ترامب في خليج العرب: النووي والسلام باب الإزدهار- بقلم موفّق حرب

  • شارك هذا الخبر
Monday, May 12, 2025

حين يهبط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض الأسبوع المقبل، لن يكون مجرد زائر تقليدي. إنها رحلة تحمل ملامح صراع ومشروع، مواجهة وطموح. من جهة، يسعى ترامب لإنقاذ ما تبقى من مفاوضات نووية متوترة مع إيران بعدما فجّر جدلاً إقليميًا بإصراره على تسمية “الخليج العربي” بدلًا من “الخليج الفارسي”. ومن جهة أخرى، لا يُخفي الرئيس الأميركي انبهاره بالتجربة الخليجية في بناء مدن آمنة وغنية، طامحًا لاستنساخها في الداخل الأميركي.





جولة ترامب في السعودية وقطر والإمارات ليست فقط اختبارًا للدبلوماسية الأميركية في زمن الأزمات، بل هي أيضًا محاولة لربط ملفات الأمن والاقتصاد في مشروع واحد: إقناع حلفاء واشنطن بأن طريق السلام لا يمر عبر الحرب، بل عبر الاستثمار والازدهار.

زيارة الرئيس الأميركي توصف بأنها الأهم في ولايته الثانية، وتشمل السعودية وقطر والإمارات بدءًا من 13 مايو. هدفها المعلن: إنقاذ مفاوضات نووية متعثّرة مع إيران، تعزيز التحالفات الخليجية، وبناء مسار جديد للسلام في المنطقة. لكن خلف الكواليس، تحمل الزيارة بعدًا اقتصاديًا واضحًا، إذ ينظر ترامب بإعجاب إلى المدن الخليجية الحديثة والآمنة كمصدر إلهام لنموذجه “لنجعل أميركا غنية مجددًا”.

حين يهبط الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض الأسبوع المقبل، لن يكون مجرد زائر تقليدي. إنها رحلة تحمل ملامح صراع ومشروع، مواجهة وطموح
أولويات متغيرة

لم تكن أجندة “أميركا أولًا” التي تبناها ترامب انعزالية بالمعنى التقليدي، بل قائمة على مبدأ المعاملة بالمثل والمكاسب الملموسة. وفي هذا الإطار، شكّلت دول الخليج— السعودية والإمارات وقطر— نموذجًا مثاليًا لهذا النهج. فهي دول غنية ومستقرة، مستعدة للشراكة، وتُقدّم ما يريده ترامب: صفقات سلاح ضخمة، استثمارات بمليارات الدولارات في البنية التحتية والتكنولوجيا الأمريكية، وتماهيًا دبلوماسيًا مع المصالح الإقليمية لواشنطن. وبالنسبة لترامب، فإن توثيق العلاقات مع هذه الدول لا يتناقض مع شعار “أميركا أولًا” بل يُجسده: الحلفاء الأقوياء هم من يستحقون البقاء، أما الباقون فلا مكان لهم على الطاولة.

قرار ترامب استثناء إسرائيل من جولته يعبّر عن أولويات متغيرة، حيث يتجه بثقله نحو العواصم الخليجية. لقاء مغلق مع الوزير الإسرائيلي رون ديرمر سبَق الرحلة، ما يشير إلى تنسيق غير معلن، لكن جدول الزيارة يُظهر بوضوح أن الخليج بات مركز ثقل استراتيجي. ترامب ألمح إلى “إعلان ضخم”، وسط تكهنات باتفاقيات تجارية أو أمنية.

وفي خطوة أثارت جدلاً واسعًا، وصف ترامب مياه الخليج بـ”الخليج العربي” بدلًا من “الخليج الفارسي”، مما فجّر ردود فعل غاضبة في إيران. وصف المرشد الأعلى علي خامنئي التسمية بأنها “إهانة للسيادة والهوية”، محذرًا من “عواقب خطيرة”. وخرجت تظاهرات في طهران، فيما تصدّر وسم #الخليج_الفارسي_إلى_الأبد منصات التواصل.

