لوموند- رغم اتهام إسرائيل بالإفلاس “الأخلاقي” بعد تحقيق “هآرتس”.. الوضع على الأرض لم يتغير

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, July 1, 2025

تحت عنوان “الحرب على غزة.. الجيش الإسرائيلي متهم بالإفلاس الأخلاقي”، توقّفت صحيفة “لوموند” الفرنسية عند تحقيق صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية المثير للجدل حول إطلاق جنود إسرائيليين النار قرب مراكز توزيع الغذاء في قطاع غزة الفلسطيني.
الصحيفة الفرنسية أوضحت أن آلاف الأشخاص يحاولون يوميًا، يائسين، في سعيهم وراء الغذاء، الاقتراب من أحد المراكز الأربعة لتوزيع المواد الغذائية التي افتتحتها “مؤسسة غزة الإنسانية” المثيرة للجدل، بدعم من إسرائيل والولايات المتحدة، في القطاع الفلسطيني، منذ نهاية مايو. وفي كل يوم تقريبًا، يُقتل عدد من الفلسطينيين هناك.

ففي أقل من شهر، تم توثيق 19 حادثة إطلاق نار من قبل الجيش الإسرائيلي، أسفرت عن مقتل 549 فلسطينيًا وإصابة 4000 آخرين، بحسب حصيلة صادرة عن وزارة الصحة التابعة لـ “حماس”، ومؤكدة من قبل الأمم المتحدة بتاريخ 24 يونيو.
في مقالها المطوّل، الذي نُشر في 27 يونيو، جمعت صحيفة “هآرتس” شهادات صادمة من جنود وضباط إسرائيليين مكلفين بتأمين هذه المراكز. وتحت غطاء السرية، وصف الجميع مشاهد يمكن اعتبارها جرائم حرب. يقول أحد الجنود: “في الموقع الذي كنت فيه، كان يُقتل بين شخص وخمسة يوميًا. يتم التعامل معهم كقوات معادية.. لا إجراءات لضبط الحشود، ولا غاز مسيل للدموع؛ فقط إطلاق نار بالذخيرة الحية بكل ما يمكن تخيله.. رشاشات ثقيلة وقاذفات قنابل وهاونات. وبعد فتح المركز، يتوقف إطلاق النار، ويعلم الناس أنهم يستطيعون الاقتراب. وسيلة الاتصال الوحيدة لدينا هي إطلاق النار” . وأضاف أن هذه الإستراتيجية تُعرف في منطقته باسم “السمكة المالحة”، وهي ما يشبه لعبة “واحد، اثنان، ثلاثة، شمس” الإسرائيلية.
غالبًا ما تكون الحشود مشوشة بسبب التعليمات الأمنية المتضاربة عند محيط هذه المراكز (ثلاثة منها قرب رفح جنوبًا، وواحد في الوسط قرب ممر نتساريم)، ما يدفعهم للاندفاع إليها قبل فتحها- أحيانًا حتى في الليل- من دون تمييز الممرات المخصصة، تشير الصحيفة.
قال أحد الضباط: “التعامل مع سكان مدنيين بينما وسيلة التواصل الوحيدة هي إطلاق النار أمر إشكالي للغاية. ليس من الأخلاقي ولا المقبول أن يُجبر الناس على الوصول إلى [منطقة إنسانية] وهم تحت نيران الدبابات والقناصة وقذائف الهاون”.

استخدام مفرط للقوة
أثارت هذه الشهادات صدمة نادرة في إسرائيل حول الانحدار الأخلاقي للجيش، ما أجبر الحكومة على الرد مساء اليوم ذاته. في بيان مشترك نُشر عبر منصة “إكس”، نفى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت “بشكل قاطع” ما ورد في المقال، واصفين الشهادات بأنها “أكاذيب خبيثة تهدف إلى تشويه سمعة الجيش الأكثر أخلاقية في العالم”.
كما رفضت وزارة الدفاع الإسرائيلية الوقائع، لكنها أشارت إلى أن المدعي العام العسكري قد فعّل “آلية تقصي الحقائق” (FFA Mechanism) لإجراء تحقيقات أولية سريعة، وأنه سيتم “استخلاص الدروس” من مهمة تأمين هذه المواقع.
وعند سؤال صحيفة “لوموند” عما إذا كان القضاء العسكري سيُجري تحقيقًا، لم ترد المؤسسة العسكرية. لكنها أعلنت، يوم الإثنين 30 يونيو، عن افتتاح مركز توزيع جديد بديلًا لذلك الموجود في تل السلطان- الذي شهد حادثة إطلاق نار دامية في 31 مايو- “من أجل تقليل الاحتكاك مع المدنيين، وضمان أمن الجنود”.
وتابعت صحيفة “لوموند” القول إن شهادات الجنود كشفت الضوء على ممارسات لا تستطيع، أو لا تريد، غالبية المجتمع الإسرائيلي- الذي يرسل أبناءه للخدمة في غزة- رؤيتها.
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن نداف وايمان، المدير التنفيذي لمنظمة “كسر الصمت” التي أسسها محاربون قدامى عام 2004، قوله: “ليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها الجيش الأسلحة ضد المدنيين الفلسطينيين. في غزة، لدينا عقيدتان عسكريتان.. الأولى، عقيدة الضاحية- سُمّيت على اسم حي جنوبي بيروت دمرته الطائرات الإسرائيلية عام 2006- تقوم على استخدام مفرط للقوة للرد على الهجمات من مناطق مدنية؛ أما الثانية فهي، صفر خسائر بين جنودنا”.

