيون، والبعض عرض عليّ بيع فيديوهاتي، إلا أنني فضلت ذكر اسمي على بيع مادتي التي وثقتها لنفسي اولاً وللآخرين لاحقاً".

صحافة المواطن هي المصدر الأول
ازداد إذاً دور صحافة المواطن خلال الحرب الأخيرة وسط اندفاع أولاد المناطق التي تشهد أحداثا معينة، لتوثيق ما يحدث داخل قراها والتأكيد أنهم موجودون في عمق الحدث، إضافة إلى شعورهم بالالتزام تجاه شبكة الصحافيين لايصال صوتهم، وكل ذلك، إثر التحدي الذي واجهه الاعلاميون بغياب مصدر موحّد مركزي للمعلومات، خصوصًا وأن بعض المناطق كانت مغلقة بسبب استهداف القصف الإسرائيلي للصحافيين.
في السياق، يقول الصحافي الميداني في قناة الـ LBCI إدمون ساسين، إن صعوبة الوصول إلى بعض المناطق كانت تزداد مع توسع جبهة الحرب، لذلك، من خلال شبكة العلاقات التي يبنيها الصحافي مع المواطنين ومشاركته في مجموعات واتساب تضمّ بدورها شبكة مواطنين وصحافيين محليين، أم من خلال الركون لوسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات، شكّلت المعلومات المُرسلة مصدراً أساسياً أولياً للمعلومات.




وكون هذه المعلومات أولية، يشير ساسين إلى ضرورة تأدية الصحافي دوره المهني وواجبه بالتدقيق بها، ومقاطعتها مع أكثر من مصدر، لتقديم معلومة كاملة. ويتابع: "على سبيل المثال، عند إرسال مواطن أو مجموعة معينة عبر الواتساب، معلومة عن شنّ غارة أم في حال وقوع اغتيال على الطريق و صودف مرور أحد المواطنين وقام بتصوير الحدث ونشره، على الصحافي المباشرة إجراء المزيد من الاتصالات مع الجهات الرسمية للتأكد من تفاصيل المعلومة ومقاطعة المصادر، والتأكد ما إن كانت غارة أم قصف مدفعي، إضافة إلى حصيلة العملية، للوصول إلى معلومة كاملة، قبل نشرها على الوسيلة الإعلامية".
بدورها، تعتبر زميلته في المحطة نفسها، لارا الهاشم، التي أيضًا واكبت الحرب على الميدان، إمكانية التعويل على الصحافيين المواطنين كمصدر، عند إرسال أي معلومة أم صورة قد تفيد الصحافي، حتى أنهم قد يكونون أحد المصادر الاساسية.



وتشير الهاشم الى أن تجربتها يُمكن وصفها بالجيّدة في الحرب الاخيرة، إلا أنها تضيف: "صحافة المواطن رغم أهميتها الكبيرة إلا أنه لا يمكن أن تكون المصدر النهائي للمعلومات، خصوصاً إن كانت منتشرة على مجموعات واتساب أم وسائل التواصل الاجتماعي وليس من صحافي مواطن موثوق، وسط إمكانية التلاعب بالصور والفيديوهات عبر التقنيات المتطورة، أم التلاعب بتوقيت نشرها بحسب أجندات معينة".



وتوضح: "صحافة المواطن هي المصدر الأولي للانطلاق منه ومقاطعته مع مصادر أمنية ومسؤولي المناطق، والتدقيق بها، على سبيل المثال، كان يتم التداول بفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي بأن اسرائيل عمدت على القيام بسلسلة تفجيرات في إحدى القرى اللبنانية، وبعد أن قمت بالتدقيق بالفيديو مع أحد المصادر الامنية، وشخصين من أهالي المنطقة تبين انه خاطئ. وبالتالي، صحافة المواطن هي أحد المصادر المهمة والخطوة الأولى باتجاه الوصول الى معلومة دقيقة جاهزة للنشر".
هذا الوعي لدى الصحافيين بالتمييز بين الصحافيين المواطنين الموثوقين وبين من يعملون تحت هذا الغطاء عبر بعض المجموعات ووسائل التواصل الاجتماعي، لنشر أجندات معيّنة أم فقط لإظهار النفس، يبدو أنه سينعكس لاحقًا في محطات وأحداث أخرى.
مشاركة في استحقاقات أخرى.




