هل تعرض البرنامج النووي الإيراني لـ "هزيمة ساحقة"؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, June 26, 2025

يعود البرنامج النووي الإيراني إلى واجهة الأحداث، وسط تساؤلات جوهرية: هل تعرض هذا البرنامج لـ"هزيمة ساحقة" بالفعل؟ وما مدى الضرر الحقيقي الذي لحق ببنيته التحتية وقدرته التشغيلية؟
ففي أعقاب الضربات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة، التي استهدفت منشآت نووية حصينة في أصفهان ونطنز وفوردو، تكاثرت الروايات وتضاربت التقديرات حول ما إذا كانت طهران قد فقدت بالفعل ذراعها النووي أم أن ما جرى ليس سوى فصل جديد في معركة طويلة الأمد.
ومع تسابق التصريحات بين تل أبيب وواشنطن لإعلان "النجاح العسكري"، ظهرت مؤشرات أخرى، من داخل إيران وخارجها، تشي بأن المعركة لم تُحسم بعد. فبين صور أقمار صناعية تكشف عن دمار واسع، وتصريحات لمسؤولين إيرانيين تؤكد الاستعداد المسبق ووجود خطط طوارئ، يبدو أن البرنامج النووي لم يُمحَ من الوجود، بل أعيد رسمه في الظل.
هدف واضح
ومنذ بداية الضربات الإسرائيلية غير المسبوقة على أهداف إيرانية في وقت سابق من هذا الشهر، أصبحت أهداف العملية واضحة تماما، فقد كان الهدف، كما أوضح مسؤول عسكري إسرائيلي هو إزالة التهديدات "الوجودية" النووية والصاروخية الباليستية لإيران بشكل دائم، وفق شبكة "سي إن إن".

إسرائيل تتساءل: أين 400 كيلوغرام من يورانيوم إيران المخصب؟
وبعد انضمام الولايات المتحدة في نهاية الأسبوع إلى الضربات الجوية، وقصف المنشآت النووية الإيرانية بذخائر قوية خارقة للتحصينات، أصر الرئيس دونالد ترامب على أن الضربات كانت "نجاحا عسكريا مذهلا" وأن المنشآت النووية الإيرانية "دمرت تماماً". لكن مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ الآن، فإنه من غير الواضح ما إذا كان الهدف الطموح قد تحقق.

