انتخابات أم صفقات؟ هذا ما يُحاك لزحلة خلف الستار - بقلم كارين القسيس

  • شارك هذا الخبر
Monday, May 12, 2025

دونت الصحافية كارين القسيس عبر حسابها على فيسبوك قراءة للانتخابات البلدية في زحلة وكتبت:

بينما تقترب ساعة الحسم في انتخابات زحلة البلديّة، ترتفع الأصوات وتتّضح التحالفات، وها قد آن الأوان لرفع الغطاء عن كل داعم للائحة أسعد زغيب، لا بوصفه مؤيداً سياسياً، بل كطرف مستفيد، يُحاول أن يحصد أرباحه من بوابة البلديات كما يحصدها الآخرون من الدولة. وبالتالي، لم يعد السكوت مقبولاً، ولم يعد الناخب الزحلاوي يملك ترف السذاجة أو مجاملة العاطفة. كل صوت يُمنح في 18 أيّار من دون تبصّر، سيعود ندباً في 19 أيّار، ولا يحق بعد ذلك لأحد أن يشتكي، وقد اختار بيده من يعيد إنتاج الاستنسابيّة، والفساد، وصفقات ما تحت الطاولة.

أصبح من المعروف أنّ لائحة أسعد زغيب مدعومة من الثنائي الشيعي، ومن النائب ميشال ضاهر، ومن "حزب الكتائب"، وهذا الدعم لا يأتي من فراغ. ففي السياسة اللبنانيّة، لا أحد يعطي من جيبه بلا مقابل، خصوصاً في الانتخابات البلديّة، حيثُ تُنسج التحالفات وفق لغة المصالح لا المبادئ، والضمانات لا البرامج. فما الذي يدفع هذه الجهات لدعم زغيب؟ وما العائد الذي ينتظرونه من وراء هذا الاستثمار السياسي؟

تكشف مصادر متابعة لحيثيات المعركة الانتخابيّة في زحلة عن ثلاثة محاور رئيسيّة تُشكّل جوهر هذه الصفقة السياسيّة، أوّلها المخطّط التوجيهي الذي حاول زغيب تمريره خلال ولايته السابقة، وثانيها ملف كهرباء زحلة الذي لا يزال عالقاً بين الأطماع والمصالح، وثالثها صفقات عقاريّة ضخمة في سهل المعلقة المحازي لسهل الفرزل، جرى التمهيد لها بهدوء قبل أن تُعلَن تغييرات جذرية في تصنيف الأراضي.

المخطّط التوجيهي الذي لاقى اعتراضاً واسعاً من أهالي بلدتي التويتي والكرك، ذات الغالبية الشيعيّة، كان في ظاهره مشروع إقصاء، وفي باطنه محاولة لإعادة توزيع الاستثمارات بما يخدم منطق المحاصصة. فالمناطق التي اعترضت سابقاً على هذا المخطّط، ورفعت اعتراضاتها إلى المجلس الأعلى للتنظيم المدني، هي اليوم تسير خلف زغيب في الانتخابات. فما الذي تغيّر؟ هل قُدّمت لها ضمانات بمضاعفة الاستثمارات؟ هل أصبح المشروع مناسباً فجأة بعد أن كان مرفوضاً جملةً وتفصيلاً؟ الحقيقة أنّ ما تغيّر هو الحسابات الانتخابيّة، حيثُ باتت الطائفة الشيعيّة تمثّل حوالى 4000 صوت يُبنى عليها الأمل في ترجيح كفة الفوز، وكل شيء في سبيل هذا الفوز يُصبح مباحاً.

وفي خضم هذا التوجّه، امتدّ المخطّط ليطال سهل المعلقة المحازي للسهل ، المنطقة الزراعيّة التي تحوّلت بلمسة قلم وإلى منطقة صناعيّة غذائيّة تخدم مصالح كبار المستثمرين، وعلى رأسهم شخصيّة نيابيّة بارزة، حيثُ تؤكّد المعلومات أنّ الأخيرة اشترت مع زغيب أراض شاسعة في تلك المنطقة قبل وقت قصير من إعلان المشروع الجديد، وبالتالي هذه الخطوة سترفع قيمة تلك الأراضي أضعافاً، وتدرّ أرباحاً تُقدّر بأكثر من عشرة ملايين دولار. وهنا تتّضح العلاقة الوطيدة بين الطرفين، زغيب يقدّم المخطّط، وهذه الشخصيّة النيابيّة تحصد المكاسب، والدعم الانتخابي يُقدَّم عن قناعة بالربح، لا بالشخص.

