حين يصبح الأفارقة وقودا لـ"أفران فاغنر" في أوكرانيا
شارك هذا الخبر
Tuesday, July 1, 2025
تتزايد التقارير التي تتحدث عن استعانة موسكو بما يشبه "فاغنر أفريقية" لحشد مقاتلين أفارقة للقتال جنباً إلى جنب مع القوات الروسية في أوكرانيا حيث تسعى إلى تحقيق مزيد من المكاسب الميدانية واستغلال انشغال القوى الغربية بالتصعيد في الشرق الأوسط.
وذكرت تقارير غربية وأيضاً أفريقية أن كثيراً من شباب القارة جرى تعبئتهم من قبل روسيا للقتال في الخطوط الأمامية في أوكرانيا، مقابل إغراءات مالية كبيرة وحوافز مثل منح الجنسية وجوازات سفر وغيرهما.
ويسود جدل واسع في دول مثل الكاميرون ونيجيريا وغانا وأفريقيا الوسطى حول مصير شباب جرى حشدهم للقتال مع الجيش الروسي في أوكرانيا. وكشف موقع "كاميرون ويب" الإخباري أخيراً عن مقتل الشاب أوامو ميتران، بعد أشهر قليلة من تجنيده من قبل روسيا للقتال في أوكرانيا.
وشهدت الكاميرون تدوين عشرات المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي كتبها أشخاص يبحثون عن معلومات حول أقارب أو أصدقاء جرى الزج بهم في أتون الحرب الأوكرانية التي بدأت في فبراير (شباط) 2022 عندما بدأت روسيا عملية عسكرية ضد كييف.
تحول جذري
هذه الاتهامات التي تلاحق موسكو في شأن تجنيد أجانب وخصوصاً أفارقة منهم للقتال في أوكرانيا ليست وليدة اللحظة، إذ سبق وأن واجه الكرملين اتهامات بتعبئة طلاب وجرهم نحو جبهات كييف.
لكن الذي يفرق الآن هو الشواهد والأدلة التي تحيط بالفعل بتجنيد أجانب، إذ بث 14 غانياً، أخيراً، مقاطع فيديو نشرها التلفزيون الوطني وهم يطلقون نداء استغاثة من دونيتسك حيث علقوا هناك مع القوات الروسية خلال اشتباك مع الأوكرانيين.
وعد الباحث السياسي الروسي، ديمتري بريدجيه، أن "استعانة الرئيس فلاديمير بوتين بمقاتلين أفارقة، سواء كانوا مرتزقة أو جنوداً نظاميين ضمن ترتيبات غير معلنة مع حكوماتهم، تكشف عن تحول جذري في الاستراتيجية الروسية ضمن سياق الحرب في أوكرانيا والصراع العالمي على النفوذ، وهذه الخطوة لا يمكن فصلها عن إرث فاغنر وعملياتها السابقة، بل تعكس تطورها باتجاه ما يمكن تسميته ’فاغنر أفريقية’ أو ’فاغنر 2’، ولكن بصيغة جديدة تتجاوز مفهوم الشركة العسكرية الخاصة نحو استخدام صريح ومؤسسي للقوة البشرية الأفريقية لتحقيق مكاسب ميدانية وجيوسياسية في مناطق أخرى مشتعلة".
وقال بريدجيه في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن "فكرة استقدام جنود أو مرتزقة أفارقة لا تنطلق فقط من الحاجة إلى التعويض عن الخسائر البشرية الروسية في أوكرانيا، بل تعكس عدة أبعاد استراتيجية عميقة"، موضحاً "أولاً، البعد السياسي الدولي، فروسيا من خلال هذه الخطوة تؤكد قدرتها على استخدام نفوذها في أفريقيا كورقة ضغط متعددة الاتجاهات. فمن جهة تضمن استمرار ارتباط دول القارة بها عبر عقود التدريب والتسليح والاستخدام العسكري، ومن جهة أخرى تلوح بهذه القدرة أمام الغرب مظهرة قدرتها على تعبئة موارد بشرية وعسكرية خارج حدودها التقليدية حتى لو طال أمد الحرب".
وزاد، "وثانياً، البعد العسكري العملياتي، فالجنود أو المرتزقة الأفارقة يتميزون بخبرة ميدانية غير نمطية، خصوصاً من دول تعيش حروباً أهلية أو عمليات مكافحة تمرد فهم قد لا يمتلكون انضباط الجيوش النظامية الروسية، لكن لديهم مهارات قتالية في بيئات قاسية. ومع التدريب السريع وإعادة التهيئة العقائدية ضمن القوات الروسية أو بقايا فاغنر، يصبحون أداة مهمة لتنفيذ مهام الاقتحام، الحراسة الخلفية، أو حتى زعزعة الاستقرار في مناطق انتشارهم".