من هنا، يعتبر سكرتير تحرير قناة الـ MTV غبريال مراد أن صحافة المواطن لعبت دورًا كبيرًا من دون أدنى شكّ خلال الحرب على لبنان، لأن كل مواطن تحوّل الى مراسل نوعاً ما بظل العدوانية الاسرائيلية التي كانت تستهدف أكثر من مكان، خصوصاً وأن فريق العمل لم يتمكن من التواجد في كل المناطق، فتحوّل كل مواطن إلى فريق عمل بشكل غير مباشر ضمن القناة التلفزيونية. ورأى مراد أن تجربة صحافة المواطن الاخبارية كانت ايجابية، ولا سلبيات سوى بما كان يحتاج احيانًا الى تدقيق إضافي، بسبب تزايد نسبة الوقوع بالخطأ وسط كمّ المعطيات الذي كان ينتشر، في حال حصول أي تطور أمني، ويقول: "على سبيل المثال، كان يُمكن أن يصلنا فيديو صحيح لكنه حاصل بفترة زمنية مغايرة على مجموعات الواتساب، الا أن ذلك كان بنسبة منخفضة جداَ، سببه حماس البعض للمشاركة في عمل المجموعات كمصدر للمعلومات".


ويضيف: "كما هو معلوم، قناة الـ MTV فضلت عدم دخول منطقة الضاحية الجنوبية، وبعض المناطق الجنوبية التي كان يتواجد بها بيئة حزب الله، حرصاً على سلامة فريق العمل، وهنا لعبت صحافة المواطن دور المراسل الميداني، بحكم العلاقة المسبقة مع أهالي المناطق، خلال الانتخابات أم أي محطات أخرى سابقة، ولولا ذلك كنا بالطبع عاجزين عن تغطية الحدث، وبالتالي علاقتنا مع الصحافيين المواطنين كانت قائمة على الاحترام المتبادل والصدقية المتبادلة، بحيث كنا نتأكد من أنهم دققوا بالمعلومة قبل إرسالها ويُمكن الاستناد إليها، والبعض اثبتوا انه بإمكانهم أن يكونوا مراسلين لنا في استحقاقات لاحقة، كانتخابات البلدية والنيابية وغيرها من المحطات التي تتطلب فريق صحافي أوسع".
لتعزيز صحافة المواطن وحسّ التدقيق بالمعلومات.

اذاً تعريف صحافة المواطن مطاط، بحيث يمكن أن يصبح كل المواطنين صحافيين، وبالتالي، تبقى المصداقية هي التي تخوله أن يكون صحافياً مواطناً أم ناقلاً للإشاعات.
وعن هذا الموضوع وتأثير صحافة المواطن على سلامة المعلومات، يقول الصحافي ومدقق المعلومات في "مهارات" بلال ياسين، إن صحافة المواطن سيف ذو حدّين، فعلى رغم أهميتها كمصدر للمعلومات، إلا أن البعض ينشر المعلومات الخاطئة عن غير قصد بسبب عدم تعزيز ثقافة صحافة المواطن في البلد، أم إذا كانوا ناشطين سياسيين بقصد خدمة خلفيات معينة، وكل ما كان الخبر سلبياً كل ما انتشر بشكل أوسع على عكس المعلومة الصحيحة. ويضيف: " ما لاحظناه خلال الحرب أن الأخبار المغلوطة انتشرت أكثر على مجموعات واتساب وسط وضع نفسي دقيق يعيشه المجتمع ما كان يدفع المواطن إلى تصديق اي خبر".



ويتابع: "صحافة المواطن مهمة جداً ومطلوبة في عصر السرعة لكنها تطرح الكثير من التحديات ما يحتم علينا مسؤولية أكبر لناحية تعزيز فكرة صحافة المواطن على مستوى السياسات العامة المتعلقة بالإعلام والمؤسسات الاعلامية بحسب معايير معينة يجب العمل على وضعها بعد مناقشات، والمجتمع المدني ومؤسسات التدريب مثل "مهارات"، حيث ندرب على التربية المعلوماتية التي تتضمن التدقيق بالمعلومات وتعزيز سلامة المعلومات بالفضاء الالكتروني، وتجنب البروباغندا السياسية، وصحافة المواطن وطريقة التعامل خلال الأحداث، وغيرها من التدريبات التي هي غير مخصصة فقط للصحافيين. هذا التدريب يعزز حسّ التدقيق قبل مشاركة أي خبر، إلا أنه يبقى دور الصحافي اكبر بالتدقيق".



تمّ إعداد هذا التقرير ضمن مشروع "إصلاح الإعلام وتعزيز حرية التعبير في لبنان". موّل الإتحاد الأوروبي هذا التقرير، وتقع المسؤولية عن محتواه حصريًا على عاتق مؤسسة "مهارات" وهو لا يعكس بالضرورة آراء الإتحاد الأوروبي.



الصحافية مايا غانم