تهويل "إسرائيلي"... والضغط على المقاومة قد يولّد انفجارًا بقلم ابراهيم ناصر الدين
شارك هذا الخبر
Thursday, July 3, 2025
اذا كان ثمة من يعتقد ان صياغة رد لبناني موحد على "الورقة" الاميركية، سينهي موجة الضغوط الهائلة من قبل واشنطن و "اسرائيل" على لبنان، فهو واهم. واذا كان ثمة من يعتقد ان حملة الضغوط الداخلية والخارجية على حزب الله ستدفعه الى التخلي عن سلاح المقاومة، فهو واهم اكثر. هذه الخلاصة يمكن اعتبارها شبه يقين عند القيادات السياسية الجادة والوازنة في البلاد، بعيدا عن احلام اليقظة لدى بعض من يتوهمون ان القصة بسيطة، ويمكن شطب الحزب من المعادلة كمقدمة لانهاء "الثنائي"، وصولا الى اخراج الشيعة من المعادلة السياسية وربما الجغرافية؟!
لا مبالغة في هذا التقييم، بحسب مصادر سياسية بارزة معنية بمتابعة هذا الملف، فالمرحلة خطرة جدا، ويمكن اعتبارها مسألة حياة او موت بالنسبة للمكون الشيعي، الذي لا يعيش حالة انكار للواقع الاقليمي والدولي، ويدرك جيدا اختلال موازين القوى في المنطقة، لكنه يرفض ان يتم التعامل معه بانه مهزوم وعليه القبول بشروط الاستسلام. وقد تكون هذه المقاربة نقطة الخلاف الجوهرية في مقاربة ملف السلاح مع الخارج وبعض الداخل، الذي يظن انه "بالهوبرة" السياسية والاعلامية سيدفع المكون الشيعي الى رفع الراية البيضاء، وتقديم التنازلات لعدو مستمر في خوض حربه دون هوادة. ولعل مشكلة البعض في الداخل والخارج انهم لا يقيمون وزنا لكلام الامين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي اختصر عنوان المرحلة بالتساؤل عن كيفية مطالب الطرف المعتدى عليه ان يسلم سلاحه، فيما المعركة لا تزال قائمة؟!
هذا الاستخفاف بموقف الحزب، وادعاء خصوم الداخل ان الشيخ قاسم يعيش حالة انكار للواقع، فيما يراهن الخارج على وهن الحزب لفرض شروط الاستسلام، يزيد الامور تعقيدا، لكنه يدفع الحزب الى المزيد من التمسك بالغموض، حيال قدراته التي سيستخدمها اذا فرضت عليه المواجهة. وفي الوقت نفسه يندفع لشرح شفاف للواقع الحالي لجمهوره وبيئته، باعتبار ان ما يحصل اليوم هو حرب وجودية لا يمكن التهاون في التعامل معها، مهما كانت الاثمان باهظة. واذا كان الخيار بين الموت بعد الاستسلام او الموت خلال مقاومة واشنطن "واسرائيل" اللتين لا تشكلان بالنسبة الى الحزب قدرا محتوما، فان الخيار واضح ولا يقبل اي التباس.
وينطلق الحزب من واقع يشير الى ان الحرب الاخيرة على ايران، اثبتت ان نظرية نتانياهو باستخدام القوة او المزيد من القوة لا يمكن ان تحسم المعركة، خصوصا ان طهران وعلى الرغم من قسوة الضربات التي تعرضت لها، افشلت المشروع الاساسي لاسقاط النظام، وما تزال دولة اقليمية وازنة تحتفظ بقدرات صاروخية هائلة، فيما لا حسم بعد لمدى تضرر برنامجها النووي. في المقابل لا يزال "الثنائي" رقم صعب في الداخل اللبناني، ولم تستطع القوة المعادية له تحجيمه او التأثير على قوته التمثيلية. اما التهديد بحرب "اسرائيلية" جديدة ودخول بري يصل الى الليطاني هذه المرة، فلا يتعامل مع الحزب على انه ورقة ضاغطة عليه لتقديم تنازلات، وانما يقدمها كدليل واضح على وجود نوايا عدوانية "اسرائيلية" تستدعي التمسك بالسلاح، لا التخلي عنه، وعندما يتعرض لبنان لاعتداء فان المقاومة تصبح واجبا وطنيا وشرعيا، ومن الخيانة التخلي عن مكامن القوة مهما حاول البعض في الداخل "تسخيفها".
