أنهت "وول ستريت" نهاية تعاملات الأسبوع عند أفضل أداء عبر مختلف فئات الأصول منذ أكثر من عام، مدفوعة بانحسار المخاوف من حرب تجارية عالمية، مما أشعل موجة شراء اجتاحت كل شيء من صناديق التكنولوجيا إلى السندات ذات العائد المرتفع.
ومع تسجيل مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" أول مستوى قياسي له منذ فبراير (شباط) الماضي، يتجلى انتصار التفاؤل الاستثماري في لحظة تتسم بعدم اليقين الكبير في شأن الاقتصاد والتقييمات وسياسات الحكومة، إذ فاجأ البيت الأبيض الأسواق أمس الجمعة بتهديده بإنهاء المفاوضات مع كندا في شأن ضريبة الخدمات الرقمية.
ويقول محللون إنه على رغم ذلك يتمسك المستثمرون المتفائلون بإشارات لتراجع التضخم وتحسن معنويات المستهلكين، حتى في ظل ارتفاع طلبات إعانة البطالة، واستمرار هدوء سوق الإسكان، وتباطؤ التجارة العالمية، وتلاشي الآمال بخفض فوري في أسعار الفائدة من قبل "الاحتياطي الفيدرالي".
وبحسب محللين، فبدلاً من أن يتراجع الزخم قفزت الثقة صعوداً إلى مستويات لم تشهد منذ عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، مما أدى إلى ارتفاع جماعي عبر الأسهم والسندات والسلع والائتمان، في أداء شهري يعد الأفضل منذ مايو (أيار) 2024.
وتلاشت التقلبات التي هزت الأسواق قبل أسابيع فحسب، وحلت محلها اندفاعة قوية نحو الرهانات المحفوفة بالأخطار. المتداولون الأفراد عادوا بقوة، كذلك رفع المستثمرون مستويات تعرضهم للأسواق، وبات هذا التفاؤل الآن يعتمد على قدرة الاقتصاد على تقديم أخبار جيدة كافية تبرر الأسعار المبالغ فيها.
"السوق تظهر علامات على الارتياح"
وقال رئيس استراتيجيات أسواق رأس المال في "تيكهو كابيتال"، رافاييل توين، "السوق تظهر علامات على الارتياح مقابل مجموعة من الأخطار المحتملة سواء كانت مفاوضات تجارية، أو تباطؤاً اقتصادياً واسع النطاق، أو توترات جيوسياسية، أو عجزاً مالياً متزايداً، أو ارتفاع أسعار الفائدة، كما يبدو أن المشاركين في السوق يسعرون نتائج متفائلة".
المتشائمون في شأن الاقتصاد والأسواق كانوا على خطأ شهرياً، ومع ذلك لا تزال مؤسسات مثل "جيه بي مورغان تشيس" تضع احتمالية حدوث ركود عند 40 في المئة، مشيرة إلى التعريفات الجمركية واحتمال ضعف الإنفاق الاستهلاكي إلى جانب تراجع ثقة قطاع الأعمال، ويعد البنك من بين أولئك الذين يخشون تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي في النصف الثاني من العام.
على رغم أن تقريراً صدر أمس الجمعة أظهر أن ثقة المستهلكين الأميركيين بلغت أعلى مستوى لها في أربعة أشهر في يونيو (حزيران) الجاري، مدعومة بتراجع توقعات التضخم، فإن بيانات أخرى هذا الأسبوع رسمت صورة أقل تفاؤلاً، إذ انخفضت مبيعات المنازل الجديدة في مايو الماضي بأكبر نسبة منذ قرابة ثلاثة أعوام، وارتفعت طلبات إعانات البطالة المستمرة لأعلى مستوى منذ 2021، بما يتماشى مع مؤشرات أخرى على تباطؤ سوق العمل، وكذلك، تراجع الإنفاق الاستهلاكي في مايو بأكبر وتيرة منذ بداية العام.
وجاءت هذه البيانات في خلفية شهادة رئيس "الاحتياطي الفيدرالي" جيروم باول أمام الكونغرس هذا الأسبوع، إذ قال إن أسعار الفائدة كانت على الأرجح ستبدأ في الانخفاض لولا حال عدم اليقين المحيطة بسياسات ترمب التجارية. وانضم إلى مجموعة من مسؤولي البنوك المركزية الذين أكدوا في خطاباتهم أنهم في حاجة إلى بضعة أشهر أخرى للتأكد من أن زيادات الأسعار الناتجة من التعريفات لن ترفع التضخم بصورة مستمرة.
موجة الإقبال على الأخطار
وبحسب محللين، لم تعرقل هذه العوامل موجة الإقبال على الأخطار، إذ قفز مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" بنسبة 3.4 في المئة هذا الأسبوع ليغلق عند أعلى مستوياته على الإطلاق. وواصلت السندات العالية العائد تحقيق المكاسب للأسبوع الخامس على التوالي، في حين تراجعت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات بنحو 10 نقاط أساس، وعاد "بيتكوين" ليتجاوز مستوى 100 ألف دولار، وحققت شركة "كوينبيس" أول مستوى قياسي لها منذ 2021.
وبالمجمل، فإن الارتفاعات المتزامنة عبر الأسهم الأميركية والسندات الطويلة الأجل والسندات الرديئة ومؤشر السلع جعلت من يونيو أفضل شهر للأداء منذ 13 شهراً.
المنتجات التي تتحكم في التعرض للتقلبات قامت بزيادة الانكشاف، إذ أظهر مقياس من "نومورا سيكيوريتيز" الدولية أن الأسواق تتجه نحو أكبر موجة شراء منذ عام 2004 في الأقل، ورفع المستثمرون الذين يتبعون الاتجاهات تعرضهم الطويل للأسهم بعدما كانوا في وضع بيع على مدى أسابيع، وفقاً لـ"باركليز".
وصف هذا الوضع بأنه "هش" من قبل جولي بيل، مديرة المحافظ وكبيرة استراتيجيي السوق في "كاين أندرسون رودنيك"، قائلة "الناس ينسون أن الخوف من فقدان الفرصة ليس تفاؤلاً مطلقاً، بل دافعه الخوف، فإذا شهدنا تراجعاً في الهوامش أو الأرباح أو تدهوراً في بيانات التوظيف، فلن يكون هناك كثير لدعم السوق... تعلمنا هذا العام أن السوق المحدودة ليست سوقاً قوية".
مراقبون أكدوا أن هناك عدداً من الإشارات على الشكوك الكامنة تحت السطح، إذ إن الصناديق المرتبطة بالرهانات المضاربية التي قادت المكاسب الأخيرة من أسهم التكنولوجيا الابتكارية إلى الأسهم الصغيرة وشركات تعدين الذهب واليورانيوم تظهر علامات على الحذر. والمتداولون يزداد إقبالهم على الخيارات التحوطية، والطلب على التأمين ضد الهبوط يرتفع. أما كبير مسؤولي الاستثمار في "نورثويسترن ميوتوال ويلث مانغمنت"، برنت شوت، فيقول "الناس اعتادوا على شراء الانخفاضات، وسيستمرون في ذلك إلى أن تفشل هذه الاستراتيجية. اليوم ترى بيانات ضعيفة، لكن لا أحد يعطيها أهمية، فقط لأنها لم تكن فعالة سابقاً كمؤشر إلى تباطؤ اقتصادي وشيك".