تلاشت أسوأ مخاوف المستثمرين في "وول ستريت" بعد هدنة موقتة من حرب الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة وبكين، لكنهم يخشون أن تكون المفاوضات المقبلة طويلة وشاقة، في ظل استمرار أخطار تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وأدت الهدنة في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى موجة ارتياح في أسواق الأسهم، ودفعت الدولار إلى الارتفاع بأكثر من واحد في المئة مقابل سلة من العملات الرئيسة، فيما تراجع الين والفرنك السويسري إلى جانب أصول الملاذات الآمنة الأخرى مثل الذهب والسندات الحكومية.
قفزة "وول ستريت"
على أثر الاتفاق قفزت الأسهم الأميركية، إذ أغلق مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" مرتفعاً بنسبة 3.3 في المئة، فيما قفز مؤشر "ناسداك" المركب الذي تهيمن عليه أسهم التكنولوجيا بأكثر من أربعة في المئة.
وانخفضت أسعار سندات الخزانة الأميركية، مما دفع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 أعوام إلى 4.48 في المئة، وهو أعلى مستوى له في نحو شهر، مع تخلي المستثمرين عن الأصول الآمنة وارتفاع شهية المخاطرة، في حين ارتفع مؤشر "أم أس سي آي" للأسهم العالمية بأكثر من اثنين في المئة.
محللون أجمعوا أن ارتفاعات أسواق الأسهم تعبر عن موجة ارتياح لأن أسوأ سيناريو للرسوم الجمركية، وهو فرض رسوم بأكثر من 100 في المئة، لم يتحقق على الأرجح.
وعلى رغم هذا الارتياح فلا يزال الحذر يخيم على الأسواق نظراً إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق تجاري دائم، مع احتمالية استمرار تأثير الرسوم المرتفعة على الاقتصاد العالمي لكن هناك 90 يوماً من عدم اليقين.
الرسوم الجديدة
وبعد يومين من المحادثات مع مسؤولين صينيين في جنيف، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت إن الجانبين اتفقا على وقف موقت 90 يوماً، تخفض خلاله الرسوم الجمركية بأكثر من 100 نقطة مئوية.
وبذلك ستصبح الرسوم الأميركية على السلع الصينية 30 في المئة من الـ14 من مايو (أيار) الجاري حتى الـ12 من أغسطس (آب) المقبل، فيما ستبقي الصين رسومها على الواردات الأميركية عند 10 في المئة، وتجاوزت هذه النتيجة توقعات عديد من المستثمرين قبل بدء المحادثات.
رسوم فعالة
المحللون قالوا إن الاتفاق الأميركي - الصيني يعني معدل رسوم فعال يبلغ نحو 15 في المئة وهذا أفضل بالمقارنة مع التوقعات، التي رجحت استمرار الرسوم عند مستويات مرتفعة.
كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض رسوماً جمركية بنسبة 145 في المئة على الواردات الصينية، وردت الصين برفع الرسوم إلى 125 في المئة على السلع الأميركية، مع فرض قيود على تصدير بعض المعادن النادرة الحيوية.
وتسببت تلك الإجراءات في توقف ما يقارب 600 مليار دولار من التجارة الثنائية، وأربكت سلاسل التوريد، وأثارت مخاوف من انهيار الاقتصاد العالمي.
تأثير الرسوم
وأثار إعلان ترمب في الثاني من أبريل (نيسان) الماضي عن فرض رسوم واسعة النطاق خروجاً حاداً من الأصول الأميركية، بما في ذلك الدولار وسندات الخزانة، وهما دعامتان رئيستان للنظام المالي العالمي، إذ أدى تصاعد حال عدم اليقين في شأن السياسات التجارية الأميركية إلى إضعاف ثقة الشركات والمستهلكين.
وعلى رغم حال الهدوء فلا تزال الشركات تجد صعوبة في اتخاذ قرارات الإنفاق كما تتصرف الأسواق وكأن الأخطار قد زالت.
أكثر مرونة
ولاحظ المستثمرون بوادر على أن ترمب قد يعيد التفكير في استراتيجيته التجارية، مع تراجع المؤشرات الاقتصادية وتحذيرات البنوك المركزية من أخطار تباطؤ النمو وارتفاع التضخم.
ساعد الاتفاق الذي توصل إليه الأسبوع الماضي مع بريطانيا، إضافة إلى الإشارات الإيجابية من اليابان وفيتنام وكوريا الجنوبية، على تعزيز بعض الثقة، وأسهم تراجع التوترات الجيوسياسية في تحسين الأجواء.
تراجع تقلبات الأسهم
ورجحت التوقعات لانخفاض حال عدم اليقين في شأن التجارة كفة انخفاض تقلبات سوق الأسهم، مما يخفف الأوضاع المالية ويحسن معنويات المخاطرة، علاوة على أن هناك تفاؤلاً أكبر بأن الرسوم الجمركية لن تكون مدمرة كما كان يخشى، لكن ذلك لا يعني عودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل عهد ترمب.
المحللون أضافوا أنه لا يزال هناك قدر كبير من عدم اليقين في شأن أين ستستقر هذه الرسوم الجمركية، وتأثيرها في النمو العالمي وسياسات البنوك المركزية إضافة إلى أن المخاوف قد تتحول من التجارة إلى قضايا أخرى، إذ يأتي ذلك وسط تساؤلات من المستثمرين عن تأثير الخفوض الضريبية المخطط لها من ترمب على مستويات الديون الأميركية، بخاصة مع تراجع إيرادات الرسوم الجمركية.
حال عدم اليقين انتقلت إلى مجال آخر، إذ جاء رد فعل سوق السندات بدأ متناقضاً مع هدف إدارة ترمب المتمثل في خفض عوائد الديون الحكومية، التي تعد مرجعاً لمجموعة واسعة من كلف الاقتراض.
خفوض أقل
وقلص المتداولون رهاناتهم على خفوض أسعار الفائدة من جانب "الاحتياطي الفيدرالي" هذا العام إلى مرتين خلال 2025 بعدما وافقت الولايات المتحدة والصين على خفض الرسوم الجمركية وتخفيف حربهما التجارية.
وتشير آراء الاقتصاديين حول مدى التيسير الذي يتوقع أن يجريه الفيدرالي هذا العام إلى وجود حال من عدم اليقين في شأن السياسة النقدية، إذ تراوح ما بين التوقعات بين عدم وجود أي خفوض وخفوض تصل إلى 125 نقطة أساس.
التوقعات ترجح أن أول خفض للفائدة سيكون بنحو ربع نقطة مئوية في سبتمبر (أيلول) المقبل، ويتوقع عديد من الاقتصاديين في البنوك الكبرى تخفيضين أو ثلاثة خفوض هذا العام، بدءاً من يوليو (تموز) أو سبتمبر المقبلين.