في أعقاب اعتقال عدد من المواطنين الأفغان بتهمة التعاون مع إسرائيل، بلغت وتيرة ترحيل المهاجرين الأفغان من إيران أعلى مستوياتها خلال الأشهر الأخيرة. فقد أعلن مكتب المحافظ في هرات أن نحو 60 ألف أفغاني عادوا إلى بلادهم عبر معبر "إسلام قلعة" الحدودي خلال الأربعاء والخميس الماضيين، في رقم غير مسبوق يعكس تصاعد الضغوط على اللاجئين الأفغان داخل إيران.
وقد شكل هذا التدفق الكبير للمهاجرين العائدين تحديات كبيرة على المعبر، الذي يحد محافظة "خراسان رضوي" الإيرانية، مما دفع نور أحمد إسلام جار، والي "طالبان" في هرات، إلى التوجه على رأس وفد رسمي إلى المعبر لمتابعة أوضاع العائدين الجدد من كثب.
إلى جانب مسؤولي "طالبان"، أعلن عدد من التجار المحليين استعدادهم لتقديم المساعدة للمهاجرين، وأسهموا في عمليات نقل المرحلين من معبر "إسلام قلعة" إلى وسط مدينة هرات. وتأتي هذه الجهود للتخفيف من الضغط على العائدين الجدد، في وقت تعاني البنية الخدمية في المعبر ضعفاً شديداً ونقصاً في الإمكانات.
غامض ومليء بالأخطار
وجاء في البيان الصادر عن مكتب المحافظ في هرات أن "لجنة شؤون المهاجرين في الإمارة الإسلامية تعمل بصورة مستمرة لخدمة العائدين، وقد اتخذت التدابير اللازمة والضرورية. كذلك جُهزت الاستعدادات المطلوبة على طول الطريق لتأمين نقل المهاجرين إلى وجهاتهم النهائية بعد تقديم الخدمات الأولية لهم".
وبناء على قرار جديد أصدرته طهران، أُلغي ما يعرف بـ"بركه های سرشماری" (وهي مستندات تحوي معلومات تخص هوية الأشخاص وقانونية إقامتهم) الخاصة بأكثر من مليوني مهاجر أفغاني، وقد منح هؤلاء المواطنون الأفغان مهلة حتى الـ26 من يونيو (حزيران) الجاري، لمغادرة الأراضي الإيرانية.
وقالت وزارة الداخلية الإيرانية إن الهدف من هذا القرار هو "تنظيم أوضاع المهاجرين" وتقليل الضغط على البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، غير أن وتيرة تنفيذ القرار تسارعت بصورة ملحوظة بعد الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران.
من جهة أخرى تثير تقارير حقوقية مخاوف جدية في شأن ترحيل العسكريين الأفغان السابقين الذين كانوا قد لجأوا إلى إيران، إذ إن إعادتهم إلى بلادهم قد تعرضهم لخطر الاعتقال أو التعذيب أو حتى الإعدام، نظراً إلى مشاركتهم السابقة في الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الأفغانية السابقة. وفي ظل الأوضاع الأمنية الهشة بعد سقوط النظام الجمهوري الأفغاني، يواجه هؤلاء العائدون مستقبلاً غامضاً ومليئاً بالأخطار.
بلال، أحد العسكريين السابقين، إذ كان يعمل في أكاديمية الشرطة بمدينة هرات خلال عهد الجمهورية في أفغانستان. وبعد سقوط الحكومة السابقة دخل إلى الأراضي الإيرانية بصورة غير قانونية، لكنه اليوم واحد من عشرات الآلاف من المهاجرين الذين أعيدوا قسراً إلى أفغانستان. يقول بلال إن المهاجرين الأفغان ذهبوا إلى إيران بحثاً عن لقمة العيش فحسب، نافياً أية علاقة لهم بالمعارضة الإيرانية أو إسرائيل.
وأضاف بلال لـ"اندبندنت فارسية"، "رُحلت إلى أفغانستان، وأنا خائف جداً من أن يقوم نظام ’طالبان‘ باعتقالي. فهم يطالبون العسكريين السابقين بتسليم السلاح، وأنا لا أملك سلاحاً ولا مالاً، ومضطر إلى العيش متخفياً، وإذا تحسن الوضع سأحاول العودة إلى إيران من جديد".
عملاء وتساؤلات
في هذا السياق، التقى وزير خارجية نظام "طالبان" أمير خان متقي، الخميس الـ25 من يونيو الجاري مع السفير الإيراني في كابول علي رضا بيكدلي. وكان موضوع طرد المهاجرين الأفغان محور النقاشات في هذا اللقاء. وأفادت وزارة خارجية نظام "طالبان" في بيان أن متقي أعرب عن قلقه إزاء تصاعد عمليات الترحيل القسري للمهاجرين الأفغان، مؤكداً ضرورة وضع آلية منظمة تستند إلى مبدأ حسن الجوار لضمان عودة تدريجية وآمنة لهؤلاء المهاجرين من إيران.
كما وعد السفير الإيراني في كابول بنقل مخاوف "طالبان" في شأن ترحيل المهاجرين إلى طهران، معرباً عن استعداده للتواصل والتنسيق حول هذا الملف لضمان معالجة القضية بصورة متوازنة وإنسانية.
وتصاعدت حملة ترحيل المهاجرين الأفغان في إيران في ظل تصاعد التوترات الأمنية، لا سيما بعد استهداف إسرائيل عدداً من كبار المسؤولين العسكريين في النظام الإيراني خلال الأسبوعين الماضيين. وعقب هذه التطورات شرعت السلطات الإيرانية في اعتقال عدد من الأشخاص بتهم التعاون مع الموساد الإسرائيلي، وعُرضت مقاطع فيديو لاعترافاتهم على وسائل الإعلام الرسمية في إيران.
وقبل نحو 10 أيام، أعلنت الأجهزة الاستخباراتية الإيرانية اعتقال عدد من المواطنين الأفغان الذين دخلوا البلاد بصورة غير قانونية، بتهمة العمالة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد". في الفيديو المنشور يعترف أحد المعتقلين بأنه أرسل عبر تطبيق "واتساب" مواقع مبانٍ عدة منها مقر منظمة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية ومنزل أحد المسؤولين في منطقة "سعادت آباد" بطهران إلى شخص في ألمانيا، مقابل حصوله على 2000 دولار عن كل مهمة يقوم بها.
مع ذلك أثار متخصصو الفضاء الإلكتروني ومستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي تساؤلات حول صحة هذه الاعترافات، متسائلين: ترى في عصر التقدم التكنولوجي الذي يتيح للجميع الوصول إلى خرائط "غوغل" الدقيقة ومواقع المؤسسات مثل منظمة الإذاعة والتلفزيون، لماذا تُدفع مبالغ مالية مقابل تحديد أماكن يمكن رؤيتها بوضوح على الخرائط؟
في واقع الأمر، فإن انتشار هذه الفيديوهات أثار ردود فعل واسعة في الساحة العامة الإيرانية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، إذ أدت إلى موجة من التحريض ضد المهاجرين الأفغان. فقد وصف بعض الإيرانيين المهاجرين الأفغان بأنهم عملاء لـ"الموساد" ودعموا فكرة ترحيلهم القسري. في وقت كان كثير من المهاجرين الأفغان قد انتقلوا إلى إيران فقط بحثاً عن العمل وكسب الرزق، من دون أي انتظام في أنشطة سياسية أو أمنية.