فايننشال تايمز- فرصة لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

  • شارك هذا الخبر
Sunday, March 17, 2024

يقول المؤرخ والفيلسوف يوفال نوح هراري في تقرير عبر صحيفة "فايننشال تايمز" إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يغذيه الرعب المتبادل للدمار، حيث يخشى كل طرف أن يرغب الآخر في قتله أو طرده، وإنهاء، وجوده كجماعة وطنية.

لكن لسوء الحظ، هذه ليست مخاوف غير عقلانية وليدة اللحظة، بل هي مخاوف معقولة تستند إلى الذكريات التاريخية الحديثة وتحليل سليم نسبياً لنوايا الجانب الآخر.
الحدث التأسيسي للهوية الفلسطينية الحديثة هو نكبة عام 1948، عندما دمرت دولة إسرائيل الوليدة فرصة إقامة دولة فلسطينية، وطردت حوالي 750.000 فلسطيني من منازل أجدادهم.

وفي العقود التالية، تعرض الفلسطينيون لمجازر وعمليات طرد متكررة على أيدي إسرائيليين وقوى إقليمية أخرى.

يقول هراري إن الخوف الفلسطيني من التعرض للقتل أو النزوح ليس فقط نتيجة لهذه الذكريات التاريخية، بل إنه تجربة تصاحب كل لحظة من حياتهم، حيث يعرف كل فلسطيني في الأراضي الفلسطينية أنه يمكن قتله أو سجنه أو طرده من أراضيه في أي يوم على أيدي المستوطنين الإسرائيليين أو قوات الأمن الإسرائيلية.

دولة يهودية
وعندما يحلل الفلسطينيون نوايا الإسرائيليين، فإنهم يستنتجون أنه إن لم يكن للمجتمع الدولي، فهناك احتمال كبير بأن تختار إسرائيل طرد معظمهم أو جميعهم من الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط وإقامة دولة لليهود فقط، إذ إنه على مر السنين، أعرب العديد من السياسيين والأحزاب الإسرائيلية بما في ذلك الليكود بزعامة بنيامين نتانياهو عن آمالهم في إنشاء "إسرائيل الكبرى"، مع تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم أو طردهم أو تخفيضهم إلى وضع الأقنان.

وحتى في ذروة عملية أوسلو للسلام في 1990، نظرت إسرائيل بارتياب إلى احتمال قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وبدلاً من ذلك، واصلت توسيع مستوطناتها في الضفة الغربية، مشيرة إلى رغبتها الثابتة في تجريد الفلسطينيين من كل جزء من الأرض.

أما الحرب الحالية، يقول هراري إنها أكدت أعمق مخاوف الفلسطينيين، فبعد هجوم حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أصبحت الدعوات إلى التدمير الكامل لقطاع غزة وقتل سكانه وطردهم الجماعي أمراً روتينياً في وسائل الإعلام الإسرائيلية وبين بعض أعضاء الائتلاف الحاكم في إسرائيل.

وفي 7 أكتوبر، كتب نائب رئيس البرلمان، نسيم فاتوري، على تويتر: "الآن لدينا جميعا هدف واحد مشترك وهو محو قطاع غزة من على وجه الأرض"، وفي 1 نوفمبر (تشرين الثاني)، قال وزير التراث الإسرائيلي أميشاي إلياهو: "شمال قطاع غزة، أجمل من أي وقت مضى. كل شيء يتم تفجيره وتسويته، ببساطة إنها متعة للعيون.."، وفي 11 نوفمبر، قال وزير الزراعة الإسرائيلي، آفي ديختر، "إننا الآن بصدد إطلاق النكبة في غزة".

صدمات تاريخية
ويرى الكاتب أنه لولا المقاومة المصرية والضغوط الدولية، فليس من غير المعقول الاعتقاد بأن إسرائيل كانت ستحاول دفع السكان الفلسطينيين في قطاع غزة إلى صحراء سيناء.

فوفقاً لمسؤولي الصحة الفلسطينيين، قتلت القوات الإسرائيلية حتى الآن أكثر من 31,000، بما في ذلك المقاتلين، ولكن معظمهم من المدنيين، وأجبرت أكثر من 85% من السكان المدنيين في قطاع غزة، ما يقرب من 2 مليون شخص، على الخروج من منازلهم.
يحمل الإسرائيليون صدماتهم التاريخية، إذ إن الحدث التأسيسي للهوية اليهودية والإسرائيلية الحديثة هو الهولوكوست، عندما أبيد النازيون حوالي 6 ملايين يهودي، وقضوا على معظم المجتمعات اليهودية في أوروبا.

