أسرار الهجوم الإسرائيلي على إيران: خطأ قاتل و"زفاف أحمر"
شارك هذا الخبر
Saturday, June 28, 2025
على رغم انتهاء الحرب بين إسرائيل وإيران قبل نحو خمسة أيام، فإن تفاصيلها وأسرارها لا تزال مدار بحث من قبل الإعلام والمتابعين، في محاولة لفك شيفرة حرب الـ12 يوماً وخلفياتها وكيف تم التحضير لها. وفي هذا السياق نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية تقريراً فيه كثير من أسرار العملية الإسرائيلية على إيران، التي انطلقت في 13 يونيو (حزيران) الجاري، إن لناحية التدريب أو زرع الجواسيس وكذلك التضليل الإعلامي وصولاً إلى التنفيذ، بالاستناد إلى مقابلات مع 18 مسؤولاً أمنياً من إسرائيل وأميركا.
يكشف التقرير أن تل أبيب خططت للعملية "قبل عقد من الزمن"، واتخذت قرار التنفيذ في التاسع من يونيو، فيما سمت عمليتها "الزفاف الأحمر"، باعتبار أن ما حصل ليلة الهجوم واستهداف القيادات الإيرانية الأمنية رفيعة المستوى يشبه مشهد الزفاف الشهير في مسلسل "صراع العروش"، فيما اغتيال تسعة من أبرز العلماء النوويين الإيرانيين في منازلهم بطهران بشكل شبه متزامن، حمل تسمية "عملية نارنيا"، نسبة إلى سلسلة الخيال الشهيرة.
تقول "وول ستريت جورنال" إن بعض المسؤولين الإسرائيليين فوجئوا بمدى نجاح خططهم، وقال رئيس مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي وأحد المهندسين الرئيسين للعملية اللواء عوديد باسيك "عندما بدأنا في التخطيط التفصيلي، كان من الصعب أن نعرف ما إذا كان ذلك سينجح".
تعود أصول العملية إلى منتصف التسعينيات، عندما حددت الاستخبارات الإسرائيلية ما رأته بوادر أولية لمحاولات إيران بناء برنامج للأسلحة النووية، وحينها بدأت الاستخبارات الإسرائيلية ببناء شبكة واسعة من العملاء على الأراضي الإيرانية لتسهيل مهمتها، تضمنت تنفيذ تفجيرات مرتين في أحد مواقع التخصيب الرئيسة في إيران واغتيال عدد من العلماء. لكن المسؤولين الإسرائيليين خلصوا في النهاية إلى أن هذه الأنشطة ليست كافية، وأنهم سيحتاجون في نهاية المطاف إلى تدمير واسع البرنامج النووي الإيراني، و"العقول النووية" الإيرانية، من الجو.
إلا أن تنفيذ عملية بهذا الحجم كان مسألة صعبة، وفق التقرير الأميركي، فالمواقع المستهدفة كانت تبعد أكثر من 1000 ميل عن الأراضي الإسرائيلية، وبذلك اضطر الطيارون الإسرائيليون إلى تعلم كيفية الطيران في تشكيلات تضم ما بين 6 و10 طائرات حول طائرة تزود بالوقود، كما اضطروا لتعلم كيفية توجيه طائراتهم بدقة بحيث تسقط صواريخهم خلال فترة تراوح ما بين 15 و20 ثانية من بعضها لتحقيق أقصى فاعلية.
مثل هذه التدريبات لم تكن ممكنة في بلد صغير لناحية مساحته مثل إسرائيل، ولذلك نفذت تل أبيب عام 2008 ما سمي "عملية الإسبرطي المجيد"، حيث حلقت أكثر من 100 طائرة F-15 وF-16 لمسافة تتجاوز 1000 ميل إلى اليونان، لاختبار قدرتها على الطيران لمسافات طويلة.
حرب متعددة الجبهات مع وكلاء إيران
تؤكد الصحيفة الأميركية نقلاً عن المسؤولين الذين أجرت معهم المقابلات أنه في الأعوام التي تلت كادت إسرائيل تقترب من تنفيذ هجوم جوي مرات عدة. إلا أن طلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان يرفض من قبل وزرائه ورؤساء أجهزته الأمنية الذين خافوا من اندلاع حرب مع إيران أو من إثارة غضب واشنطن، التي كانت تفضل آنذاك المسار الدبلوماسي.