أمّا في ملف كهرباء زحلة، فالقضيّة لا تقلّ فظاعة. يُشير المصدر نفسه إلى أنّه، منذ انتهاء الامتياز، تحاول الشخصيّة النيابيّة نفسها بشتى الوسائل الدخول إلى هذا القطاع والسيطرة عليه، لما يدرّه من عائدات طائلة، معتبراً أنّ هذه الشخصيّة لا تسعى إلى حلّ أزمة الكهرباء في زحلة، بل إلى اقتناص فرصة، واستغلال فراغ، واختراق مؤسسة لم تعد تتمتع بالحماية السابقة.

وبينما تسعى إلى فرض نفسها في هذا القطاع، يتولّى زغيب تأمين الغطاء البلدي لها، بصفته الحليف المحلي والواجهة الانتخابيّة التي طالما استفادت منها في محطاتها النيابيّة، والتي يبدو أنّها تتهيّأ لاستثمارها مجدّداً في معركة الانتخابات النيابيّة المقبلة، سواء عبر الترشّح شخصياً أو من خلال ترشيح نجلها.

ولا تكتمل اللوحة من دون الإشارة إلى ما كشفته مصادر متقاطعة عن تقاضي حزب سيادي مبلغاً مالياً ضخماً من أحد رجال الأعمال الداعمين للائحة زغيب، مقابل تأييده لها، في مشهدٍ يختصر انحدار السياسة اللبنانيّة من ساحات المبادئ إلى موائد الصفقات. أهذا هو الحزب الذي لطالما صدّع رؤوس اللبنانيين بالشعارات؟ أهذه هي السيادة التي كانوا يتحدّثون عنها؟ دعمٌ مدفوع سلفاً، بلائحة تُحاك داخل دهاليز المصالح الخاصة.

والسؤال الذي لا بدّ أن يُطرح بوقاحة لأنّ الوقاحة الحقيقيّة هي في صمت المسؤولين والداعمين، بأيّ وجه يعود أسعد زغيب ويترشّح؟ أيّ عين يملك ليطلب من الزحلاويين تجديد الثقة، فيما لم يُقدّم الاّ القليل للمدينة، وكلّ ذلك وسط صمت مريب، وتجاهل فاضح، و"شطف وجه" موسمي قبل كلّ استحقاق. هل يُعقل أنّ من لم يستطع أن يجد حلاً لكومة نفايات، يطمح اليوم لقيادة مدينة؟ أم أنّ النفايات مثل الأصوات تُدار عند البعض بمنطق الصفقات؟

إنّ مطمر النفايات بدأ بتجاوز طاقته الاستيعابية، وهذا ليس وليد اليوم، إنّما نتيجة إهمال دام أكثر من عشرين عاماً، من دون أي خطة واضحة أو بديل عملي. والمفارقة أنّ هذا المطمر يخدم ليس فقط مدينة زحلة، بل الجوار أيضاً، ما يزيد من حجم الكارثة، في ظلّ صمت بلديٍّ مطبق. فأين كان أسعد زغيب طوال هذه السنوات؟

كل ما تقدّم ليس تحليلاً سياسياً ولا ترف تنظيري، بل إنذار أخير للناخب الزحلاوي قبل أن يُستَخدم صوته مرّة جديدة كأداة بيد من يتقاسمون المدينة ويحوّلونها إلى غنيمة. هم يربحون، ويعقدون الصفقات، ويقتسمون النفوذ والمشاريع على حسابكم، فيما أنتم تتحمّلون التبعات وتدفعون الثمن. فلا تنخدعوا بالشعارات ولا تضحّوا بحقّكم في التغيير. هذه المرّة، الورقة التي تضعونها في الصندوق هي سلاحكم الوحيد فإمّا أن تحاسبوا، أو تُستَغلّوا مجدداً.