خاص - عن مصير الودائع ومسؤولية المصارف ودور القضاء... يشوعي يفجّرها: "شغلكن صفر عالشمال"! - تقلا صليبا
شارك هذا الخبر
Saturday, June 7, 2025
خاص الكلمة اونلاين
تقلا صليبا
بعد سنوات طويلة كان فيها القطاع المصرفي والمالي اللبناني في حال جيدة، حافظ خلالها على سعر صرف ثابت، واستطاع جذب الاستثمارات المحلية والخارجية، كما بنى ثقة لا بأس بها لدى المواطنين اللبنانيين ومودعين من جنسيات مختلفة، بدأ عام 2019 بالإنزلاق على نحو سريع، بعد تكاتف مجموعة ظروف قاسية، وصلت إلى الذروة مع انطلاق التحركات الاحتجاجية في ما عُرِف بـ"ثورة تشرين"، مرورًا بانفجار مرفأ بيروت وتبعاته، بالإضافة إلى وباء كورونا الذي شلّ الاقتصادات العالمية بمجملها، وصولًا إلى الأزمات السياسية الداخلية، والفراغ الرئاسي والحكومي والاستحقاقات المؤجلّة، المصحوبة بالفساد واللامبالاة والسرقة على حساب المواطن.
كل هذه الأحداث، والتي توّجتها حرب اسرائيل-حزب الله، بدأت تخفت حدّتها مع انتخاب رئيس جمهورية جديد، ومن بعده بدء ملئ المراكز الشاغرة في الدولة، من سياسية ومالية وأمنية، مما أعاد التفاؤل والأمل بإمكانية تعويض، ولو جزء من الخسائر الكارثية على المواطن،لاسيما المودع، وعن هذا الموضوع، يتحدّث الخبير الاقتصادي والمالي، الدكتور إيلي يشوعي، لموقع "الكلمة أونلاين"، فيدعو وبشكل عاجل، حاكم المصرف المركزي إلى التحرّك، وتقديم إخبار أمام القضاء، عن فقدان 78 مليار دولار، كانت موجودة لدى المصارف، ليقوم القضاء بعمله، ويبحث عن هذه الأموال لردّها لأصحابها.
عن جو التفاؤل السائد، يقول يشوعي ان كل الإجراءات التي تُتّخذ وكل ما يقوم به المعنيون حاليًا، ليست بشيء، ولا يرى أي تغيير فعلي ذات قيمة ومعنى ومضمون، لاسيما في ظلّ تشنّج العلاقة بين حاكم مصرف لبنان والحكومة ورئيسها، كما يلفت إلى كون منصب الحاكم يتطلّب من هم متمكّنين من السياسة النقدية، فيما أتى المسؤولون بأشخاص ذات خلفيات قانونية أو عاملين في الأسواق المالية منذ تأسيس المصرف، مما ساهم بالوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم.
بعيدًا عن الندم الذي لا ينفع على ما مضى، ينظر يشوعي إلى الأمام، فيؤكّد على ضرورة المحاسبة، اذ ان القطاع المصرفي بحسب كلامه، هو المسؤول عن فقدان الودائع، من هنا يرى ضرورة تدخّل القضاء، للتحقيق والمحاسبة، ويشدّد على المحاسبة، ومن بعدها تغيير الإدارات ومجالس الإدارة، وكل المتواجدين في مناصب لم يكونوا بالكفاءة اللازمة لتبوئها، وقد تمادوا في مخالفة القانون، بالأخص قانون النقد والتسليف.
في السياق نفسه، يطرح يشوعي إشكالية استمرارية المصارف، اذ يقول أن على كل مصرف دراسة وضعه، بعد أن يقوم القضاء بعمله، فبعض المصارف سيؤول مصيرها إلى الاضمحلال، ولن تستطيع الاستمرار، فهي بعد كشف وضع سيولتها، موجوداتها ومطلوباتها، وبعد محاسبة إداراتها وتجديدها، وكشف أسباب الأزمة الحقيقية، وردّ الحقوق لإصحابها، ستتّجه إما للإزدهار أو للزوال، وستزول معها كل "الفلكلورات" والمهزلة التي ابتكروها من تعميمات وتصنيفات للودائع ومصطلحات اخترعوها لتناسب الأزمة التي تسبّبوا بها.
