هذه قصة "عميل" من فايسبوك إلى المحكمة

  • شارك هذا الخبر
Saturday, June 7, 2025

بكل الوسائل، وبكل الطرق، لا تزال إسرائيل تبحث عن "عميلها المثالي". لا شكل موحّداً للعمالة، ولا سيناريو واحداً يُكتَب، فكل شخص يُستثمر على طريقته: من يُرسل إحداثية، من يُصوّر موقعاً، ومن ينقل الأموال أو يتلقّاها لدعم أعمال عدائية ضد لبنان. كل هؤلاء يشكّلون قطعاً متناثرة في خريطة تجسّس واسعة، تُجمَع خيوطها بدقة في غرف عمليات إسرائيلية لا تزال تعمل بعقلية هجينة: الذكاء الاصطناعي من جهة، والبريد الميت من جهة أخرى.

في عالم الجاسوسية، لا تزال الاستخبارات الإسرائيلية ترى في "البريد الميت" وسيلة مضمونة لنقل الأموال أو تبادل المعلومات، رغم بدائيته الظاهرة. لا أثر رقمي، ولا تحويلات تُرصد، فقط نقطة خفية تحت شجرة أو على قارعة طريق.

وسط هذا المشهد، تتكاثر النماذج. من عميل يُجند عبر "فايسبوك"، إلى آخر يضع بنك أهداف على "واتساب"، إلى ثالث يُكلَّف بمهمة نقل الأموال. بسام مصطفى المصطفى هو أحدهم. لبناني الأصل، ألماني الجنسية، من بلدة كوثرية الرز.

حكم العسكرية

حكمت المحكمة العسكرية برئاسة العميد الركن وسيم فياض بالسجن 8 سنوات على بسام مصطفى المصطفى (مواليد 1972)، بعد إدانته بالتعامل مع العدو الإسرائيلي. وكان قد أوقف في 8 أيار 2024 داخل مطار بيروت الدولي، قبيل صعوده إلى طائرة متجهة إلى السعودية. اعتقاله أزاح الستار عن وجه آخر من وجوه العملاء: لبناني يحمل الجنسية الألمانية، ويسافر بحرية، ويلعب دور "ناقل الأموال" في شبكة لا يُطلب من عناصرها سوى الطاعة والسكوت.

تعود بدايات القصة إلى العام 2019، حين صادف المصطفى إعلاناً على "فايسبوك" يقول: “If you want to work with pleasure and travel”. ، وبعد نحو ثلاثة أسابيع تلقى ردّاً من شخص يُدعى "أوليفر"، رحّب به بحرارة بسبب امتلاكه الجنسية الألمانية، معتبراً أن بإمكانه السفر إلى معظم البلدان دون تأشيرة، وهذا ما يسهل "العمل". وفي الاتصال الثاني، سأله أوليفر عن راتبه، وعرض عليه السفر إلى اليونان على نفقة "الشركة". سافر المصطفى بالفعل إلى أثينا، حيث التقى بمشغّله الجديد وجهًا لوجه، وبدأت أولى خطوات التجنيد.

في أثينا، تكررت اللقاءات بينهما، وتبادل الطرفان الرسائل والإيميلات. تدرّجت العلاقة من حديث عام عن طبيعة "العمل"، إلى أسئلة مباشرة عن فلسطين، حزب الله، الثورة السورية. وحين كان المصطفى يستفسر في البداية عن طبيعة ما هو مطلوب منه، كان الرد الدائم من أوليفر"بخبرك بعدين، بس اتعرّف عليك منيح".

مع الوقت، إعتمدت العاطفة المزوّرة التي تُتقنها أجهزة الاستخبارات، وتحوّلت العلاقة إلى ما يشبه الصداقة بحسب المصطفى، ويقول في إفادته أمام المحكمة "كان يهتم بي كصديق وكأخ، في وقت كنت بحاجة لشخص يسأل عني".

كانت الأوامر محدّدة: تسليم أموال، صندوق، قماشة، رمز، تصوير، إرسال الموقع. مرتان فقط سلّم المال لأشخاص باليد: مرة في الروشة، وأخرى في الحمرا.

لكن المهمات لم تكن بهذه البراءة. الأوامر كانت محدّدة: وضع الأموال بطريقة سرية تعرف بـ"البريد الميت". يضع المال في صندوق ملفوف بقماشة، يضع رمزًا محددًا، يلتقط صورة، ويرسل الموقع الجغرافي. لم يكن مطلوباً منه أن يرى أحداً أو يتكلّم مع أحد. لكنه، في حالتين فقط، سلّم المال مباشرة لأشخاص مجهولين. الأولى في الروشة، والثانية في الحمرا.

في عالم كهذا، لا يكفي أن تُطيع. عليك أن تُثبت، ولذلك، خضع بسام المصطفى مرتين لاختبار كشف الكذب، ومرّ بتحقيق نفسي، سأله فيه مشغّله إن كان ينتمي لأي جهة إرهابية، أو إن كان متورطاً في نشاط غير قانوني، أو إن كان قد "زُرع" كعميل مزدوج. الشك لم يأتِ من فراغ. فقبل هذا الاختبار، كان قد نسي حاسوباً وهاتفاً في حرش بيروت بعد وضع "البريد الميت"، وحين عاد لاستردادهما، لم يجدهما. إثر ذلك، بدأت العلاقة تصبح "جافة"، وفق تعبيره، إلى أن انقطعت نهائياً مع أوائل العام 2023.

الدفاع: صورة العمالة غير واضحة

في جلسة المرافعة، تولّت المحامية فاديا شديد الدفاع عن بسام المصطفى، محاولة فصل الأفعال عن النيّات، والوقائع عن التوصيف القانوني. لم تُنكر موكلها، لم تبرّئه من التواصل، لكنها ربطت كل شيء بجهله لهوية مَن كان يتعامل معه. أوليفر، بحسبها، لم يقدّم نفسه كضابط استخبارات، ولا اعترف بانتمائه لأي جهاز، و"الموساد يعلن للعميل عن نفسه".

بل ذهبت المحامية شديد إلى أبعد من ذلك، مركّزة على أنّ صورة العمالة في هذه القضية ليست واضحة المعالم، بل تمتزج فيها الرفقة بالمهمات. وقالت: "كانا يقضيان الوقت معًا، يتناولان الغداء، ويذهبان إلى البحر، وهذا أمر لم يحدث يومًا مع الموساد".

أما النقطة الأهم، شددت على أن المادة 274 من قانون العقوبات لا تنطبق على القضية، إذ لا عدوان إسرائيلي كان قائماً وقت التواصل، ولا عملية تسليم الأموال تُمثّل مساهمة في شن حرب على لبنان. لذلك طالبت بكفّ التعقبات عن هذا الجرم تحديداً، وفصل "النقود" عن "العدو".

نغم ربيع
المدن