ماذا تريد إسرائيل من سوريا؟- بقلم نديم قطيش

  • شارك هذا الخبر
Monday, May 12, 2025

ورث التنافس الإسرائيلي التركي في سوريا، زمن أحمد الشرع، العداء الإسرائيلي الايراني في سوريا الأسدين.



فمنذ سقوط نظام الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، تجتهد كل من تل أبيب وأنقرة لتحويل البيئة الاسترتيجية المضطربة في سوريا إلى مختبر للنفوذ الاقليمي، مستخدمتان كل ما توفر من مكونات القوة العسكرية، والدبلوماسية، والسياسية، والعمل السري، والذرائع الإنسانية، بهدف إعادة رسم خارطة النفوذ الاقليمي وتثبيت قواعد جديدة للعبة في سوريا.

تتحرك إسرائيل وفق ٣ حسابات سورية مباشرة حققت الجانب الأبرز منها:

أولاً، ثبتت إنكسار الهلال الإيراني الواصل الى الضاحية الجنوبية لبيروت، من خلال إقفال الممر عبر سوريا تماماً.

ثانياً، دمرت أي وجود أو قدرات لميليشيات إيران على مقربة من حدودها أو من حدود الأراضي التي تحتلها وتصنع منها حزاماً أمنياً متقدماً، لا سيما في سفح الجولان وعمق محافظة القنيطرة.

ثالثاً، أنهت بشكل شبه تام، كل قدرات الدفاع الجوي السوري، ودمرت برامج الأسلحة الإستراتيجية، بما في ذلك مخزونات الأسلحة الكيميائية.

ورث التنافس الإسرائيلي التركي في سوريا، زمن أحمد الشرع، العداء الإسرائيلي الايراني في سوريا الأسدين.
خطوة غير مسبوقة

كما تتحرك إسرائيل وفق حساب إقليمي تركي ساحته سوريا، عبرت عنه سلسلة من الغارات الجوية المكثفة وصلت إلى تخوم القصر الرئاسي في دمشق قبل أيام، بهدف بعث رسائل سياسية للحكومة السورية الجديدة، مفادها أن إسرائيل لن تسمح بقيام قوة مركزية قادرة على تحدي مصالحها ونفوذها الإقليمي ضمن لعبة تقودها أنقرة.

وقد ترافق كل ذلك مع خطوة إسرائيلية غير مسبوقة بإنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا، امتدت إلى ما هو أبعد من خط فك الاشتباك لعام 1974، بحجة إنسانية واهية، هي ضرورة حماية الأقلية الدرزية ومنع انتشار الفوضى، في حين أن الأهداف الحقيقة تتصل بسعي إسرائيل لترسيخ نفوذ استراتيجي دائم في الهندسة الجديدة في المنطقة.

تأخذ إسرائيل بأعلى درجات الجدية التعقيدات الاقليمية التي يولدها صعود الدور العسكري والأمني والسياسي لتركيا كحليف رئيسي لحكومة الشرع، ذات الخلفية الإسلامية الجهادية، لا سيما في ضوء تعزيز الدور التركي المباشر والوجود العسكري الفعال لأنقرة في شمال سوريا.

أظهرت تركيا جدية موقفها حينما حذرت طائراتها المقاتلة، قبل أيام، نظيرتها الإسرائيلية خلال غارات جوية للأخيرة على أهداف داخل سوريا، مما كشف بوضوح استعداد أنقرة للدفاع عن مصالحها بقوة، ونيتها فرض ضوابط على الحسابات العسكرية الإسرائيلية، ما يشكل علامة فارقة في مستجدات الصراع الجيوسياسي بين الطرفين.