ثم في عام 1948، بذل الفلسطينيون وحلفاؤهم العرب جهوداً متضافرة للقضاء على دولة إسرائيل الوليدة، وقتل أو طرد جميع سكانها اليهود، في أعقاب هزيمتهم والهزائم العربية اللاحقة في حربي 1956 و1967، كما تم طرد حوالي 800000 يهودي من دول مثل مصر والعراق وسوريا واليمن وليبيا، وما لا يقل عن نصف اليهود الإسرائيليين هم من نسل هؤلاء اللاجئين من الشرق الأوسط.

ومخاوف اليهود من القتل والطرد ليست مجرد نتيجة لهذه الذكريات التاريخية. إنها أيضاً تجارب حية تشكل جزءاً من الروتين اليومي للإسرائيليين. وكل إسرائيلي يعرف أنه قد يتم قتله أو اختطافه شخصياً في أي يوم على يد فلسطينيين أو إسلاميين، سواء في منازلهم أو أثناء سفرهم إلى أي مكان في العالم.
وعندما يحلل الإسرائيليون نوايا الفلسطينيين، فإنهم يستنتجون أنه إذا أتيحت لهم الفرصة، فمن المحتمل أن يقتل الفلسطينيون أو يطردون 7 ملايين يهودي يعيشون حالياً بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، حيث جادل القادة الفلسطينيون وحلفاؤهم من طهران إلى نيويورك مراراً وتكراراً بأن الوجود اليهودي في الأرض الواقعة بين النهر والبحر هو ظلم استعماري يجب "تصحيحه" عاجلاً أم آجلاً.

تهديد وجودي
ويرى الكاتب أن الرغبة الإسرائيلية في إزالة التهديد الوجودي الفلسطيني تشكل تهديداً وجودياً للفلسطينيين والعكس صحيح.
وقد يجادل البعض بأن "تصحيح الظلم" لا يعني قتل أو طرد جميع اليهود الإسرائيليين، بل إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية يتم فيها الترحيب باليهود كمواطنين. ومع ذلك، يجد الإسرائيليون صعوبة بالغة في تصديق ذلك.

المعاناة ليست واحدة
ويرى الكاتب أنه سيكون من الخطأ مساواة وضع الإسرائيليين والفلسطينيين، إذ إن لديهم تاريخ مختلف، ويعيشون في ظل ظروف مختلفة ويواجهون تهديدات مختلفة.

أما النقطة التي تثيرها هذه المقالة هي أن كلاهما لديه أسباب وجيهة للاعتقاد بأن الجانب الآخر يرغب في قتلهم أو طردهم جميعاً.

وبالتالي، فإنهم يرون بعضهم البعض ليس فقط كأعداء مهمين، ولكن كتهديد وجودي يحوم باستمرار في سماء المنطقة.

ويقول الكاتب إن مأساة هذا الصراع هي أن المشكلة لا تنشأ من جنون العظمة غير المبرر، بل من تحليل سليم للوضع، ومن كل جانب يعرف جيداً نواياه وأوهامه، فعندما يلقي الإسرائيليون والفلسطينيون نظرة جيدة على رغباتهم المظلمة، يستنتجون أن الآخر لديه سبب كاف للخوف والكراهية.

كل طرف يقول لنفسه: "بالنظر إلى ما نرغب في القيام به لهم، فمن المنطقي أنهم يريدون التخلص منا كذلك، وهذا هو بالضبط السبب في أنه ليس لدينا خيار سوى التخلص منهم أولا"؟
ويتساءل الكاتب: هل هناك طريقة للخروج من هذا الفخ؟ من الناحية المثالية، يجب على كل جانب التخلي عن خياله للتخلص من الآخر. والحل السلمي للصراع ممكن من الناحية التقنية. فهناك ما يكفي من الأراضي بين الأردن والبحر الأبيض المتوسط لبناء المنازل والمدارس والطرق والمستشفيات للجميع. ولكن لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كان بإمكان كل طرف أن يقول بصدق إنه حتى لو كان لديه سلطة غير محدودة وقيود صفرية، فإنه لا يرغب في طرد الآخر.


24.AE