هدنة أم استسلام؟ كيف أعاد ترامب كتابة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط -بقلم شربل عبدالله أنطون

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, June 25, 2025

الهدنة الأخيرة بين إيران وإسرائيل تُعد مثالاً في الغموض — إنها هشّة، مُرتجلة، ومُحيّرة قبل كل شيء. في منطقة طالما تميزت بمعادلات صفرية، أنتج هذا الاتفاق مفارقة غريبة: كل طرف رئيسي يمكنه أن يدّعي النصر بشكل معقول، حتى وإن بقيت الأرض من تحتهم غير مستقرة.
نتنياهو، خامنئي، وترامب: منتصرون بمقاييس مختلفة
يخرج بنيامين نتنياهو من هذه الحرب بانتصار جزئي. لم يقضِ على النظام الإيراني، لكنه حافظ على قوة الردع الإسرائيلية، وأكد مكانة بلاده في ميزان القوى الإقليمي. أما المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، فرغم الضربات القاسية، قد ضمن بقاء النظام — وإن بات اليوم أشبه بنمر من ورق، أكثر من كونه طليعة أيديولوجية كما في السابق.
لكن الرابح الأكبر ليس في القدس ولا طهران، بل في واشنطن. إنه دونالد ترامب الذي حقق خدعة دبلوماسية نادرة: إذ ظهر كبطل حرب وصانع سلام في آنٍ واحد. أدار عرضاً مهيباً للقوة، ثم انتقل بسرعة إلى التوسط في وقف إطلاق النار — مجسّداً نفسه كرجل الدولة الذي لا غنى عنه في منطقة لا تزال تتوق إلى القوة المُغلفة بالاستقرار.
شجاعة قطر الصامتة
تلي ترامب في المكاسب دولة قطر، التي لعبت وساطتها – بطلب أميركي- دوراً محورياً. في لحظة استثنائية، تلقت الدوحة ضربة صاروخية إيرانية — لا إسرائيلية. إنها تضحية نادرة من دولة خليجية لطالما حافظت على علاقات ودية مع طهران. تلك اللحظة الفريدة لم تحمِ المصالح الأميركية والخليجية فحسب، بل كرّست أيضاً صعود قطر كلاعب دبلوماسي مميّز. تلك اللحظة غير المسبوقة مثّلت تحوّلاً جذرياً في المشهد الاستراتيجي للمنطقة، وسلطت الضوء على رهانات الدور القطري في دبلوماسية وقف إطلاق النار.
كأس السم يعود من جديد
ضربة ترامب لمنشآت إيران النووية لم تكن مجرد استعراض للقوة الأميركية، بل خطوة مدروسة لإجبار خامنئي على تجرّع "كأس السم" نفسه الذي شرب منه الخميني عام 1988 عندما قبل بوقف إطلاق النار لإنهاء الحرب الإيرانية العراقية. العملية — التي نُفذت بـ 125 طائرة أميركية تحت اسم "مطرقة منتصف الليل" — كشفت تصدعات دفاعات إيران، ووجهت رسالة لا تقل فاعلية عن أي نظام عقوبات.
استعادة الردع واحتواء التطرف
تحييد التهديد النووي لم يكن استعراضاً للعضلات — بل ضرورة استراتيجية أميركية. فالنظام الإيراني بدأ تاريخه باحتجاز الدبلوماسيين الأميركيين، ثم بتنفيذ تفجير المارينز في بيروت، ولم يتوقف عن استهداف القوات الأميركية في بغداد وسواها. عملية "مطرقة منتصف الليل" لم تكن ضربة فحسب — بل موقفاًً واضحاً: الردع عاد، وكذلك عقيدة السلام من خلال القوة. فقد استهدفت العملية صلب قوة إيران بعد إضعاف ميليشياتها في لبنان وغزة والعراق واليمن وسوريا.
الأهم من ذلك، أن انتقال ترامب السريع من الضربة إلى الهدنة سحب البساط من تحت أقدام المتشددين الدينيين على الجانبين — في طهران والقدس على حد سواء — والذين طالما غذوا عدم الاستقرار الإقليمي بإيديولوجياتهم المتطرفة. اعتماد النهج القوي والمنضبط في آن قد يكون من الحالات النادرة في تاريخ المنطقة، حيث لم تكن سياسة "الاحتواء" مرادفاً للجمود، بل مساراً محسوباً لإعادة ضبط ميزان القوى.
هدنة من نوع خاص
هذه الهدنة ليست تقليدية بأي حال؛ فعلى غرار الهدنة غير المستقرة مع "حزب الله"، التي تمنح إسرائيل هامش التحرك ضد تهديدات الميليشيا الإيرانية، يمنح اتفاق وقف النار لإسرائيل حرّية التحرك ضد أي هدف إيراني مع تأجيل المواجهة الشاملة مع نظام الملالي. لكن السؤال يبقى مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه المعادلة الهشة ستصمد. لكنها، في الوقت الراهن، تتيح لحظة — لالتقاط الأنفاس وإعادة تقييم الأولويات والتحالفات في المنطقة.
صدمة وفرصة
الضربات التي طالت فوردو ونطنز وأصفهان غيّرت حسابات طهران الاستراتيجية من جذورها. فقد اهتزّ النظام من الداخل، وتلاشت هالة الحصانة التي كان يتمتع بها. الآن يبرز السؤال: هل سيبني ترامب على هذا الزخم — أم سيكتفي بالمكاسب الآنية؟
إذا أراد الرئيس ترامب التصفيق، فسيوقّع على صفقة نووية جديدة — تدعم نظاماً يحتضر وتتحاشى التهديدات الحقيقية. أما إذا أراد أن يكتب التاريخ، فعليه أن يضع حداً لما هو أخطر: ترسانة إيران الصاروخية، ووكلاؤها الإرهابيون، وخنقها للمنطقة.
الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كان هذا الهدوء الهشّ جسراً نحو واقع أكثر استقراراً — أم مجرد سكون يسبق العاصفة. أما الآن، فالعالم يراقب... وينتظر.