ممارسات خارج السيطرة
يتابع وايمان قائلًا: “الأجواء لم تتغير كثيرًا عن حرب غزة عام 2014، لكن منذ 7 أكتوبر 2023، أصبحت القوات الإسرائيلية خارجة عن السيطرة. في السابق، عندما أراد الجيش استهداف هدف معين، كان يحرص على إصابة الشخص المعني، حتى لو نتجت أضرار جانبية كبيرة. أما اليوم، ووفقًا للشهادات التي جمعناها، قد يُقتل حتى 15 شخصًا لمجرد استهداف سائق شاحنة يُشتبه بانتمائه لحماس”.
ويشير إلى التدمير الممنهج للمنازل كأحد الممارسات الخارجة عن القانون. “أن تقاتل في أكثر مناطق المنطقة كثافة سكانية، وتتصرف وكأنك في صحراء سيناء أو هضبة الجولان! بعد إرسال رسائل نصية، أو منشورات تطالب بالإخلاء، يعامل الجيش غزة كأنها ميدان رماية مفتوح”.
هذا ما يؤكده أيضًا الباحث سامي كوهين، مؤلف كتاب “القتل أو السماح بالحياة: إسرائيل وأخلاقيات الحرب”، بقوله: “قواعد الاشتباك التي يضعها الجيش تُنقل شفهيًا للوحدات الميدانية، وعمليًا، يقوم كل قائد، وفقًا لهدفه الأساسي المتمثل في حماية جنوده، بصياغة قواعده الخاصة. وفي بعض المناطق الموصوفة بـ”المعقمة”- وهي مناطق قتل حقيقية- يُسمح بإطلاق النار على أي مدني يقترب دون إنذار، وهذا مخالف للقانون الدولي وللقواعد الأخلاقية العسكرية”.
ويضيف: “قبل 7 أكتوبر، كان تدمير مبنى يتطلب إذنًا من رئيس الأركان. اليوم، يمكن لقائد فرقة أو لواء اتخاذ هذا القرار. لقد مُنحوا هذه الحرية لأن الجيش نشر 300 ألف من جنود الاحتياط بالإضافة إلى القوات النظامية، ورئيس الأركان لا يستطيع أن يراقب كل شيء. هذه الحرية جنونية. لم يعد السؤال: نقتل أم لا؟ بل نقتل وكفى”.

صدى ضعيف
صحيفة “لوموند” نقلت عن العقيد السابقة في استخبارات الجيش، ميري إيسين، التي تُعد من أولى النساء اللواتي وصلن إلى هذه الرتبة، وتعمل حاليًا باحثة في جامعة رايخمان، تأكيدها أن “هذه حرب فظيعة”، ولا يمكن نقدها من دون النظر إلى “السياق”.
وتقول: “ضد نوع العمليات التي اعتمدتها “حماس” في 7 أكتوبر، لا نملك ردًا مناسبًا، ولا أحد يملكه. لا توجد قواعد اشتباك دولية بين دولة وفاعل غير حكومي. كل دولة- روسيا، الصين، الولايات المتحدة، فرنسا أو ألمانيا- تحدد الإرهاب بطريقة مختلفة. ولسنا أفضل أو أسوأ من غيرنا.”
وتضيف: “السؤال الوحيد المهم هو: هل ما نقوم به قانوني؟ لكن القانوني لا يعني بالضرورة الأخلاقي.” وتنفي وجود أوامر بإطلاق النار على المدنيين قائلة: “الجيش الإسرائيلي لا يعطي أوامر بإطلاق النار على مدنيين”.
مع ذلك، تُوجّه اتهامات لبعض الشخصيات العسكرية في الميدان، مثل العميد يهودا فاخ، قائد الفرقة 252، والذي سبق أن اشتُبه بارتكابه انتهاكات في ممر نتساريم، ويُوصف بأنه “أيديولوجي”، تشير “لوموند”.
في دراسة نُشرت في 29 مايو، حذّرت الباحثتان تامي كانير وپنينا شرفيت باروخ من معهد الدراسات الأمنية الوطنية في تل أبيب من أن “فرض مهام غير قانونية على الجيش من قبل الساسة أمر مرفوض”.
وأضافتا: “في وقت ينصب فيه قلق الرأي العام على مستقبل الديمقراطية الإسرائيلية داخليًا، فإن ارتكاب أفعال غير قانونية وغير أخلاقية ضد الفلسطينيين في غزة يشكّل تهديدًا لا يقل خطورة على الهوية الديمقراطية واليهودية لإسرائيل”.
ورغم أن تحقيق صحيفة “هآرتس” أثار ضجة محليًا ودوليًا، فإن ذلك لم يُغيّر الوضع على الأرض، توضّح صحيفة “لوموند”، مشيرة إلى أن الدفاع المدني الفلسطيني أعلن، هذا الإثنين، عن مقتل 11 شخصًا في إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي “قرب نقاط توزيع مساعدات في وسط وجنوب قطاع غزة”.


القدس العربي