في الأثناء واصل المخططون العسكريون الإسرائيليون إعداد السيناريوهات المحتملة، بما في ذلك حرب متعددة الجبهات مع وكلاء إيران، وهنا الحديث عن حركة "حماس" وحزب الله"، لكن كانت هناك معضلة كبرى وهي كيف ستحلق الطائرات الإسرائيلية فوق سوريا، التي كان لا يزال بشار الأسد رئيسها في تلك المرحلة. لكن سقوط نظام الأسد وقيام حكومة مناهضة لطهران ذلل هذه العقبة.
بحلول ذلك الوقت، كانت شبكات التجسس الإسرائيلية داخل إيران واسعة بما يكفي لتتبع تحركات قادة طهران العسكريين، وإنشاء قواعد طائرات مسيرة داخل البلاد يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في إسكات أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية أثناء الهجوم المرتقب، وهو ما حصل بالفعل خلال حرب الـ12 يوماً.
في الأثناء كانت تل أبيب على قناعة بأن طهران بدأت تخصيب اليورانيوم بمستويات تجعلها على بعد أشهر قليلة فقط من امتلاك قنبلة نووية، إذا أرادت ذلك، وخشيت خسارة معركة كبح تخصيب اليورانيوم، فأطلقت مخطط اغتيال العلماء الإيرانيين الذين قد يسهمون في تحويل ذلك اليورانيوم إلى سلاح، حتى لو دمرت المنشآت النووية، وهي المهمة التي حملت اسم "عملية نارنيا".
قائمة الأهداف الإيرانية
في نوفمبر 2024، جمعت القيادة العسكرية في إسرائيل 120 مسؤولاً في الاستخبارات وسلاح الجو لتحديد الأهداف البشرية والمادية قبل بدء القتال. بعدها وضعت قائمة بأكثر من 250 هدفاً إيرانياً، شملت العلماء المطلوب اغتيالهم، والمنشآت النووية، ومنصات إطلاق الصواريخ، والقادة العسكريين، وفق الصحيفة الأميركية، التي كشفت أيضاً أنه بهدف تحقيق تفوق جوي إسرائيلي، قامت تل أبيب بمقارنة آلاف المصادر الاستخباراتية لرسم خريطة أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية.
تقول الصحيفة، إن نتنياهو ومستشاريه العسكريين اتخذوا القرار النهائي بتنفيذ الهجوم في التاسع من يونيو، أي قبل أربعة أيام من تنفيذه، وكان فريق رئيس الوزراء يدرك أنه يجب عليهم إخفاء نياتهم كي لا يتخذ الإيرانيون إجراءات احترازية.
حينها أعلن مكتب نتنياهو أنه سيأخذ عطلة نهاية الأسبوع لحضور حفل زفاف نجله أفنير، وقد تبين لاحقاً أن أياً من الحضور، بما في ذلك ابنه وزوجته سارة، كانوا على علم بأنه كان يخطط لتأجيل الزفاف، وقد تصرف وكأن كل شيء طبيعي.
تزامناً سرب المسؤولون الإسرائيليون تقارير إلى وسائل الإعلام تظهر وجود خلاف بين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب في شأن تنفيذ الهجوم، وأن الأخير يفضل إعطاء المسار الدبلوماسي فرصة، وترمب كان قال للصحافيين في يوم تنفيذ الهجوم إن واشنطن وطهران "قريبتان إلى حد ما من التوصل إلى اتفاق". وأكثر من ذلك، بينما كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق في الجو متوجهة نحو إيران، نشر الرئيس الأميركي على منصته "تروث سوشيال" قائلاً "لا زلنا ملتزمين بحل دبلوماسي للقضية النووية الإيرانية".
الخطأ الإيراني القاتل
من العناصر الحاسمة في الخطة الأميركية كان القضاء على قيادة القوات المسلحة الإيرانية دفعة واحدة، وهي الجهود التي أطلق عليها اسم "الزفاف الأحمر" بحسب "وول ستريت جورنال"، وذلك بهدف منع أي رد فعل إيراني فوري، وكسب الوقت للطائرات والمسيرات الإسرائيلية كي تدمر منصات الصواريخ الإيرانية، لكن مع اقتراب الطائرات الإسرائيلية، برزت مشكلة وهي أن قيادات القوات الجوية الإيرانية بدأت التحرك، فقلق المسؤولون الإسرائيليون من فشل خطتهم.
لكن المفاجأة الكبرى أو الخطأ القاتل الذي ارتكبته إيران، هو أنه بدلاً من تفرق قيادات القوات الجوية الإيرانية، اجتمعت في مكان واحد، مما جعل استهدافهم أسهل وأكثر حسماً، وهو ما حصل.