تنقل الشبكة عن مصادر عسكرية غربية قولها إنه من السابق لأوانه تقييم الأضرار التي أحدثتها الضربات الأميركية والإسرائيلية بشكل كامل، على الرغم من أن صور الأقمار الصناعية تكشف عن دمار واسع النطاق في المنشآت النووية الرئيسية في أصفهان ونطنز وفوردو.
من المرجح أن يصبح برنامج تخصيب اليورانيوم المثير للجدل في إيران، والذي يستخدم أجهزة طرد مركزي حساسة يتم تركيبها في كثير من الأحيان في مخابئ محصنة على عمق كبير تحت الأرض، غير صالح للعمل أو تعرض للتلف، إن لم يكن تدميره بالكامل، بحسب التقرير.
يؤكد ترامب أن إيران لن تكون قادرة "أبدًا" على إعادة بناء برنامجها النووي.
إذا توفرت الإرادة السياسية، فقد تكون لدى إيران القدرة والوسائل لإحياء برنامجها، خاصة وأن المعرفة التقنية التي تمتلكها من المرجح أن تبقى على قيد الحياة، على الرغم من استهداف إسرائيل للعديد من العلماء النوويين الإيرانيين.
علاوة على ذلك، يؤكد المسؤولون في الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنهم ما زالوا غير متأكدين من مكان وجود المواد النووية التي صنعتها إيران بالفعل، بما في ذلك نحو 880 رطلاً من اليورانيوم 235 المخصب إلى درجة نقاء 60 بالمئة، وهي نسبة قريبة بشكل خطير من مستويات الأسلحة.
فيما أصر محمد إسلامي، المسؤول النووي الإيراني البارز ورئيس منظمة الطاقة الذرية في البلاد، على أن إيران "خططت مسبقًا" لضمان "عدم حدوث أي انقطاع في برنامجنا النووي".
وفي غضون ذلك، أفادت وسائل إعلام رسمية إيرانية بأن مواقع نووية تم "إخلاؤها" قبل الضربات الأميركية، مما أثار مخاوف من أن بعض أو كل المواد النووية المخصبة قد تم الحفاظ عليها، ربما في منشأة سرية غير معروفة للمفتشين.
الجيش الإسرائيلي: تل أبيب حققت كل أهداف العملية في إيران
البرنامج لم يهزم
تعليقاً على ذلك، يقول مستشار المركز العربية للدراسات، أبو بكر الديب لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن البرنامج النووي الإيراني لم ينتهِ ولم يُهزم كلياً، رغم تعرضه لضربات عسكرية واستخباراتية مؤثرة استهدفت منشآت رئيسية مثل نطنز وفوردو وأصفهان، وتسببت في تدمير أجهزة طرد مركزي وتعطيل جزئي للبنية التحتية. كما شهد البرنامج عمليات اغتيال لعلماء بارزين، من أبرزهم محسن فخري زاده، إضافة إلى هجمات إلكترونية مثل فيروس "ستاكسنت" في وقت سابق، التي أثرت على قدراته الفنية وأدائه التشغيلي.
ويضيف:
"رغم العقوبات الاقتصادية التي قيدت التمويل والدعم اللوجستي، واصلت إيران تخصيب اليورانيوم وتطوير تقنياتها النووية". "
تشير تقارير دولية إلى امتلاكها كميات مقلقة من اليورانيوم المخصب بنسبة تقترب من مستوى الاستخدام العسكري، مع إمكانية إعادة تأهيل المنشآت بسرعة".
“وعليه، يمكن القول إن البرنامج تعرض لخسائر كبيرة، لكنه لم يُنهَ، وما زال قائماً، وقادراً على استئناف نشاطه بشكل كامل في حال غياب اتفاق دائم أو عدم استكمال تفكيك بنيته التحتية".
ويستطرد: رغم الضربات، لا توجد مؤشرات قاطعة على أن إيران فقدت قدرتها على تخصيب اليورانيوم أو تخلّت عن طموحاتها النووية؛ فالتقارير الدولية تؤكد أن إيران لا تزال تحتفظ بكميات كبيرة من اليورانيوم المخصب، بعضها قريب من درجة الاستخدام العسكري، كما أن بنيتها التحتية النووية ما زالت قائمة جزئياً ويمكن إعادة تأهيلها خلال فترة قصيرة. في المقابل، لم تظهر أي مؤشرات على تراجع الإرادة السياسية أو العلمية التي تقف خلف استمرار البرنامج النووي.
تقرير استخباراتي
ووفقا لتقييم استخباراتي أميركي مبكر فإن الضربات العسكرية الأميركية على ثلاث منشآت نووية إيرانية في نهاية الأسبوع الماضي "لم تدمر المكونات الأساسية للبرنامج النووي للبلاد، ومن المرجح أنها أعادت تشغيله لعدة أشهر فقط"، بحسب ما نقله تقرير لشبكة "سي إن إن"

