نظام الملالي في عيون أوروبيّة- بقلم محيي الدين الشحيمي
شارك هذا الخبر
Sunday, June 29, 2025
ماذا يريد الأوروبيون من النظام في إيران؟ هل بدّل النظام الإيراني في النظريّات الأوروبية بعد حرب الاثني عشر يوماً؟
شارك الأوروبيون في المفاوضات النووية مع إيران بهدف تجنّب حرب جديدة في الشرق الأوسط وجعل أوروبا مركزاً للاستقرار. لم ينجحوا، وتمّ تهميشهم:
أميركيّاً: بسبب الخلافات المنهجيّة بين ضفّتي الأطلسي الأميركية والأوروبية. أوروبيّاً: نتيجة صعوبة التوفيق في الكثير من المحطّات بين الأفكار الأوروبيّة الاتّحادية والقناعات الوطنية. إيرانيّاً: هدفت طهران إلى التعامل المباشر مع واشنطن والاستفادة من المجموعة الأوروبية. اعتمدوا على مدى العقدين الماضيَين على ثلاثة عناصر:
معارضة قانونية واضحة لأيّ حرب. الدفاع عن نهج متعدّد الأطراف. استراتيجية المفاوضات النووية الإيرانية وفصلها عن السياسة الإقليمية في الشرق الأوسط.
دور عقلانيّ محدود
تولّت المجموعة الأوروبية دور حراسة العقلانيّة الغربية. كانوا بمنزلة رافعة الموازنة في مواجهة الديناميّات السياسية الأميركية. حاول أوصياؤها الفرار من العزلة. انكبّوا على فهم وإفهام السياسة الأوروبية مع إيران والولايات المتّحدة، منذ تاريخ بداية المفاوضات النووية. دار حينها حوار في وزارة الخارجية الفرنسية حول إشراك الألمان والروس أو الألمان والبريطانيين، في مبادرة مشتركة تجاه إيران.
وضع الأوروبيون أنفسهم بتصرّف الحليف الأميركي، بهدف نيل أرصدة الدعم والشراكة عبر الأطلسي. كان التصور وقتها على أنّ هذه الشراكة غير مستقرّة ولا يمكن إصلاحها. عملت أوروبا على الرغم من الصعوبات على توفير إطار وسياق تفاوضيَّين مقبولين أميركيّاً بين العدوّين الوراثيَّين. قامت الاستراتيجية الأوروبية في أحلك ظروف الأزمة السياسية والأمنيّة على الحفاظ على منهجيّة المفاوضات الفنّية، بتعاون وطيد مع وكالة الطاقة الذرّية الدوليّة.
تجاهل الاتّحاد الأوروبي دوره الحقيقي في مشهديّة الحرب الأخيرة. وضع نفسه في مكان القاصر عن المساعدة الفرديّة. تشبّث بقيمه المؤسّسة على الرغم من كلّ المتغيّرات التي طرأت عليه. راقبت القارّة العجوز بعجز تصاعد حدّة النزاع الإسرائيلي الإيراني. اكتفت بلعب دور الوساطة الاستشارية، ومن الدورالثاني. كانت أقرب إلى كونها حاملة أفكار ووسيطة وناصحة غير هجومية لربط النزاع.
أحدثت الحرب الروسية- الأوكرانية داخل أوروبا فروقات كبيرة. وشكّل إمداد إيران لروسيا بالمسيّرات علامة فارقة، فباتت أقرب إلى الجهة الأطلسيّة في الدفاع عن منطق القيم الديمقراطية ومحاربة الفريق الثيوقراطي – الديكتاتوري، لكن بطريقة مزدوجة، فامتثلت لوجهة نظر دونالد ترامب الأميركية في رفع تاريخيّ لميزانيّة الإنفاق على الرغم من الصعوبات.
تجاهل الدّور
بالتوازي تجاهلت الإدارة الأميركية كلّ التوصيات الأوروبية، ما عدا فشل نتيجة اللقاء الإيراني الأخير مع الترويكا في جنيف. تمسّك الاتّحاد الأوروبي بعدم شرعيّة الحرب والتدخّل العسكري في إيران. لم يعطِها الإطار القانوني من موقعه المتوازن في تعاطيه مع الوقائع.