أما عن التحقيقات والكشوفات التي يُمكن أن تُكلّف بها شركات مسؤولة، يتساءل يشوعي عن النفع المتأتي عن هذا النوع من الهدر، ويعود للحديث عن دور واحد فقط مهم حاليًا، هو الذي يقوم به القضاء، من تحقيقات ونتائج، ويُذكّر بأن شركة "ألفاريز ومارسال" سبق وقامت بكل ما يمكن أن يُطلب اليوم من أي شركة أجنبية، مما يلغي الحاجة للتفتيش والتدقيق الدولي، الذي سيؤدي لأمر واحد فقط: "المزيد من الهدر ثم الهدر".
ينتقل يشوعي بالحديث إلى موضوع "اليوروبوند" الذي كانت تحمله الدولة اللبنانية، والإفلاس الذي وصلت إليه بعد التخلّف عن دفعها، مما أدّى إلى انهيار في الأسعار، ودفع بشركات مثل "بلاك روك" إلى شراء هذه السندات بأسعار زهيدة، ضمن مخطّط تقوم من خلاله بعد فترة من تاريخ الشراء ببثّ أجواء إيجابية، وحديث عن نمو اقتصادي وتحسّن وانتعاش، مما يرفع أسعار هذه السندات، ويتيح لهذه الشركات بيعها وجني أرباح طائلة، وهو جزء مما يحصل اليوم، حيث يشير إلى الجو الغيجابي الذي نسمع به، لكنّه في الواقع ليس حقيقي، وهو مجرّد "تمثيلية" يؤدّيها بعض المدسوسين في الحكومة وكواليس القرار والتأثير الإعلامي.
عن دور الدولة في كاثة الإفلاس التي حصلت، نسأل يشوعي، الذي يُبعد المسؤولية الكبرى عن كاهل الدولة، إذ لا يرَ فها السبب الأساسي للإفلاس، بل يلفت إلى ما قام به المصرف المركزي من حوالي 10 سنوات، حين طلب بشخص رئيسه من المصارف سحب إيداعاتهم من الخارج وجلبها إلى لبنان، تحديدًا في سنة 2016، وقام بإعطائهم فوائد مرتفعة، مما سحب خلال أيام مبالغ وصلت إلى 5 مليار دولار، بشكل مباشر، من أموال المودعين إلى جيوب المصارف وأصحابها.
يأسف يشوعي على ما وصلت إليه الأمور، من المؤامرات التي حُبكت على حساب المودع، من قبل "البنك والسياسي والإداري"، ويأسف على ما يسميه بـ"قمّة الفساد والضمير الميت والأرواح الميتة والعقول الشرهة"، ويطالب بتوزيع خسائر لا يشمل المودع، بل الذين أخذوا أمواله، فالمودع كما يقول "لم يخسر، بل سُرِق"، وعلى القضاء التحرّك لإعادة المال إلى أصحابه.
"لا تقعوا بفخّ الدعاية"، يقول يشوعي، فالقروض التي يدّعون منحها اليوم ما زالت مجرّد كلام اعلاني لا أكثر، ولا يوجد إلا بعض المحاولات لتمويل بعض قروض الإسكان لا أكثر، ويطالب بتحركات سريعة، تعيد للقطاع المصرفي هيبته، اذ لا وجود للاستثمارات الفعلية في "اقتصاد الكاش"، ولا وجود لشفافية حقيقية بلا الإيداع المصرفي والحسابات والمحاسبات، ولا قيمة لكل ما تقوم به الحكومة اليوم إن لم تبدأ من المصارف، وكل عملها "صفر على الشمال" ان لم تحسّن وضع القطاع وتقوم بالخطوات التي تعيد الثقة لدى المودع المحلي والأجنبي، ويختم بأمنية تبدأ مع القضاء مرورًا بكل مسؤول وصولًا إلى رأس الهرم: "أنقلوا الصفر من الشمال على اليمين، علّنا ننهض ن جديد بهذا البلدا، انطلاقًا من النهضة المصرفية والمالية فيه".