الغارديان- لهذا السبب ستخسر إسرائيل في النهاية

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, June 11, 2025

سفينة مادلين ليست يختاً لالتقاط صور السيلفي كما وصفتها إسرائيل، وطاقم السفينة شعر بالاشمئزاز من القهر والجوع اللذين تفرضهما إسرائيل على أهالي غزة. أوين جونز – The Guardian

تخيلوا لو قررت بريطانيا، التي صدمها حجم المعاناة في غزة، خلال عطلة نهاية الأسبوع، تجاوز الأعراف والمؤسسات الدولية، واستخدمت أسطولها البحري لتوصيل الأغذية الضرورية، وحليب الأطفال، والإمدادات الطبية إلى موانئ قطاع غزة.

لكن هذا لم يحدث بالطبع. وبدلاً من ذلك، تُرك الأمر للنشطاء على متن سفينة مادلين، ومن بينهم غريتا ثونبرغ، للقيام بمحاولة رمزية لكسر الحصار المفروض على المساعدات وزيادة الوعي بـ"أزمة مجاعة" وشيكة.

وفي الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين، صعد جنود إسرائيليون على متن السفينة، بزعم أنها كانت في المياه الدولية، وتم نقل الطاقم إلى الموانئ الإسرائيلية تحسباً لإعادتهم إلى أوطانهم. وادعى محامو النشطاء أن هذا تجاوز من جانب القوات المسلحة الإسرائيلية، لكن ينبغي على الطاقم اعتبار معاملتهم خفيفة، ففي عام 2010، اقتحم الجيش الإسرائيلي أسطول مساعدات آخر وقتل 10 نشطاء في العملية.

ومنذ انتشار الخبر، انطلقت آلة الدعاية الإسرائيلية بأقصى طاقتها، واصفة سفينة "مادلين" بأنها "يخت سيلفي"، وهو ما رددته وسائل الإعلام الغربية. وأعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية بلا خجل: "هناك طرق لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة - وهي لا تتضمن صور سيلفي على إنستغرام". إسرائيل تعرف كل شيء عن هذه الطرق، لأنها عرقلتها بشكل ممنهج.

في عام 2012، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية وثيقة رسمية مسربة، حَسَبَ فيها مسؤولون حكوميون الحد الأدنى من السعرات الحرارية اللازمة للإنسان كي لا يموت جوعاً. والهدف: جعل حياة سكان غزة بائسة دون إثارة غضب عالمي من خلال تجويع جماعي. وقبل عام من 7 أكتوبر حذّر برنامج الغذاء العالمي من "الوضع الإنساني المتردي هناك"، مشيراً إلى أن حوالي نصف سكان غزة المحاصرين "يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد".

لقد صعّدت إسرائيل الحصار خلال العشرين شهراً الماضية لدرجة أن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ندّد بدولته لارتكابها جرائم حرب جسيمة كسياسة رسمية. وفي 10 أكتوبر 2023، على سبيل المثال، أعلن الجنرال الإسرائيلي غسان عليان - الذي ترأس القسم العسكري الإسرائيلي المسؤول عن المساعدات الإنسانية - أن "سكان غزة" يتحملون ذنباً جماعياً".

لقد فرضت إسرائيل حصارًا شاملًا على غزة: لا كهرباء، لا ماء، فقط دمار. ولسان حال إسرائيل "أردتم الجحيم - ستُلاقون الجحيم". وكان هذا مجرد تصريح واحد من تصريحات متعددة عن نية إجرامية وإبادة جماعية لم تدع مجالاً للشك في الجريمة القادمة.

أما الدول الغربية فقد اختارت تجاهل هذه التحذيرات بالرغم من تصريحات مسؤولين بارزين. ففي مارس 2024، كتب وزير الخارجية آنذاك ديفيد كاميرون رسالة دامغة إلى أليسيا كيرنز، وهي زميلة من حزب المحافظين ترأست لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم، وذكر في الرسالة بالتفصيل طرقاً متعددة تمنع بها إسرائيل دخول المساعدات إلى غزة، بما في ذلك عدم فتح المزيد من الطرق البرية عمداً، وعدم فتحها لفترة كافية، وفرض شروط فحص مفرطة.