يد قتالية رخيصة
عملية تعبئة روسيا للأفارقة هذه تأتي على رغم حاجة دول القارة السمراء نفسها إلى مقاتلين يساعدونها على الخروج من حال الفوضى الأمنية التي تعرفها على غرار النيجر ومالي وبوركينا فاسو ونيجيريا وأفريقيا الوسطى.
وتعاني روسيا نقصاً كبيراً في الموارد البشرية بعد مقتل وإصابة نحو 150 ألف جندي على جبهات القتال في أوكرانيا، فيما يتجه الوضع نحو إطالة أمد هذا الصراع الدموي.
وأشار بريدجيه إلى أن "البعد الثالث هو اقتصادي ديموغرافي إذ تواجه روسيا أزمة ديموغرافية حقيقية، فعدد القادرين على حمل السلاح آخذ في التناقص، والحرب تستنزف المجتمع الروسي على المستوى البشري والمعنوي، لذلك يوفر استقدام مقاتلين أفارقة لموسكو اليد القتالية الرخيصة من دون إحداث شرخ مباشر في النسيج الاجتماعي الداخلي أو فرض تعبئة واسعة تثير سخط الشعب".
وأكد أن "نجاح هذه الخطوة في تحقيق أهداف روسيا في حرب أوكرانيا يعتمد على شروط محددة، أهمها مدى اندماج هؤلاء المقاتلين في بنية القيادة والسيطرة الروسية، وطبيعة المهام الموكلة إليهم. إذا استخدموا كقوات صدمة أو هجوم مباشر فربما يؤدون أدواراً موقتة لكنها غير حاسمة. أما إذا خصصوا للمهام الخلفية أو لحراسة خطوط الإمداد، فسيسهمون فعلياً في تخفيف الضغط عن الوحدات الروسية".
وشدد على أن "دخول قوات غير أوروبية إلى ساحة الحرب سيعزز السردية الأوكرانية عن غزو أجنبي استعماري ويزيد الدعم الغربي لكييف، لكنه قد يزرع الخوف في صفوف القوات الأوكرانية إذا أظهروا وحشية ميدانية أكبر".
أسباب تدفع للانضمام
ويثير نجاح روسيا في إقناع الأفارقة بالانضمام إلى حرب ليست حربهم تساؤلات جدية حول الأسباب الكامنة خلف ذلك خصوصاً أن كثيراً من التقارير والتحقيقات كشفت عن انضمام المئات في الأقل إلى المستنقع الأوكراني.
وفي وقت سابق، بثت صحيفة "تيليغراف" البريطانية تحقيقاً مثيراً حول استدعاء روسيا للأفارقة من أجل القتال، وأوردت شهادات في هذا الشأن حيث تم استغلال ظروف صعبة يمر بها الشاب الكاميروني، جان أونانا، من أجل الاحتيال عليه وإيهامه بالحصول على وظيفة في روسيا لينتهي به المطاف محارباً في الجبهة الأوكرانية.
الأمر ذاته ينطبق على عائلة سنغالية فقدت ابنها كان قد سافر من أجل الدراسة إلى روسيا، لكن مصيره كان السجن في كييف بعدما أسرته القوات الأوكرانية على جبهة القتال. وكثيراً ما نفى الكرملين أي عمليات لاستغلال الطلاب أو دفعهم على القتال في أوكرانيا.
الباحث السياسي النيجري، محمد محفوظ، عدّ أنه "لا شك في أن تجنيد الأفراد في شركات أمنية خاصة أو ميليشيات خارج الأطر والهياكل العسكرية للدول أضحى من الأمور الملحوظة في أفريقيا، وبعض هذا النوع أحياناً محلي حيث تلجأ حكومات محلية لتجنيد مدنيين في صفوف ميليشيات، وبعضها دولي، فعلى سبيل المثال اتخذت روسيا وهي بصدد البحث عن مناطق نفوذ في القارة الأفريقية سياسة عسكرية من خلال أذرع تقوم بأدوار محلية في القارة وأخرى خارجها".
وأوضح محفوظ في تصريح خاص أن "هذه الأدوار تكمن في تعبئة مقاتلين لدخول ساحة الحرب الأوكرانية، وهي أدوار يقوم بها الفيلق الروسي – الأفريقي الذي حل أخيراً محل فاغنر التي بدأت عملية انسحاب من بعض الدول الأفريقية أهمها مالي، ولا شك أن لدى الشباب الأفريقي أسباب وبواعث تجعله يقدم على مثل هذه الخطوة".