فاقم هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، من الارتياب الاسرائيلي في كل ما هو إسلامي، وباتت النظرة الى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه يتبنى أيديولوجية عميقة مناوئة لإسرائيل يعبر عنها دعمه لجماعات مرتبطة بالإخوان المسلمين وغيرها من الفصائل، على نحو لا تلونه أو تموّهه النزعات البراغماتية للنظام السياسي التركي. فما يراه العالم براغماتية تركية باتت تجد فيه إسرائيل علامات مقلقة على نظام سياسي متقلب وغير موثوق، تدفعه قناعات راسخة معادية لإسرائيل لدى أردوغان شخصياً، تطفو على السطح كلما تيسرت له سبل التعبير عنها بأثمان مقبولة.

ولعل ما يرسخ هذه القناعة أن إسرائيل باتت مقتنعة بأن أنقرة وفرت طرقاً لإيران للإستمرار في تمويل حزب الله، ولو جزئياً، ونقل أموال نقدية عبر طائرات تركية الى بيروت، جرى ضبط البعض منها، من دون الكشف عن هويتها التركية، أو هوية بعضها. كما أن آخر ما تريده إسرائيل هو أن تكون مراقبتها لخطوط الامداد لحزب الله عبر سوريا وحرية حركتها في هذا الخصوص عرضة لمزاجية تركيا أو إبتزازها.

تتحرك إسرائيل وفق حساب إقليمي تركي ساحته سوريا، عبرت عنه سلسلة من الغارات الجوية المكثفة وصلت الى تخوم القصر الرئاسي في دمشق قبل أيام
نتائج عكسية

لا يكفي أن أردوغان يتلطى خلف عضوية بلاده في حلف الناتو التي تحد من مدى التصعيد الذي يمكن أن تذهب اليه اسرائيل في المنازلة الجيوستراتيجية التي تخوضها مع أنقرة. فما يزيد من حدة القلق الاسرائيلي أن أنقرة نجحت في مغازلة إدارة ترامب على نحو قد يجعلها محصنة حيال أي تداعيات أميركية نتيجة سياساتها التصعيدية ضد إسرائيل، مستفيدةً أكثر من تردي العلاقة بين بنيامين نتانياهو والرئيس الأميركي. كما تدرك إسرائيل أن الإدارة الأميركية لا تعير الملف السوري أصلاً ما يكفي من إهتمام، وتحث الخطى لتخفيف حضورها العسكري في سوريا أكثر. وإذ يحصل ذلك بالتوازي مع تراجع النفوذ الايراني بعد سقوط الاسد، وتراجع نفوذ روسيا المنشغلة في أوكرانيا، فإنه يترك المجال مفتوحاً لمنافسة مباشرة وخطيرة وشبه حصرية بين إسرائيل وتركيا.

تتحرك إسرائيل في هذا الفضاء الجيوسياسي الحساس، لمواجهة طموحات أردوغان من دون إثارة مواجهة أوسع، معتمدةً على ضربات عسكرية دقيقة، وتعميق العلاقات مع مكونات سورية مثل الدروز والأكراد، والتجسير مع الأطراف العربية المعنية بالملف السوري والقلقة بدورها من تنامي النفوذ التركي، ومحاولة استغلال نقاط ضعف تركيا الاقتصادية من خلال رفع كلفة الطموح التركي في سوريا.



بيد أن استراتيجية إسرائيل في سوريا، تنطوي على مخاطر عالية. فالاستهانة بمنع حكومة الشرع من توحيد الجبهة السورية الداخلية، أو تبديد شرعيته الوطنية في مواجهة الرأي العام السوري الرافض لاستمرار الغارات الإسرائيلية، سيؤدي الى إنهيار سوريا وتحويلها إلى قاعدة لإرهاب “داعش” وغيرها من الفصائل، وربما إحياء النفوذ الايراني عبر ميليشيات أصغر وأكثر رشاقة، تملأ الفراغ الاستراتيجي المحقق.

كما أن فائض إستفزاز الوطنية السورية من خلال توسعة الاحتلال وزيادة القصف، قد يؤدي الى نتائج عكسية ويحرم إسرائيل من حدود التناغم الدنيا المحققة بينها وبين مكونات سورية قلقة من مستقبلها في ظل حكومة إسلامية ذات خلفية جهادية.

ماذا تريد تركيا من سوريا؟ للحديث صلة.