ووفقا لتلك الاوساط، فان رفع منسوب الضغوط على حزب الله يعطي مردودا عكسيا، ومن يظن انه سيصاب بالذعر من خلال تهديده بحملة عسكرية مزدوجة من الحدود الشرقية والشمالية ومن الحدود الجنوبية، فان من يروج لهذه السردية يزيد من التفاف الشيعة حوله، باعتبار ان سلاحه يبقى الضمانة الوحيدة لحماية مكون يتعرض لاستفزاز يومي على كافة المستويات. في المقابل يجري تعزيز كل القوى المعادية له داخل الحدود وخارجها، ولعل المثال الابرز منح الارهابيين في سورية صك براءة غربي ودمجهم في الجيش السوري، دون الالتفات الى ماضيهم الدموي، وحاضرهم الاجرامي، الذي يتمثل بالمجازر المستمرة في الساحل السوري ضد العلويين، والمواجهات على الدروز، والتضييق على المسيحيين والتحريض ضدهم، وقد ترجم على نحو دموي بتفجير احدى الكنائس مؤخرا.
في المقابل تتفلت "اسرائيل" من التزاماتها وتواصل حربها المنخفضة الوتيرة على لبنان، وتتصرف لجنة الإشراف الدولية على القرار 1701 وكأنها غير موجودة، وفي أحيان كثيرة، تواطأت وسهلت مهمات العدو، في ترجمة عملية لتخلي الدول الضامنة، خصوصاً الأميركيين والفرنسيين، عن التزاماتهم تجاه لبنان. فاي ضمانات يمكن الحديث عنها ومن يعطيها؟
وانطلاقا من هذه الوقائع، بات واضحا ان موقف حزب الله لن يتغير مهما بلغت الضغوط، وخارطة الطريق المقبولة من قبله، وقف العدوان، الانسحاب من الاراضي اللبنانية بما فيها مزارع شبعا، عودة الاسرى، وبعدها ينطلق الحوار حول الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان، للبحث في كيفية الاستفادة من قوة المقاومة لا التخلي عنها، وكل حديث عن بحث عن مقابل من الخارج للتخلي عن السلاح، مجرد كلام لا معنى له.
ماذا يعني هذا الكلام؟ يعني ان ما يتم البحث به في قصر بعبدا، لايجاد صيغة واضحة للرد على ورقة المطالب الأميركية، التي نقلها الى بيروت الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك، لن تجدي نفعا. واذا كانت اللجنة المؤلفة من ممثلين عن الرؤساء جوزاف عون ونبيه بري ونواف سلام تسابق الوقت، لبلورة الموقف الموحد قبل عودة براك، فان انتقاء مفردات يمكن معها ارضاء الخارج من دون المساس عمليا بسلاح حزب الله، غير قابلة للتسويق. فالاميركيون يتعاملون مع لبنان على انه دولة مسحوقة، وبعض الداخل يساعدهم على ذلك، ولن يتراجع عن ضغوطه، وقد يكلف "اسرائيل" للقيام بالمهمة "القذرة" مجددا.
اما في الداخل، فقد حذرت مرجعية سياسية وازنة من مغبة الاستمرار في استفزاز المكون الشيعي، فبعد التضييق المالي الذي بدأ يطال المغتربين الشيعة في افريقيا، ومنع اعادة الاعمار، ومطالبته اليوم بالتخلي عن السلاح كي يواجه الارهاب "الاسرائيلي" والتكفيري عاريا، ومحاولة عزله سياسيا في الداخل، والهجمة عبر قانون الانتخاب نموذجا، فان الخشية تبقى من خروج الامور عن السيطرة، وانفجار تلك البيئة على نحو غير مضبوط وبعيدا عن قدرة "الثنائي" على ضبط الشارع هذه المرة.