وفسر أن "البطالة تعد سبباً مباشراً وكبيراً في دفع الشباب للإقدام على الانضمام للتشكيلات شبه العسكرية الروسية، والارتزاق جوهره العائد المادي للمرتزق، خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن الفئة الشبابية بالقارة تتجاوز النصف من الحصيلة الإجمالية للسكان، وهي فئة تعاني الفقر بسبب البطالة وقلة ذات اليد، والتجنيد بالنسبة إلى هؤلاء الشباب سيكون مصدر دخل عال غير آبهين بالأخطار التي تحيق بعمل على هذه التشكيلات".
ولفت إلى أن "ثاني هذه الأسباب، تراجع دور الدولة يضاف للسبب الآنف بعد آخر وهو تراجع ملحوظ لدور الدولة بكثير من البلدان الواقعة جنوب الصحراء، وانعكس تراجع الدولة بالتنمية على الأوضاع كافة اقتصادية واجتماعية وأمنية، وفي ظل تناقص الخدمات من الدولة لمجموعة من العوامل أهمها غياب الحوكمة في التسيير الإداري والإنفاق المالي، أصبح البحث عن تأمين الأفراد لحاجاتهم أمراً مستساغاً، ومنه الانتساب لأطر وتشكيلات شبه عسكرية تدفع لمن يقاتل لها أمراً واقعاً".
معضلة أخلاقية وسياسية
وتضع عمليات التعبئة والتجنيد مصير المئات من الأفارقة على محك حقيقي، لكنها تضع أيضاً روسيا ودولهم على حد السواء في موقف صعب وفقاً لباحثين، خصوصاً أن كثراً جرى التغرير بهم بحسب التحقيقات والتقارير ولم يذهبوا إلى جبهات القتال بمحض إرادتهم.
وفي اعتقاد بريدجيه فإنه "في ما يخص مستقبل هؤلاء الأفارقة، هنا تكمن المعضلة الأخلاقية والسياسية، فمعظمهم، إذا عادوا إلى بلدانهم، سيكونون قد اكتسبوا خبرة قتالية شديدة وارتباطات مالية وأمنية بروسيا، مما يجعلهم إما أدوات نفوذ روسية مستقبلية في أفريقيا (عبر الانضمام إلى شبكات النفوذ العسكري والاقتصادي الروسية هناك) أو مصدر تهديد لأمن واستقرار دولهم إذا عادوا من دون احتواء أو برامج إعادة دمج".
وأبرز أنه "في حال اختاروا البقاء ضمن التشكيلات الروسية، فإن مصيرهم لن يختلف كثيراً عن مصير مقاتلي فاغنر، مرتزقة بلا دولة حقيقية تحميهم، وأدوات لتنفيذ مهام قذرة، ثم التخلي عنهم حين تنتهي صلاحيتهم".
إغراءات وعلاقات على المحك
ووفق صحيفة "تيليغراف" فإن حكومات مثل الكاميرون أصبحت تشعر بقلق شديد إزاء فرار عدد من جنودها الذين اختاروا الانضمام إلى جبهات القتال الأوكرانية بعد عرض إغراءات عليهم من خلال رواتب ضخمة وجوازات سفر روسية وأيضاً جنسيات.
وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، محمد أوال، إن "روسيا تحاول بالفعل استغلال شبكة النفوذ التي تحظى بها في دول مثل أفريقيا الوسطى والنيجر ومالي وبوركينا فاسو لتعبئة أكبر عدد ممكن من المقاتلين لتعويض خسائرها الكبيرة في أوكرانيا وهو أمر يطرح مشكلة حقيقية على الصعيد السياسي والعسكري والأخلاقي وحتى القانوني إذ يجري تعبئة هؤلاء من دون أي أطر قانونية".
وذكر أوال أن "المشكل يكمن في عمليات استغلال الأفارقة يعانون الويلات في دولهم من أجل القتال من دون قضية وهم معرضون إما للقتل أو الإصابة أو الأسر، لكن روسيا لا تزال تجازف بهم وهي فوق المحاسبة الدولية".
وأكد أن "روسيا ارتكبت عبر ذارعها فاغنر مآسي كبيرة في دول مثل مالي، ولم تخضع للمساءلة وهي الآن تقوم بالأمر نفسه من خلال تعبئة الأفارقة، وفي اعتقادي فإن هذا الأمر يشجعها أكثر على التمادي في استخدام أبناء القارة كوقود لحروب لا دخل لهم فيها".