الصين تستخدم سلاحها الاقتصادي الأقوى في المفاوضات مع أميركا... ما هو؟

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 6, 2025

أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمس الخميس الماضي محادثات هاتفية مع نظيره الصيني شي جينبينغ، تركزت على تهدئة الحرب التجارية بين البلدين.

كان غالب المحللين والمراقبين توقعوا أن تكون تلك المحادثات في غاية الصعوبة، في ظل تبادل الاتهامات بين بكين وواشنطن بخرق الهدنة التجارية بين البلدين التي توصلا إليها قبل ثلاثة أسابيع، وأدت إلى خفض الرسوم والتعريفة الجمركية المتبادلة بينهما.

وبعد المكالمة الهاتفية مع الرئيس الصيني قال ترمب، "انتهيت للتو من مكالمة هاتفية مثمرة للغاية مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، ناقشنا فيها بعض تفاصيل اتفاقتنا التجاري الذي جرى الاتفاق عليه. استمرت المكالمة قرابة ساعة ونصف ساعة، وانتهت بنهاية إيجابية للغاية لكلا البلدين. ‏لا ينبغي أن تكون هناك أية مشكلة في شأن منتجات العناصر الأرضية النادرة، وستجتمع فرقنا المعنية لاحقاً في مكان سيتحدد". وأكد الرئيس الأميركي أن "المحادثة كانت بصورة شبه كاملة عن التجارة، لم يناقش أي شيء يتعلق بروسيا وأوكرانيا أو إيران".

كان الرئيس الأميركي قال الأربعاء الماضي إنه "يقدر" نظيره الصيني شي جينبينغ، لكن "من الصعب للغاية التوصل إلى اتفاق" معه في الحرب التجارية في شأن الرسوم الجمركية. وكتب ترمب عبر موقعه للتواصل "تروث سوشيال"، "أقدر الرئيس شي، وكثيراً ما أحببته وسأستمر في ذلك، لكنه صعب جداً".

ونشرت صحيفة "ديلي تلغراف" البريطانية تقريراً بعنوان "صدمة ترمب من استخدام الصين سلاحها الاقتصادي الأحدث"، ويخلص إلى أن أية مفاوضات بين ترمب وشي ستعني أنه سيكون على الرئيس الأميركي "تجرع الدواء المر"، لأن منافسه ستكون له اليد العليا في المفاوضات.

خفض التصعيد

أما السلاح الاقتصادي الأقوى بيد الصين فهو شبه السيطرة الكاملة لها على الإمدادات العالمية من المعادن الأرضية النادرة، وتدخل تلك المعادن في صناعة كل شيء تقريباً من الرقائق الإلكترونية في السيارات وأجهزة الكمبيوتر إلى الطائرات المقاتلة "أف – 35" والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، ولن تتردد الصين في استخدام ذلك السلاح ليستطيع "شي الضغط على أميركا بما يؤلمها"، بحسب تعبير الصحيفة.

هكذا كان الغرض من المكالمة الهاتفية بين ترمب وشي هو خفض التصعيد في الحرب التجارية بعدما توصل الطرفان إلى اتفاق موقت الشهر الماضي كبادرة حسن نية تساعد في إنجاح مفاوضات اتفاق تجاري بين البلدين. تقول ماتيلدا بوكان من مركز "آسيا هاوس" للأبحاث في لندن إن "المعادن النادرة تمثل أهم ورقة تفاوض بيد الصين في أية محادثات مع واشنطن، والواقع أن الصين ستستخدم هذه الورقة لتقوية موقفها التفاوضي".

يعد استخدام الصين لسلاح سلاسل توريد المعادن النادرة تهديداً حقيقياً للاقتصاد الأميركي وصناعاته العسكرية، لذا تعرض البيت الأبيض للضغط من تلك الصناعات كي يخفض تصعيد الحرب التجارية مع الصين، فبعد إعلان ترمب الأولي مطلع أبريل (نيسان) الماضي فرض رسوم جمركية بنسبة 145 في المئة على الواردات من الصين ردت بكين بفرض تعريفة جمركية انتقامية على الصادرات الأميركية، لكنها أيضاً فرضت حظراً على تصدير السبائك المحتوية على معادن نادرة إلى الولايات المتحدة.

ظهر أثر الحظر الصيني على الفور، وأرسلت كبرى شركات صناعة السيارات، مثل "جنرال موتورز" و"تويوتا" و"هيونداي" و"فولكس فاغن" رسالة إلى البيت الأبيض في التاسع من مايو (أيار)، حذرت فيها من أنه إذا لم يرفع الحظر الصيني عن تصدير تلك السبائك المعدنية لن يكون أمام هذه الشركات سوى خفض إنتاجها بشدة.

في اليوم ذاته من الشهر الماضي كتب ترمب على موقعه للتواصل أنه "مستعد لتقديم تنازلات كبيرة للتوصل إلى اتفاق مع الصين"، وفي الأسبوع التالي عقدت جولة محادثات بين مسؤولين أميركيين وصينيين انتهت باتفاق مبدئي على خفض الرسوم والتعريفة الجمركية، واتضح بعد ذلك أن الصين سمحت بإعادة تصدير المعادن النادرة إلى الولايات المتحدة.

