ناشونال إنترست- كيف تتجنب الولايات المتحدة أزمة مالية حادة؟

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 13, 2025

توشِك الولايات المتحدة أن تشهد أزمةً مالية حادة بسبب ديون داخلية غير مستدامة تجاوزت 36 تريليون دولار، وإذا لم تُنفَّذ إجراءات سياسية فورية، فقد تعصف بالدولة كارثة مالية كبرى.

وهذه ليست محض توقعات، بل إن مؤشرات الأزمة تتشكل أمامنا فعلاً، والرفض الحزبي من كلا الجانبين للتصدي للعجز المالي لا يزيد الأمور إلا تعقيداً وسوءاً.

هذا ما خلص إليه د. ماثيو بوروز، مستشار وقائد برنامج مركز ستيمسون للاستشراف الاستراتيجي التابع لمركز ستيمسون؛ ود. جوزيف برامل، الأمين العام للمجموعة الألمانية والمدير الأوروبي للجنة الثلاثية - وهي منصة عالمية مؤثرة للحوار بين أمريكا وأوروبا وآسيا، في مقال مشترك بموقع مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية.

الجبل الجليدي.. العجز والدين العام
وقال الكاتبان: اعتادت الولايات المتحدة منذ عقودٍ على نمطٍ من الإنفاق الحكومي المرتفع مقابل ضرائب منخفضة، وهو ما تعززه سياسات الحزبين. ومنذ عام 1970، ظلَّ العجز في الميزانية قائماً باستمرار، باستثناء فترة قصيرة بين عامي 1998 و2001. وأسهمت أزمات مثل الانهيار المالي خلال الفترة بين عامي 2007 و2008 وجائحة كوفيد-19 في تفاقم الإنفاق الحكومي وارتفاع العجز.

وتضاعف الدين العام من أقل من 24 تريليون دولار عام 2014 إلى نحو 36 تريليون دولار في 2024، ومن المتوقع أن تصل نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 122% بحلول عام 2034. ورغم الحديث عن تقليص الإنفاق، فإن ميزانية ترامب للعامين 2025 و2026، بما تشتمل عليه من زيادة في الإنفاق الدفاعي وتمديد التخفيضات الضريبية، يُتوقَع أن تضيف 5 تريليونات دولار خلال عشر سنوات إلى الديون.

وأضاف الكاتبان: يتحمَّل الحزبان معاً مسؤولية هذا الدين، إذ تشير الدراسات إلى أنَّ الرؤساء من الحزبين ساهموا بنسبٍ متقاربة في تفاقم العجز. فقد سجَّلَ ترامب أعلى أعباء إضافية للدين خلال فترته الأولى بواقع 7.1 تريليون دولار، يليه أوباما بقيمة 5.6 تريليون دولار، ثم بايدن بقيمة 2.8 تريليون دولار.

ورغم خطورة الوضع الراهن، يتجنب الجمهوريون والديمقراطيون على حدٍ سواء صنع أي قرارات لن تلقى قبولاً شعبياً مثل رفع الضرائب أو خفض الإنفاق. غيرَ أن الواقع المالي قاتم؛ فهناك 9.2 تريليون دولار من الديون سيُستحَق سدادها في عام 2025، وهي بحاجة لإعادة تمويل بفوائد أعلى، مما سيؤدي إلى ضغوط كبيرة على الأسواق.

وبدأت وكالات التصنيف في خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، وارتفعت عوائد السندات، في خضم مخاوف من فقدان الدولار مكانته باعتباره ملاذاً آمناً. وفي الوقت نفسه، ستبدأ آثار الرسوم الجمركية في الظهور قريباً، مما قد يفاقم الأزمة.

ومن أخطر المقترحات المطروحة في الكونغرس، حسب الكاتبين، ما يُعرف بـ "ضريبة الانتقام" التي تستهدف المستثمرين الأجانب، ما قد يُعد بمنزلة تخلُّف جزئي عن السداد، ويؤدي إلى عزوف المستثمرين عن الاستثمار في وقتٍ حرِج.

ما الذي قد يشعل أزمة مالية؟
وأشار الكاتبان إلى أنه توجد عدة سيناريوهات مثيرة للقلق، أبرزها فشل المفاوضات التجارية مع الاتحاد الأوروبي أو الصين. وقد تؤدي تهديدات ترامب برفع الرسوم الجمركية إلى إثارة رعب المستثمرين الدوليين وإضعاف الثقة بالدولار.

كما أن تشدُّد إدارة ترامب تجاه الصين—بما في ذلك حظر طلاب العلوم الصينيين وتقييد وصول الصين للتقنيات المتقدمة—قد يؤدي إلى انهيار الاتفاق التجاري الهش بين البلدين. وإذا تخلّى أي طرف عن التفاوض أو إذا أُعيدَ فرض الحظر على الواردات الصينية، فقد تُقدِم الصين على بيع أصولها الدولاريّة، مما يُعجِّل باندلاع أزمة مالية.

هل من مخرج؟
وأشار الكاتبان إلى أمثلة ناجحة تاريخياً. ففي عام 1990، نجح اتفاق حزبي لتقييد الميزانية في خفض العجز لاحقاً، وذلك بفرض أسقفٍ للإنفاق واعتماد سياسة "ادفع مقابل ما تنفقه" للبرامج الاجتماعية والضرائب.

لكنّ ذلك قد يتطلب خفض الإنفاق الدفاعي، ما يعني إلغاء خطط ترامب لمشروع "القبة الذهبية" الدفاعي. وبدلاً من ذلك، سيكون من الضروري العودة إلى سياسات الحد من التسلح مع الصين وروسيا.

وقد تؤدي أزمة جديدة كتلك التي وقعت في 2008 إلى الإطاحة بالطبقة الوسطى، وزيادة الفجوة الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي. من الواضح أنه لا بد أن يكف ترامب والكونغرس عن المراهنات الاعتباطية وأن يتعاملا مع الواقع قبل أن تصطدم خزينة الدولة بالجبل الجليدي القاتل.


24.AE