حصد رئيس "حركة الإستقلال" النائب ميشال معوّض ما زرعه من بذور في جلسة مجلس النواب التي كانت مخصّصة لإعطاء الثقة للحكومة الحالية، حيث قال حرفيًا: "سنحارب المافيا والميليشيا في صناديق الاقتراع"، هكذا قرأت أوساط قيادية في تيار "المردة" الخسارة الكبيرة التي مُني بها معوّض بوجه رئيس "التيار"، النائب طوني فرنجية.
هذا التصريح بما يحمل من "اتّهامات خطيرة لا تمتّ للحقيقة بصلة"، وفقًا للأوساط، كان "القشّة التي قسمت ظهر البعير وأقفلت الباب على أي مسعى للتوافق في الاستحقاق البلدي". ورغم أنّ "تصريح معوّض لا يحتمل التأويل، والجهة التي حاول تلبيسها تهمة "المافيا والميليشيا"، معروفة وهي تيار "المردة"، منافسه الأول في المعركة الانتخابية في قضاء زغرتا، إلا أن معوّض عمد وبخفّة إلى التنصّل من هذا الاتهام، عندما واجهه فرنجية بكلامه، كما لو أنّه يخوض الاستحقاق في إحدى قرى الجنوب أو البقاع"، وفقًا للأوساط.
من جهته، وبحسب الأوساط، لحق النائب طوني فرنجية بمعوّض "على باب الدار"، مطالبًا إيّاه بـ "الاعلان عبر الاعلام أنّه لم يقصد تيار "المردة" فكان الجواب المتوقع وهو الرّفض والبادي كان الأظلم".
وفي تفاصيل المشهد الانتخابي، رأت الأوساط أن "رياح صناديق الاقتراع لم تأت بما يشتهي معوّض، إذ عجز عن تأليف لائحة بوجه "المردة" في مسقط رأسه مدينة زغرتا التي تشكّل 45 بالمئة من القضاء، وانحصرت المواجهة بين اللائحة المدعومة من "المردة" واللائحة المدعومة من المجتمع المدني، حيث كان الفوز حليف "المردة" مع ربح كامل المقاعد الاختيارية المخصّصة للمدينة".
وتساءلت الأوساط: "كيف يمكن لمرشّح رئاسي سابق ونجل رئيس جمهورية، ورئيس حركة سياسية، ولمن يطرح نفسه كقطب سياسي مسيحي بارز في المشهد السياسي أن يعجز عن تأليف لائحة في مسقط رأسه أو أن يحصل على مقعد اختياري واحد بالحد الأدنى من أصل 11 مقعدًا؟".
في المقابل، نقل معوّض معركته إلى استحقاق انتخابات رئاسة اتحاد بلديات زغرتا، ولكن المفارقة اللافتة، كما تقول الاوساط أنه "كان هذه المرّة محمّلًا بأموالٍ طائلة". في هذا الإطار، وعلى سبيل الذكر لا الحصر، اتّهمت الأوساط "معوّض بتوزيع الرّشاوى المالية على الأهالي، حيث بلغ سعر الصوت الواحد في قرية واحدة مئات الدولارات لا بل تخطى في بعض الأحيان الـ2000 دولار، بالإضافة الى استقدام حوالي 53 ناخبًا من استراليا للاقتراع مع تغطية كل ما يتطلّب ذلك من نفاقات. الأمر نفسه ينطبق على قرية أخرى يتشكّل مجلسها البلدي من تسعة أعضاء، حيث عمل على إحضار 34 شخصًا من خارج لبنان للمشاركة بالاستحقاق".
وتابعت الأوساط: "عوّل معوّض على المال الانتخابي للفوز برئاسة الاتحاد، إلا أن النتائج لم تأت لصالحه حيث فاز تيار "المردة" بـ 16 بلدية من أصل 25 بلدية وخسر في 4 بلديات، في حين تأمّن التّوافق في 5 بلديات أخرى، ووفقا لهذه الارقام، يكون "المردة" قد أمّن الفوز برئاسة الاتحاد".
ولكن، بعيدا عن لعبة الأرقام، كيف تُترجم هذه النتائج في المشهد السياسي؟، أجابت الأوساط القيادية في "المردة" أن "هذه الأرقام أثبتت أن أهالي زغرتا حسموا موقفهم إلى جانب النائب طوني فرنجية، بوجه الفريق الذي افتتح المعركة تحت شعار "المافيا والميليشيا"، على قاعدة أن "هذا الكلام يُرد لأصحابه"".
وإذ أكّدت أن "هذه الأرقام حسمت المرجعية السياسية لمدينة زغرتا بيد فرنجية"، لفتت الأوساط إلى أن "معوّض أخطأ في حساباته، إذ كان يعتبر أن هذا الاستحقاق يتزامن مع تغيّر الظروف الاقليمية والمحلية، ما يعني أنًها اللّحظة المناسبة للانقضاض على تيار "المردة" ورئيسها سليمان فرنجية، فجاءه الرّد مدوّيًا في صناديق الاقتراع، حيث نُسفت آماله".
كذلك، توقّفت الأوساط عند ردّة فعل معوّض بعد صدور النّتائج، معتبرة أنّه "مارس حالة الرفض والنكران لحقيقة الأرقام، وهو ما يضعه تيار "المردة" في خانة "الإرباك السياسي"".
وقالت الأوساط: "كان الأجدى بمعوّض الاعتراف بالخسارة والتسليم بنتائج العملية الديمقراطية طالما أنّه من أرباب السيادة والحرية والاستقلال، بدل استخدام عبارات القمع والميليشيا والتسلّط والدماء، التي تناقض بشكل فاضح شرعية التمثيل التي أعطاها أهالي زغرتا لسليمان فرنجية ونجله من بعده منذ الثمانينات"، مضيفة: "لا يمكنه الاستخفاف بعقول أهالي زغرتا ووصف من أعطوه الثقة لسنوات بـ "الميليشيا والمافيا"".
كذلك، رأت الأوساط أن "هذا الاستحقاق هو بمثابة انطلاقة قوية للنّائب طوني فرنجية، علمًا أن معوّض كان مرتاحًا لاستلامه، معتقدًا أنه بمثابة "اللّقمة السّائغة" ولكن سرعان ما تبدّدت تطلّعاته، حيث أثبت فرنجية الابن أنه قادرٌ على الوقوف بالمرصاد لمعوض في زغرتا وعدم السماح له بالتمادي".
أخيرًا وليس آخرًا، تجزم الأوساط أن "فرنجية وضع النقاط على حروف المواجهة السياسية بينه وبين معوّض، محذّرًا من أنّه سيكون له في المرصاد في حال كرّر اعتماد الأسلوب السلبي، أما في حال مدّ معوض يد العون فسيلاقيه إلى منتصف الطريق".