وأوضح كاميرون أن "العوائق الرئيسية لا تزال الرفض التعسفي من قبل حكومة إسرائيل، وإجراءات التخليص المطولة، بما في ذلك عمليات الفحص المتعددة وفتح النوافذ الضيقة في ساعات النهار". وذكر أن المساعدات الممولة من بريطانيا ظلت راكدة على الحدود لما يقرب من 3 أسابيع في انتظار الموافقة. ومع ذلك، لم تفرض الحكومة البريطانية أية عقوبات واستمرت في تسليح دولة كانت تعلم أنها تجوّع السكان المدنيين عمداً.

وكشف موقع بروبابليكا عام 2024 أن أبرز سلطتين أمريكيتين معنيتين بالمساعدات الإنسانية خلصتا إلى أن إسرائيل عرقلت عمداً شحنات الغذاء والدواء إلى غزة. وبموجب القانون الأمريكي، كان ينبغي أن يُؤدي هذا إلى تعليق شحنات الأسلحة فوراً، لكن إدارة بايدن لم تقبل هذه النتائج. وقد لا تكون على دراية بأي من هذين التقريرين، لأنهما لم يحظيا بتغطية إعلامية تُذكر من وسائل الإعلام الغربية التي خدعت جمهورها بشأن نية إسرائيل وسلوكها الإبادي.

إن أحد تعريفات الإبادة الجماعية، وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948، هو "فرض ظروف معيشية متعمدة على الجماعة بهدف تدميرها المادي كلياً أو جزئياً". وهذا وصف دقيق لما تفعله إسرائيل في غزة. فقد قتلت 452 عامل إغاثة، وقتلت بشكل ممنهج ضباط شرطة مكلفين بحماية المساعدات، ودمرت البنية التحتية اللازمة لنقل المساعدات الإنسانية، ومنعت وصول الوقود والمياه اللازمين لطهي الطعام. كما أصبحت أكثر من 95% من الأراضي الزراعية غير صالحة للزراعة بسبب الهجمات الإسرائيلية، وتضررت 81% من الأراضي الزراعية، وتم تدمير 83% من الحياة النباتية. ونفقت جميع الماشية والدواجن تقريباً، وتوقف إنتاج الحليب تقريباً.

لقد جرّمت إسرائيل الأونروا، الوكالة الإنسانية الرئيسية في غزة، وفرضت حصاراً شاملاً عليها قبل 3 أشهر. ثم استبدلت الهياكل الإنسانية القائمة بمؤسسة غزة الإنسانية (GHF). وكان هدفها، كما صرّح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، السماح بدخول "الحد الأدنى الضروري" حتى "لا يوقفنا العالم ويتهمنا بارتكاب جرائم حرب".

ولكن سموتريتش يعلن صراحة أن إسرائيل ستطرد جميع الفلسطينيين الناجين من غزة. ولا يقتصر الأمر على أن مؤسسة غزة الإنسانية لا تقدّم سوى القليل جداً من المساعدات، وغالباً ما تكون غير صالحة للاستخدام، بل إنها أنشأت أيضاً نقاط إغاثة في الجنوب لإفراغ شمال غزة عمداً. ثم ارتكبت القوات الإسرائيلية مجازر متكررة بحق الفلسطينيين الجائعين، واستبدلت الهياكل الإنسانية القائمة بما وصفه النائب المحافظ كيت مالثاوس بأنه "مسلخ".

لم تصل مادلين إلى شواطئ غزة. ومع ذلك، كشف طاقمها عن فحش أثار اشمئزاز المواطنين الغربيين، الذين سيجبرون حكوماتهم يوما ما على وقف تواطؤهم - ولهذا السبب، في النهاية، ستخسر إسرائيل.


روسيا اليوم