الإتحاد ضدّ الحرب في كلّ مكان من غزّة إلى لبنان وأوكرانيا. يجاهد حاليّاً لإنهاء الحرب الروسيّة على كييف. لكنّه أعلن في المقابل رفضه لامتلاك طهران السلاح النووي. أكثر من ذلك أيّد مشروعيّة وضع حدّ لمسيرة التخصيب بأيّ طريقة. لم يُدِن العمليّة الأميركية على المنشآت، وهو دليل موافقة. دعا بعدها إلى العودة المباشرة إلى طاولة المفاوضات، لتجنّب أيّ تصعيد احتماليّ مقبل للصراع، في الوقت الذي تناقش فيه أوروبا إمكان تعليق اتّفاق الشراكة الاستراتيجية مع الكيان الإسرائيلي.
كان تأثير الاتّحاد الأوروبي التاريخي ضعيفاً على إيران، وأضعف على الكيان الإسرائيلي. وضعته هذه الحالة في الكثير من الأحيان على الهامش، وأبعدته عن مسرح أحداث القرار الفعليّ. قد يُجبَر الاتّحاد الأوروبي في بعض القضايا، انطلاقاً من مبدأ التسوية السائد في الهيكل القارّي، على التزام القواسم المشتركة الدنيا، لا سيّما مع بعض الدول التي يحمل حجمها السياسي ثقلاً مؤثّراً. فألمانيا تلفحها حالة من الشعور القويّ اتّجاه الكيان الإسرائيلي بسبب تاريخها. لذلك تتجلّى مجموعة التباينات، التي تؤدّي إلى صعوبة رفع صوت أوروبي واحد، على الرغم من الموافقة الاستراتيجيّة على طرائق الحلّ النهائي في أغلب الملفّات. وهو ما ينتج مشقّة في آليّة ممارسة ضغط أوروبي صريح.
فهم خصائص ترامب
فهم الأوروبيّون خاصيّة ترامب السياسيّة الفريدة والمختلفة. تقوم على التصرّف من دون مراعاة الآراء الأوروبية. يفضّل اتّخاذ قراراته التي تقوم على المصلحة الأميركية بشكل إفراديّ. قرّرت أوروبا حفظ مصالحها وجنوحها نحو البراغماتيّة. تعمل على تفاهم مرن بواقعية المشاكل مع الإدارة الترامبيّة، قوامه الحفاظ على الشراكة الأطلسيّة بالدرجة الأولى والشراكة الشرق الأوسطيّة مع ربط نزاع حرب الرسوم الجمركية تالياً.
توازن أوروبا بين العزلة والتهميش وعدميّة ارتكاب الخطأ الاستراتيجي الكبير. باتت مقتنعة بتبدّل مثير في مسار النظام الإيراني، الذي دخل بحسب وجهة نظرها في متاهة البعد السياسي الثالث التي تجعل من النظام الإيراني أمام حتميّة الفوضى الداخلية. لقد فقدت أوروبا فكرة تكيّفها مع إمكان دخول إيران النادي النوويّ. تشدّد هذه الفترة على المفاوضات المنتجة المدرجة في جداول وتواريخ محدّدة. توافقت مع الإدارة الأميركية على عدم إسقاط النظام الإيراني لعدم وجود بديل له أوّلاً، ولعدم تكريس فكرة القضاء على الأنظمة بالطريقة العسكرية، وتجنّب الفوضى بعد خطيئة احتلال بغداد، وكي يكون سقوط أيّ نظام من الداخل.
تشدّد الكتلة الأوروبية على إيجابيّة عدم تحوّل المواجهة الأخيرة إلى حرب إقليمية. لكنّها تعلم أنّ المرحلة الجديدة لا تقلّ خطورة عن مرحلة الحرب. نتج عن هذه الحرب غالب واحد، وهو أميركا، ومغلوبان، وهما:
إسرائيل التي لن تستطيع فرض رسمتها المتعنّتة على المنطقة، إيران التي باتت أمام واقعية نهاية مشوارها النوويّ، فيما تريد أوروبا أن تكون إلى جانب الرابح. فهل ترفع أوروبا المحرّمات عن تغيير نظام الملالي؟