نبيل مكاري: في بلدة أنفة... قوات الغدر والخيانة!

  • شارك هذا الخبر
Thursday, May 1, 2025

كتب الناشط نبيل مكاري على منصّة "اكس":

قوات الغدر والخيانة

البارحة في ٣٠ نيسان ٢٠٢٥ وقبل أن يُدلَى بأي صوت، وقبل أن تبدأ الحملات الانتخابية حتى، وقعت الخيانة. لم تحصل يوم الاقتراع، ولا على منصّات الخطابات، بل حصلت في آخر يوم من أيام الترشّح، و في آخر ساعتين، اليوم الذي يُعرف بأنه اللحظة الأخيرة التي يُمكن فيها لأي مرشّح أن يُقدّم طلبه للترشح للانتخابات البلدية. في بلدة أنفه، تلك البلدة الصامتة الشامخة بتاريخها، حصل ما لن يُنسى لسنوات طويلة قادمة.

كان الاتفاق قد تم. بهدوء، ووضوح، وبأسماء ثقيلة على الأرض. ميشال نخّول سيكون المرشّح التوافقي لرئاسة بلدية أنفه. لم يكن مرشّح طموح فردي، بل اختياراً نابعاً من وحدة وتفاهم. اتفاق بين بيت مكاري التاريخي وبين حزب القوات اللبنانية، الحزب ذاته الذي كان ذات يوم بحاجة ماسّة إلى الدعم ليبقى قائماً في قضاء الكورة. لم يكن هذا الاتفاق غامضاً. بل كان واضحاً، مؤكداً.

لكن، في اليوم الأخير من تقديم الطلبات، وقبيل إغلاق الباب، حدثت الخيانة.

من دون تحذير، ومن دون أي كلمة احترام، ومن دون حتى مكالمة هاتفية، قامت القوات اللبنانية بنقض الاتفاق. سحبوا دعمهم من ميشال نخّول، واصطفّوا فجأة خلف مرشّح آخر، وتشكيلة جديدة، بتخطيط على الأرض من رشاد نقولا، وبسكوت متواطئ من فادي كرم. لم يُستشار أحد. لم يُشرح شيء. حصل كل شيء فجأة، عن سابق تصوّر وتصميم، وفي آخر لحظة لا تسمح بأي تعديل أو رد فعل. كانت طعنة سياسية مغلّفة بلباقة خادعة.

قد يظن البعض أنها مجرّد لعبة سياسية عادية. لكن من يعرف، من عاش، ومن تذكّر، يعلم أن الجرح أعمق بكثير. لأن هذه الخيانة لم تكن ضد اسم، بل ضد ذكرى، وضد إرث سياسي عريق، وضد وفاء يجب أن لا يُمس.

قبل اثني عشر عاماً، في انتخابات 2012 الفرعية في الكورة، كانت القوات اللبنانية في حالة انهيار انتخابي. وليد العازار، مرشّح الحزب السوري القومي الاجتماعي، كان متقدماً. الاحتفالات قد بدأت. الأمل يتلاشى. فاتصلوا بمن يُنقذهم. اتصلوا بفريد مكاري، رجل الدولة، نائب رئيس مجلس النواب، ابن أنفه، ورجل اللحظة.

كان ذلك عند الساعة الثانية والنصف ظهراً، يوم الانتخابات. كان فريد مكاري جالساً في بيته في أنفه، مع ابن أخيه نبيل إلياس مكاري، ومُنظّم مكتبه نبيل موسى، وعدد من شخصيات تيار المستقبل، خاصة من البلدات السنية ذات الثقل الانتخابي. على الهاتف كان سمير جعجع، ثم فادي كرم، يطلبان المساعدة بوضوح: “نحن نخسر. الوضع خطير. إذا لم تتحرّك الآن، سنخسر.”

فأجاب فريد مكاري بهدوء رجل يعرف الأرض والناس: “ماشي، رح أعملها.” ثم أضاف وهو بثقة هادئة: “رح تربح… بس فرق بسيط”

كانت تلك الجملة كأنها نبوءة. لم يكن يتكلّم بحماسة انتخابية، بل بمعرفة رجل يعرف حجم كل بلدة، ويزن كل صوت، ويتقن توقيت الحركة. وبالفعل، ربح فادي كرم بفارق بسيط جداً: 1,271 صوتاً فقط، لكن تلك الأصوات لم تكن لتأتي لولا مكالمة فريد مكاري، ولولا تدخّله في اللحظة الأخيرة.

في المساء، شاهدت لبنان بأكمله. مارسيل غانم خرج على الهواء في حلقة انتخابية خاصة. فريد مكاري ظهر مباشرة من منزله في أنفه، هادئاً، شامخاً، حاسماً. ومن معراب، انضم سمير جعجع. لم يكونا في نفس الغرفة، لكن كانا في نفس اللحظة، بنفس الرؤية، بنفس التحالف. كانت صورة ترمز للوفاء والشراكة الحقيقية.

لكن هذا كان منذ اثني عشر عاماً.

ولكي نفهم عمق الخيانة البارحة، علينا أن نتذكّر أن العلاقة بين فريد مكاري والقوات اللبنانية لم تبدأ عام 2012. بل إن فريد مكاري، ومنذ كان نائباً في البرلمان اللبناني بين 1992 حتا 2005، وقف إلى جانبهم في أصعب الظروف. في زمن الاحتلال السوري، عندما كانت السجون تمتلئ بمعارضي النظام، كان فريد مكاري يساعد عائلاتهم، خصوصاً من أبناء الكورة، ويعمل بصمت على إطلاق سراح الموقوفين والمظلومين من بيئة القوات اللبنانية، في وقت كان فيه سمير جعجع نفسه داخل السجن.

ثم جاءت اللحظة المفصلية عام 2005، لحظة خروج سوريا من لبنان، وكانت هناك لحظة اختبار حقيقي. حين طُرح قانون العفو عن سمير جعجع، لم يتردّد فريد مكاري ولا تيار المستقبل. صوّتوا معه، دعموا خروجه، وفتحوا له طريق العودة إلى الحياة السياسية. لم يكن ذلك تصويت مصلحة، بل تصويت وفاء.

لكن الوفاء لا يُقابل دائماً بالمثل.

أما ٢٠٢٥ ، في البلدة ذاتها، أنفه، حيث كُتبت تلك الشراكة بالتاريخ، تم محوها بالخيانة. القوات اللبنانية لم تنقض اتفاقاً فقط، بل نقضت شرفاً سياسياً. طعنت ابن من أنقذها، نبيل فريد مكاري، ليس في مناظرة، ولا في صندوق اقتراع، بل في آخر لحظة من آخر يوم، في صمتٍ متعمّد، خلف الأبواب المغلقة.

لم تكن اختلافاً في وجهات النظر. بل كانت خطة مدروسة لإقصاء آل مكاري عن الخارطة البلدية. ولم تكن مصادفة أن تتم في آخر لحظة. كانت مقصودة. موجّهة. مُهينة.