خاص- الودائع طارت والمصارف نحو الإفلاس والتفليس بغطاء من ...؟- كارين القسيس

  • شارك هذا الخبر
Thursday, June 5, 2025

الودائع طارت والمصارف نحو الافلاس والتفليس بغطاء من ...؟- كارين القسيس


يصف مصرفيون كبار في مجالسهم عمليات الاختلاس التي تشهدها المصارف، على غرار ما حصل في عدة مصارف صغرى ومؤخراً في بنك "ميد"، بأنّها تشبه محاولة القفز من المركب قبل أن يغرق، من دون ارتداء سترة نجاة. فقد خرجت هذه القضايا إلى الإعلام ولم يعد بالإمكان التملّص منها، بخلاف بعض المصارف التي تشهد اختلاسات صغرى تسعى إداراتها إلى طمسها من خلال الترتيب لإعادة الأموال و"لفلفتها".

وتعود خلفية توسّع ظاهرة الاختلاسات في المصارف إلى قناعة تامّة لدى بعض الموظفين والمسؤولين بأنّ الودائع قد طارت، وبأنّ المصارف التي يعملون فيها، سواء التي انكشفت اختلاساتها إعلامياً أو غيرها، متّجهة نحو الإفلاس. لذلك يعمد البعض إلى تهريب "جنى العمر" من ودائع وتعويضات. كما أصبح هؤلاء على دراية بأنّ مستقبل المصارف يبدو قاتماً، في ظل تراجع تحركات المودعين واحتجاجاتهم، ما بات يُسهّل وفق مراقبين على المصارف تطيير الودائع أو التصرّف بها من دون رقيب أو حسيب.

وثمة قناعة لدى عدد من المودعين من رجال أعمال، ومهندسين، وأصحاب مؤسسات، ومغتربين، بأنّه لا أمل في استرداد الودائع، طالما أنّه حتّى الآن لم يُقرّ قانون "الكابيتال كونترول"، رغم مرور ست سنوات على انطلاق الأزمة. ويتهم هؤلاء المسؤولين والنواب بالاستخفاف بالملف، مشيرين إلى أنّ وجود نواب مرتبطين بالمصارف، من كافة الأحزاب التقليدية والمعارضين والتغييريين والمستقلين، يمنع فتح الملفات الماليةّ بالشكل اللازم، خصوصاً تلك التي تطال وزراء ونواباً ومدراء معنيين بالإدارة المالية للبلاد.

ويروي مالك شركة كبرى أنّه سمع قبيل الانتخابات ما قبل الأخيرة لجمعية المصارف، واستحالة إعادة انتخاب سليم صفير لولاية ثانية قبل تعديل النظام، أنّ مصرفياً كبيراً عرض على رئيس مجلس إدارة أحد المصارف تولي رئاسة الجمعية، فردّ الأخير بأنه لا يستطيع لأسباب خاصة، مشيراً إلى أنّ الأفضل التوجّه نحو اختيار رئيس مجلس إدارة بنك عودة. وعلّل ذلك بأنّ هذا المصرف محصّن ومحمي من كبار المسؤولين، وكذلك من وزراء ونواب، ولديه شبكة من القضاة والمحامين القادرين على تأمين الحماية القانونية اللازمة له ولمالكيه. واستشهد بحالة قضائيّة تدخل خلالها وزير العدل لصالح المصرف، رغم أّن الفريق السياسي للوزير ورئيسه كانا يقودان حملة على المصرف للنيل من رئيس حكومة على علاقة به، مما غيّر منحى التحقيق.

وفي سياق آخر، يروي دبلوماسي ضمن طاقم سفارة غربيّة أنّ عدداً من رؤساء مجالس إدارات المصارف الموجودين في لبنان لا يجرؤون على السفر، بسبب حوادث وقعت مع بعضهم في الخارج، ألزمتهم بدفع ملايين الدولارات أو اليوروهات. وأشار إلى حالة رئيس مجلس إدارة مصرف صدر بحقه حكم قضائي يلزمه بدفع 22 مليون دولار، وإلا يتم توقيفه، ما دفعه إلى تأمين المبلغ خلال ساعات من حسابه الخاص في الخارج.

كما أقدم صديق رئيس مجلس إدارة أحد المصارف، بعد خلاف بينهما ورفع دعوى مطالباً بوديعته، على دفع 18 مليون دولار بعد أن ادعى على المصرفي. وكان هذا الصديق قد اشترى عقارات لصالح المصرفي وأودع أمواله في مصرفه. وبعد تقديم شكوى وحجز العقارات، اضطر المصرفي إلى دفع المبلغ نقداً، رغم أنّ قيمة العقارات قد تتجاوز المبلغ بأضعاف. ويضيف هذا الدبلوماسي أنّ لبنان مقبل على انهيار مصرفي كبير، وفقاً لما استنتجه من متابعته الدقيقة لهذا الملف، كما أبلغ خلال لقائه مع مودعين يحملون جنسية بلاده.

وبالعودة إلى اختلاسات المصارف، تؤكد المعطيات أنّ هذه العمليات تحصل تحت أعين الإدارة، لأنّ النظام الإلكتروني المعتمد يسمح للإدارة العليا بالإشراف على كل العمليات، حتى الصغيرة منها، فكيف إذا كانت بملايين الدولارات؟

وبالسؤال عن التواطؤ الحاصل، يتبيّن أنّ العديد من هذه المصارف تتجه نحو الإفلاس، حيث يعتمد المسؤولون فيها منطق "إلحق حالك".

انطلاقاً من ذلك، فإن البلاد يجب أن تستعد لسقوط المصارف كما أحجار الدومينو، خصوصاً أنّ أي تنظيم لم يتم حتى الآن، والدليل على ذلك هو مسار قانون "الكابيتال كونترول"، رغم حصول انتخابات نيابية جديدة. كما أنّ المنظومة السياسية تحمي نفسها، ما يؤدي إلى سقوط بعض المصارف من دون أي ردّة فعل، إذ أنّ ذلك يُسهم في طيّ صفحة ضاغطة، وتُرمى الكرة حينها في ملعب المصارف المفلسة، التي تسدّد، وفقاً للقانون، لكل مودع مبلغ 75 مليون ليرة لبنانية فقط.

وقد بلغ الوضع ذروته، حيثُ بدأ بعض المسؤولين في المصارف بتقديم اقتراحات تحمل طابعاً إنسانياً، وتتضمّن معالجات نقدية من شأنها الحفاظ على النظام المصرفي، إلاّ أنّ هذه المبادرات غالباً ما تصطدم بالمكابرة وغياب التنازل. إذ يعتبر بعض أصحاب المصارف أنّ تطبيق مثل هذه الاقتراحات قد يُظهرهم وكأنهم يعيدون من ممتلكاتهم الخاصة ما سُلب من المودعين، وهو ما لا يرغبون في حدوثه. ولذلك، يفضّل بعضهم وفقاً لما يُنقل في الأوساط المصرفية أن "يُفلسوا" مصارفهم في نهاية المطاف، على أن يتحمّلوا هم شخصياً عبء تعويض المودعين أو إعادة جزء من الأموال.