تبادل الاتهامات

عاد الرئيس الأميركي لتهديداته الجمعة، وكتب على موقعه للتواصل أن الصين "انتهكت تماماً اتفاقها معنا". وفي مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي" قال المبعوث التجاري للرئيس جاميسون غرير إن بكين "تبطئ بشدة" منح التراخيص لتصدير المنتجات التي تحتوي على معادن نادرة، وأضاف غرير "لم نشهد عودة انسياب بعض تلك المعادن المهمة بالصورة التي يفترض أن تكون".

يتساءل تقرير الصحيفة إن كانت الصين بالفعل تنتهك الصفقة كما يشك بعض مسؤولي البيت الأبيض، أم أن الأمر لا يعدو كونه عودة النظام تدريجاً للعمل، وأنه ليست هناك مؤامرة، ففي أبريل الماضي لم تفرض الصين حظراً مباشراً فجائياً على الصادرات، بل بدأت تطبيق نظام بيروقراطي يحكم تجارة المعادن النادرة عبر لوائح وقواعد جديدة.

على عكس ما كان معمولاً به سابقاً، تحتاج الشركات الصينية التي تصدر سباك معدنية، تحتوي أية نسبة ولو ضئيلة من سبعة معادن نادرة إلى تقديم طلب لوزارة التجارة للحصول على رخصة تصدير، تلك المعادن هي ساماريوم وغادولينيوم وتربيوم وديسبروزيم وليوتيتيم ويتريم وسكانديوم.

نتيجة تلك القواعد الجديدة أصبح من غير الواضح أي الشحنات تحتاج إلى الفحص أو لخضوعها للوائح الجديدة، كما أصبحت هناك اختبارات معملية كثيرة حتى على الصادرات، التي يقل محتوى المعادن النادرة فيها عن الحد المسموح به طبقاً للقواعد المعدلة.

يقول مدير الأبحاث في شركة الاستشارات والتحليل للمعادن النادرة "بروجيكت بلو" ديفيد مريمان إن "ما بدا للوهلة الأولى وكأنه تجميد كامل للصادرات من الصين لم يكن في الواقع إلا رد فعل على تلك المتطلبات لإجراء الاختبارات على كل المواد التي تحتوي على أكثر من نسبة 0.1 في المئة من تلك المعادن"، وتقدر الشركة أن عملية طلب التصريح تستغرق ما يصل إلى 45 يوماً، وهو ما قد يفسر بطء الصادرات إلى الولايات المتحدة عن المعدل الذي كان متوقعاً.

الهيمنة الصينية

بحسب ما ذكره رئيس الغرفة التجارية الأميركية في الصين مايكل هارت فإن ذلك هو التفسير الأقرب للدقة، وليس تفسير المؤامرة بأن بكين تنتهك الاتفاق، يقول هارت "إننا نشهد بعض الموافقات للتصدير، وإن كان بمعدل أبطأ مما ترغب به الصناعات، وبعض ذلك التأخير يرجع إلى عملية تطبيق الصينيين للنظام الجديد للموافقة على الصادرات، وليس لأنهم لا يسمحون بالتصدير". ومنذ منتصف مايو حصلت ست شركات كبرى على رخص للتصدير، وهناك ثلاث شركات أخرى طلباتها في طور المراجعة.

تستخدم المعادن النادرة في الصناعات الحديثة كلها تقريباً، لكنها تكون بكميات قليلة جداً، وإن كانت أساسية في الصناعة، إلا أن هذا العامل، الكميات القليلة، جعل التنقيب عنها وتعدينها وتنقيتها يبدو غير مجد اقتصادياً لكثير من الدول باستثناء الصين.

بحسب أرقام وبيانات وكالة الطاقة الدولية، تنتج مناجم الصين ما يصل إلى نسبة 61 في المئة من معادن الأرض النادرة في العالم، لكن الهيمنة الصينية لا تقتصر على إنتاج المناجم للنسبة الأكبر من تلك المعادن، فمصانع التعدين والتنقية في الصين تعالج معظم إنتاج العالم من المعادن النادرة من الدول الأخرى، وتتولى الصين تعدين وتنقية نحو 92 في المئة من المعادن النادرة في العالم.

تحاول الولايات المتحدة منذ فترة تقليل الاعتماد على الصين بالدفع نحو إنتاج وتنقية المعادن النادرة في أميركا أو في دول صديقة، إلا أن وكالة الطاقة الدولية ترى أن مثل هذه الجهود الأميركية لن تؤتي ثمارها قبل سنوات تزيد على 10 أعوام.

حتى ما يكرره الرئيس ترمب من حديث حول السيطرة على المعادن النادرة في غرينلاند وأوكرانيا لا يبدو أمراً واقعياً كما يرى غالب المحللين الذين تحدثت إليهم الصحيفة، وعلى رغم اتفاق المعادن النادرة مع أوكرانيا فإن هذه المحاولات للاستعاضة عن الإنتاج الصيني لن تختبر إلا بعد نهاية فترة رئاسة ترمب وربما من سيأتي بعده.


اندبندنت عربية