قراءة في الآتي - بقلم أنطوان الدويهي

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 3, 2025

قلق وانتظار يخيّمان على الشرق الأوسط منذ الحرب التي هدأت فجأة بقرار أميركي التزم به الطرفان. لكن إلى أين؟ الدلائل تشير إلى أن هذه الحرب لم تضع أوزارها بعد. وهو استنتاج كثير الأهمية والخطورة في حدّ ذاته، على الرغم من كون الحروب مستمرّة في المنطقة منذ عشرين شهراً، منذ هجوم «طوفان الأقصى»، حاملة معها مسلسل المآسي، من لبنان إلى اليمن إلى فلسطين، ومأساة غزّة جرحه الأعمق وذروته المفجعة. وتكمن خطورة الحرب التي لم تضع أوزارها في كونها، وراء مسلسل الحروب والمآسي، هي الحرب الكبرى في الصراع المصيري بين إسرائيل وإيران. ليس بالواسطة كحال المواجهات الأخرى، بل بالمبارزة المباشرة.

ما الذي ينتظر المنطقة في الزمن القريب الآتي؟ لم تحقق حرب الـ12 يوماً الإسرائيلية على إيران مجمل أهدافها. كانت الغاية في حدّها الأدنى القضاء على المشروع النووي والقدرات الصاروخية وسلاح المسيّرات، على رغم أن مسؤولين إسرائيليين لوحوا خلال الحرب بأهداف أكبر. على الرغم من الخسائر الهائلة التي لحقت بإيران، لم تحقق إسرائيل كل ما تريد.

لكن الحرب كشفت للطرفين عن منجم من المعطيات والمعلومات، برزت معها نقاط الضعف ونقاط القوة لديهما، ينكبّ اليوم كلٌّ منهما على تحليلها بعناية، لرسم الخطوات المقبلة.

كانت نقاط قوة إيران هي توزّع أنشطتها النووية في أمكنة عدّة محصّنة تحت الأرض بشكل بالغ، وضخامة ترسانتها من الصواريخ الاستراتيجية كمّاً ونوعاً، المدعومة من شبكة المسيَّرات، إضافة إلى مدى إيران الجغرافي الشاسع وقوتها البشرية وموقعها الحسّاس على الممرّات البحرية. ولكن في المقابل ظهرت نقاط ضعف إيرانية منها الفشل في منع نشاط شبكات من العملاء المفترضين لأجهزة المخابرات الإسرائيلية، وعدم قدرة أنظمة الدفاع الجوّي على ضمان سلامة أجواء إيران بالكامل.

من جهة الدولة العبرية، تمثّلت نقاط قوّتها في التفوق التكنولوجي العسكري الكبير، وكمية المعلومات الدقيقة المتوافرة لديها عن المواقع والأشخاص مهما كانت رتبهم وأهميتهم، ومتانة تحالفها الحربي مع أميركا ومجمل الغرب، وقدرتها على المواجهة على جبهات عدة معاً، وعلى خوض حروب طويلة الأمد، وهو أمر لم يكن متوقعاً في السابق. أما ضعفها، فيتجلّى في حساسيتها الشديدة على الدمار الذي يصيب تجمعاتها السكانية، ومدييها البشري والجغرافي الضيّقين، وخطر عدم شعور شعبها بالأمان والاستقرار على مستقبلها، والطابع المصيري لتحالفها مع أميركا والغرب.

قراءة في الآتي: ستعمل إيران في المرحلة المقبلة على تضميد جراحها، وستحاول الاستفادة القصوى من كسب الوقت بشتى الوسائل لإعادة بناء قدراتها شيئاً فشيئاً.

يُتوقع أن تعمل إيران أيضاً على استثمار التناقضات الغربية، خصوصاً في السنوات الثلاث المقبلة من عهد ترمب؛ على أمل عودة تيار أوباما إلى البيت الأبيض، وعلى أمل سقوط نتنياهو في المتاهات الإسرائيلية. فالغرب، على الرغم من كونه لا يزال القوة العظمى في العالم فهو يعاني تجاذبات داخلية عميقة: بين تياراته القومية المحافظة وتياراته الليبرالية، بين نخب مدنه الكبرى ووسائل إعلامها وجامعاتها، وشعب الداخل. فثمة متشددون كثر خارج الحكم في الغرب يتمنون سرّاً انتصار إيران لإرباك خصومهم في السلطة، ويفعلون ما في وسعهم لذلك من دون تعريض أنفسهم للمحاسبة. وثمة شركات غربية كبرى عينها على العقود الإيرانية. هذه هي، في أي حال، الديمقراطيات الغربية، في حيويتها المجتمعية الهائلة التي تتيح لها تفتّح طاقاتها البشرية المتجدّدة والخلّاقة، وهو سرّ تفوقّها، من جهة، وفي تياراتها المتناقضة وتغيّراتها الانتخابية التي لا تهدأ، من جهة أخرى.

لكن من الصعب جدّاً على إيران الذهاب بعيداً في طموحاتها الداخلية والخارجية في مواجهة القوميين الأكثر تشدّداً ومكيافيلية الذين في سدّة الحكم في الولايات المتحدة والدولة العبرية. وهم وراء توزيع الأدوار، متفقون في العمق على الأساسي، خصوصاً عدم ترك إيران تستفيد من كنز الوقت الثمين.