دمشق: أنصار السنة يوجه تهديدات صريحة بتوسيع عملياته نحو لبنان- بقلم واصل حميدة
شارك هذا الخبر
Tuesday, June 24, 2025
في واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ انهيار نظام بشار الأسد، شهدت العاصمة السورية يوم الأحد الماضي تفجيراً دموياً داخل كنيسة مار إلياس في حي الدويلعة، أسفر عن مقتل أكثر من 25 شخصاً وإصابة ما لا يقل عن 63 آخرين، أثناء قداس صباحي مزدحم بالمصلين. وسارعت وزارة الداخلية السورية عقب الهجوم إلى الإعلان عن "القبض على عدد من المتورطين"، مرجّحة "ضلوع تنظيم داعش" في العملية. إلا أن الساعات القليلة الماضية حملت تطوراً مفاجئاً، تمثّل في بيان رسمي نُشر عبر تطبيق تليغرام، أعلن فيه تنظيم يُعرف باسم "سرايا أنصار السنة" تبنّيه الكامل للعملية، مقدّماً رواية تتقاطع مع شهادات من داخل الكنيسة، ما يضرب الرواية الرسمية ويكشف ضعفاً أمنياً خطيراً في العاصمة.
من هم "سرايا أنصار السنة"؟ يُعد تنظيم "سرايا أنصار السنة" من أخطر التشكيلات الجهادية التي ظهرت في سوريا منذ سقوط النظام. وقد أُعلن عن تأسيسه في 1 شباط/فبراير 2025 بقيادة أبو عائشة الشامي، وهو قيادي سابق في "هيئة تحرير الشام" انشقّ عنها احتجاجاً على ما اعتبره "تساهلاً تجاه الطوائف الأخرى". يتبنى التنظيم عقيدة تكفيرية صارمة تستهدف كل من لا ينتمي إلى "المنهج السني الجهادي"، بما في ذلك العلويون، الشيعة، الدروز، المسيحيون، وحتى السنة الذين خدموا في النظام السابق أو شاركوا في مؤسسات المعارضة السياسية. وصف التنظيم مشروعه بـ"حرب تطهير عقائدي"، ويعمل عبر خلايا لا مركزية مستقلة، ويُقدّر عدد مقاتليه بنحو 1,600 عنصر موزعين في حماة، حمص، جبال الساحل، اللاذقية، مع مؤشرات على تمدده نحو طرابلس اللبنانية.
دلالات تبنّي "أنصار السنة" بيان التنظيم شكّك في صحة إعلان وزارة الداخلية عن "القبض على متورطين"، واعتبره "محاولة للتغطية على الفشل الأمني"، ما يضرب مصداقية السلطة الانتقالية ويعمّق فقدان الثقة بها. وجاء التفجير بعد سلسلة خطوات تطمينية من الحكومة الانتقالية تجاه الأقليات الدينية، ما يجعل العملية بمثابة رسالة دموية موجهة ضد مشروع الدولة المدنية. ووفقاً لباحثين، فإن تفجير كنيسة مار إلياس يُعد أكبر مجزرة تستهدف المكوّن المسيحي في سوريا منذ مذابح عام 1860، عندما تعرّض المسيحيون في دمشق ومناطق أخرى لهجمات طائفية دامية في عهد الدولة العثمانية.
تنظيم يتغذّى على الفراغ والفوضى لم يكن بروز "سرايا أنصار السنة" وليد لحظة. بل جاء تتويجاً لاستغلال التنظيم للفراغ الأمني والشلل المؤسساتي الذي أعقب سقوط النظام، وتمدّده في بيئات هشة يغيب فيها القانون. منذ تأسيسه، تبنّى التنظيم عشرات العمليات، أبرزها: كمين استهدف عائلة من الطائفة العلوية في ريف حماة (12 قتيلًا)، اغتيالات في حمص وطرطوس، إحراق غابات في القرداحة، اختطاف مدنيين علويين في اللاذقية، وتصفية عناصر سنية خدمت في أجهزة النظام الأمنية. كما وجّه تهديدات صريحة بتوسيع عملياته إلى لبنان، وحدّد مدينة طرابلس بوصفها "أرضاً للردة يجب تحريرها"، على حد تعبيره.
التشييع تحت التهديد إعلان التنظيم مسؤوليته عن الهجوم ألقى بظلال قاتمة على مراسم تشييع الضحايا، المقرّرة اليوم في كنيسة مار إلياس. ومع توقعات باحتشاد آلاف المشيعين من مختلف الطوائف للمشاركة في الصلوات والجنائز العامة، ارتفعت مؤشرات الخطر الأمني وسط دعوات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي للتجمّع بكثافة. هذا التوتر المتصاعد يضع الأجهزة الأمنية أمام اختبار حرج، ويثير مخاوف من استهدافات جديدة أو محاولات تفجير بين الحشود، خصوصاً في ظل تصريحات التنظيم عن نيته مواصلة "سلسلة التطهير"، وغياب مؤشرات على تفكيك خلاياه داخل العاصمة. الهجوم يبعث برسائل قاسية لسكان العاصمة. فـ"دمشق، التي كانت تُعد أكثر المدن تحصيناً، باتت ساحة مفتوحة أمام جماعات متطرفة، ما جرى يُظهر خللاً عميقاً في البنية الأمنية، ويهدد أساسات الدولة الوليدة.
خطاب الكراهية تبنّي "أنصار السنة" للهجوم يعيد تسليط الضوء على خطاب الكراهية الطائفي الذي تُرك دون ردّ رادع، ويثير هواجس من انزلاق البلاد نحو موجة صراعات أهلية، في ظل عجز المؤسسات الانتقالية عن فرض سيطرتها الكاملة على الأرض. تفجير كنيسة مار إلياس ليس حدثاً معزولاً. بل هو مؤشر خطير على تحوّل المسار الأمني والسياسي في سوريا ما بعد الأسد. فظهور تنظيم مثل "سرايا أنصار السنة" بأيديولوجيته الدموية وأجندته الطائفية يفتح جراحًا قديمة، ويهدد بإشعال صراعات لا تُحمد عقباها. يبقى السؤال: هل تمتلك الدولة السورية الجديدة القدرة على مواجهة هذا النوع من الإرهاب المنظّم؟ أم أن البلاد مقبلة على جولة أخرى من الدم والفوضى؟