هذه الأزمة تهدد بإفشال المفاوضات النووية الجارية في سلطنة عُمان، والتي دخلت جولتها الرابعة بوساطة عمانية. ويأتي التصعيد في وقت تُحذّر فيه الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن إيران باتت على بُعد أسابيع فقط من إنتاج سلاح نووي إذا قررت ذلك. ولكن يستبعد المراقبون انهيار المفاوضات بسبب رغبة الطرفين بالتوصل إلى اتفاق دبلوماسي.

دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات وقطر والتي عانت من الاستفزازات الإيرانية لعقود، لا ترغب بأي مواجهة عسكرية مع إيران، وتدفع نحو إنجاح المسار التفاوضي. وتخشى هذه الدول من أن يؤدي فشل المحادثات إلى هجمات إيرانية أو تصعيد عبر وكلاء مثل الحوثيين.

السعودية، التي دعمت في السابق سياسة الضغط القصوى على طهران، باتت اليوم أكثر ميلًا للتسويات. ويمثل دعمها للوساطة العمانية تحولًا واضحًا في الموقف الخليجي، مدفوعًا برغبة في الاستقرار الاقتصادي وحماية مشاريع التنمية الطموحة مثل “رؤية 2030”.

لم تكن أجندة “أميركا أولًا” التي تبناها ترامب انعزالية بالمعنى التقليدي، بل قائمة على مبدأ المعاملة بالمثل والمكاسب الملموسة
اختبار لمشروع طموح

في أكثر من مناسبة، عبّر ترامب عن انبهاره بتجربة المدن الخليجية مثل دبي، أبو ظبي، الدوحة والرياض. أشار إلى أمانها، نظافتها، وانفتاحها على الاستثمارات العالمية، معتبرًا أنها تمثّل “الحلم الأميركي” بصيغة جديدة. وفي حفل خاص في مارالاغو، قال ترامب: “بنوا مدنًا آمنة وغنية.. هذا ما أريده لأميركا”.

من المتوقع أن يستغل ترامب جولته لعقد صفقات استثمارية مع الصناديق السيادية الخليجية لتمويل مشاريع بنية تحتية أميركية، ضمن خطة شاملة لربط السياسة الخارجية بالتنمية الاقتصادية المحلية.

رغم غيابها عن الجولة، تبقى إسرائيل لاعبًا رئيسيًا. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يُعارض بشدة أي اتفاق يمنح إيران حق التخصيب النووي، لكنه علّق خططًا عسكرية ضد إيران بطلب مباشر من ترامب. إسرائيل ترى أن امتلاك طهران للتكنولوجيا النووية يُهدد وجودها، حتى لو لم تُنتج قنبلة فعليًا.

وإذا التقط نتنياهو إشارات امتعاض ترامب من مواقفه الأخيرة والمماطلة بموضوع إنهاء الحرب في غزة والبدء بمسار سياسي مع الفلسطينيين، فيمكن أن يكون هناك جهود من أجل التقدم في موضوع محادثات السلام والتطبيع.



زيارة ترامب إلى الخليج ليست مجرد جولة سياسية، بل اختبار لمشروع دبلوماسي واقتصادي طموح. نجاحها قد يُمهّد لنقلة نوعية في المنطقة ويُعطي دفعًا لرؤية ترامب الاقتصادية في الداخل الأميركي. أما فشلها، فربما يفتح الباب أمام تصعيد إقليمي جديد.

قادة الخليج لا يبحثون عن العناوين البراقة، بل عن وضوح في التوجهات. ما ينتظرونه من ترامب هو خفض منسوب التوتر والابتعاد عن شفير المواجهة—لا ضربات مفاجئة، ولا حافة نووية. وفي المقابل، قد يمنحونه ما يريده أكثر من أي شيء آخر: استثمار، شراكة، وغلاف سياسي لسياساته.