هذا التقييم، الذي لم يُنشر سابقًا، أعدته وكالة استخبارات الدفاع، الذراع الاستخباراتية للبنتاغون. وقال أحد المصادر إنه يستند إلى تقييم لأضرار المعركة أجرته القيادة المركزية الأميركية في أعقاب الضربات الأميركية.
ولا يزال تحليل الأضرار التي لحقت بالمواقع وتأثير الضربات على طموحات إيران النووية جاريًا، وقد يتغير مع توافر المزيد من المعلومات الاستخباراتية. إلا أن النتائج الأولية تتعارض مع ادعاءات الرئيس دونالد ترامب المتكررة بأن الضربات "دمرت تماماً" منشآت التخصيب النووي الإيرانية. كما صرّح وزير الدفاع بيت هيجسيث يوم الأحد بأن طموحات إيران النووية "قد قُضي عليها".
كما يشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز"إلى اعتراف مسؤولين أميركيين بأنهم لا يعرفون مصير مخزون اليورانيوم الإيراني. فقد اعترف كل من نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل جروسي بوجود تساؤلات حول مكان وجود مخزون إيران من المواد النووية التي تقترب من درجة صنع القنبلة.
فيما يشير التقرير في الوقت نفسه أيضاً إلى أنه:
من غير المعروف كم من الوقت سيستغرق الإيرانيون لإصلاح واستبدال تلك المعدات؛ ومن المرجح أن يستغرق الأمر سنوات.
لكن إيران تبني أيضًا بديلاً عميقاً جديداً لمفاعل نطنز جنوب المدينة. وقد أبلغ مسؤولون في طهران الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنهم لم يفتحوا المحطة بعد.
إذا كانت إيران تسعى لامتلاك سلاح نووي - وهو ما تنفيه رسميًا - فإن الأمر يستغرق وقتًا أطول من أي دولة نووية أخرى في التاريخ.
من المبكر إصدار حكم
في السياق، يشير الباحث المتخصص في الشأن الإيراني، محمد عبادي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أنه:
"من المبكر إصدار حكم نهائي حول مدى تضرر البرنامج النووي الإيراني، خاصة في ظل تضارب التقديرات الاستخباراتية؛ سواء تلك الصادرة من داخل إيران أو عبر التسريبات المنشورة في وسائل الإعلام الأميركية.. إلا أن المعطيات تشير بوضوح إلى أن البرنامج قد تلقى ضربة مؤلمة أعادته سنوات إلى الوراء".
رغم هذا التراجع، فإن حجم الضرر الحقيقي، وإمكانية إيران لإعادة تفعيل قدراتها النووية داخلياً، لا يزالان رهناً بمعلومات أدق لم تتوفر بعد. فقد استُهدفت منشآت نووية رئيسية مثل فوردو وأصفهان ونتانز، ما يجعل من الصعب أن يكون إعادة إحياء البرنامج النووي أولوية لإيران في المستقبل القريب.
في المرحلة الراهنة، تبدو الأولوية القصوى للنظام الإيراني هي احتواء الخرق الأمني الذي أدى إلى هذا التسلل، والعمل على تعزيز فعالية منظومته القيادية والعسكرية.
غير أن المعضلة الأكبر تكمن في هشاشة الدفاعات الجوية، التي سمحت بانكشاف الأجواء الإيرانية ومنحت إسرائيل سيطرة شبه كاملة على سماء طهران.
ويتابع: تواجه إيران اليوم تحديات متعددة، والبرنامج النووي لم يعد على رأس جدول أعمالها في هذه اللحظة. ومع ذلك، لا تزال إيران تنظر إلى برنامجيها النووي والصاروخي كأدوات استراتيجية بيد النظام، تسهم في حفظ توازن القوى الإقليمي، خاصة في ظل امتلاك إسرائيل ترسانة نووية وتحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة.

ويشير إلى أنه فيما يتعلق بإمكانية وجود منشآت سرية بعيدة عن رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن ذلك احتمال وارد. فبناءً على تقديراتها لاحتمال تعرضها لضربة، والتي كانت تحظى بترويج علني من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ شهور، قد تكون إيران نقلت أجزاء حساسة من برنامجها إلى مواقع سرية لا يعلم عنها أحد.
ويستطرد: نحن نتحدث عن مقدرات استراتيجية استُثمرت فيها عشرات أو ربما مئات المليارات من الدولارات، ولا يمكن التفريط بها بهذه السهولة. وقد أكد القائد السابق في الحرس الثوري، محسن رضائي، أن أجزاءً حساسة من البرنامج، بما فيها نحو 400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، قد نُقلت إلى مواقع سرية. وتُعد هذه الكمية ورقة ضغط قوية بيد إيران، سواء في سياق التفاوض أو ضمن حسابات الردع، حتى إن لم تتمكن من تشغيل أجهزة الطرد المركزي في المدى القريب.

سكاي نيوز عربية