ترامب يبيع «حلَّ الدولتين» بمئات المليارات- بقلم طوني عيسى

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, May 13, 2025

الجميع يترقّب «المفاجأة» التي سيفجّرها دونالد ترامب خلال زيارته للمملكة العربية السعودية. وعلى الأرجح، إنّها صفقة متكاملة تحصل فيها المملكة على ما تطلبه من ضمانات أمنية وتكنولوجيا نووية سلمية واعتراف بدولة فلسطينية، في مقابل أن تبارك مسار التطبيع، وتوقّع عقوداً بمئات المليارات من الدولارات.

المفتاح السحري الذي يريد ترامب استخدامه حالياً في الشرق الأوسط هو عنوان «حل الدولتين»، أي الاعتراف بوجود دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل. وهذا العنوان يغري المملكة العربية السعودية والعرب ويلبّي طموح الفلسطينيين أنفسهم، لكن، فيه «قطبة مخفية» قد تجعل منه مجرد عنوان لا مضمون حقيقياً له. وهو كذلك أساساً، منذ اتفاق أوسلو.

في عبارة أخرى، الإعلان عن «الدولة الفلسطينية» لا قيمة له إلّا إذا أُرفق بتحديد الخصائص الجغرافية والديموغرافية لهذه الدولة في شكل واضح وحاسم. وأما الإعلان عنها وكأنّها كيان افتراضي فلا يعني شيئاً، وعلى العكس يصبح فخاً يُراد به إسكات الفلسطينيين ودفع العرب إلى التطبيع.

في عبارة أخرى، يحاول ترامب إقناع حكومة نتنياهو بقبول تسويق هذا العنوان، ما دام لا يقدّم ولا يؤخّر، ولا يعطّل المشاريع الاستراتيجية الإسرائيلية. وفي الواقع، يتفهم نتنياهو ورفاقه في اليمين واليمين المتطرّف أنّ ترامب يناور في هذا الطرح، لكنهم يفضّلون عدم مجاراته في هذا الموقف والتنازل للفلسطينيين مجاناً، ولو في الشكل، بعد «الانتصارات» التي تحققت في غزة. وفي المقابل، لا تمانع قوى اليسار والوسط في إسرائيل، ومعها فريق واسع من المنظومة العسكرية والأمنية، استخدام هذا العنوان من أجل استدراج الفلسطينيين إلى تسوية صورية تصبّ في النهاية في مصلحة إسرائيل، لأنّها لا تعترف لهم بالسيادة على أي بقعة من الأرض.

ويقول ديبلوماسيون غربيون: قبل عامين، كانت كل الجهود العربية والأميركية منصبّة على إنجاز تسوية في الشرق الأوسط أساسها حلّ الدولتين. وكانت إدارة جو بايدن متحمسة لها، كمدخل لجذب المملكة العربية السعودية إلى السلام وفقاً لمنطوق مبادرة بيروت العربية للسلام 2002، أي الأرض مقابل السلام. لكن عملية «طوفان الأقصى» في 7 تشرين الأول 2023 عطّلت هذا المسار. بل إنّ البعض اعتبر آنذاك أنّ طهران أرادت هذه العملية لضرب مسار التطبيع.

وما يفعله ترامب اليوم هو العودة إلى ما قبل عملية «الطوفان» والحرب في غزة ولبنان، واستخدام عنوان الدولتين لإنهاء الحروب في الشرق الأوسط والدخول في مسار التطبيع بمباركة السعودية، بما تمثله من رمزية عربية وإسلامية. لكن حكومة نتنياهو لا تجد نفسها مضطرة إلى تقديم هذا التنازل. وفي التحليل العميق للموقفين الأميركي والإسرائيلي يتبين أنّ الخلاف بين الطرفين شكلي. فكلاهما في النهاية لا يريدان إعطاء الفلسطينيين دولة حقيقية، لكن كلا منهما يناور على طريقته.

الطرح الذي يخبئه ترامب ـ على الأرجح ـ يقوم على الفكرة الآتية: تحسين الحياة الاقتصادية للفلسطينيين عبر مشاريع تنموية في الضفة الغربية وغزة، ما قد يساهم في خلق بيئة أقل توتراً، وتسويق «حل وسط» يقضي بتدعيم «الحكم الذاتي الفلسطيني» أو «الدولة الفلسطينية الناقصة» مع الحفاظ على الهيمنة الإسرائيلية على الأمن والحدود. ويمكن أن يشمل ذلك ترتيبات موقتة أو توسعاً تدريجياً في صلاحيات السلطة الفلسطينية في مناطق معينة. لكن حكومة نتنياهو تعارض بقوة هذه الفكرة، وترفض طبعاً تقديم تنازلات في مسائل حساسة مثل القدس أو الحدود أو الاستيطان.

وفي هذه المسألة يتمّ استغلال الانقسام الفلسطيني. فمنذ فوز حركة «حماس» في الانتخابات الفلسطينية عام 2006، أصبح الوضع الفلسطيني أكثر تعقيداً بسبب الانقسام بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بقيادة حركة «فتح»، و»حماس» في غزة. ويعاني الرئيس محمود عباس من تراجع في سلطته الشعبية في الضفة الغربية. وهذا الواقع تستغله إسرائيل لزيادة الشكوك في قدرة الفلسطينيين على الالتزام بأي اتفاق طويل الأمد.

وإذ يجد نتنياهو ورفاقه أنفسهم في مأزق المواجهة مع شخصية ترامب الجامحة والشديدة التقلّب، فإنّهم على الأرجح سيسعون إلى ممارسة الضغوط على إدارته من الداخل الأميركي، سواء بتفعيل جماعات الضغط المؤيّدة لإسرائيل مثل «إيباك» (AIPAC)، واللعب على ورقة الاختلافات بين الجمهوريين والديموقراطيين في طريقة التعامل مع النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. فالحزب الجمهوري في خلال ولاية ترامب الأولى كان داعماً قوياً لإسرائيل، فيما مال الديموقراطيون، ولا سيما منهم الجناح اليساري إلى تبنّي مواقف أكثر توازناً.

إذاً، بين النقاط سيتحرّك ترامب في الأيام المقبلة لتحقيق إنجاز معين يتوق إليه. فهو حتى اليوم لم ينجح لا في وقف الحرب في أوكرانيا كما وعد، ولا في تسويق تسويات شرق أوسطية بين العرب وإسرائيل، ولا في حسم المواجهة مع طهران سلماً أو حرباً، فيما سياسته للضغط المالي على الصين أفرزت وقائع صعبة.

لذلك، يريد ترامب في جولته الخليجية أن يكسر الحلقة المفرغة التي يدور فيها، بإنجاز صفقة متعددة الأطراف ومتكاملة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، إذ تمنح الحلفاء في الخليج مكاسب ومبررات للإقدام على استكمال خطوات التطبيع التي طال انتظارها، فيما يحصل الحليف الإسرائيلي في النهاية على مكاسب استراتيجية حقيقية، لأنّ الوعود المقطوعة للفلسطينيين بالحصول على دولة ستبقى مجرد افتراضات. والأهم أنّه سيعود إلى الولايات المتحدة بمئات المليارات من الدولارات، كما فعل في مطلع ولايته السابقة.


الجمهورية