7 أيّار… يومٌ لا يمضي - بقلم أيمن جزيني

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, May 6, 2025

السابع من أيّار عام 2008 يوم لا يمضي في التاريخ اللبناني. هو أطول أيّامنا وأشدّها إيلاماً. لا تزال العاصمة بيروت وخلفها اللبنانيون يعانون كلّ يوم من تبعاته. ولا يزال الاجتماع الأهليّ اللبناني في هذا الوطن الصغير رهناً به وبأمثاله من “الأيّام السياسية اللبنانية”.

إذا قيست الدول والشعوب بأيّامها، فنحن اللبنانيين أغنى شعوب الأرض أيّاماً. لنا في كلّ يوم ذكرى يوم مضى، ومع كلّ يوم لنا قصص وحكايات. ولا يخرج “7 أيّار” من عام 2008 عن هذا السياق، فهو يوم لا يمضي، وهو أطول يوم في التاريخ اللبناني.

أيّامنا نحن اللبنانيين لا تمضي. تظلّ حاضرةً أبداً بين ظهرانينا. تنبعث كلّ يوم، وتأتي مع كلّ غد. وكأنّها أيّام ننتظرها كلّ يوم، وليست أيّاماً وقعت علينا ومضت إلى غير رجعة. وكأنّ الأحداث اللبنانية، أو الأيّام اللبنانية، تأتي من جهتين: من الماضي ومن المستقبل أيضاً، فنلتقي بها في اللحظة الراهنة، أو في كلّ لحظة راهنة، حسب الظروف والمعطيات.

أيّامنا أيضاً، على الرغم من تكرارها الأبديّ لوعودها، تحلّ بيننا كلّ يوم، طازجةً كما لو أنّها خُبزَت للتوّ، أو كما لو أنّها خرجت قبل دقائق من “متحف” الذاكرة أو التاريخ. ما إن تحلّ، أو حتّى قبل ذلك، ننقسم حولها ونتوزّع على ضفافها فجأةً. وعنصر “الفجاءة” هذا لا يختفي مهما كرّت سبحة الأيّام علينا. هنا تكون الذكرى يوماً مجيداً أو يكون اليوم ذكرى مجيدةً، وهناك يكون يوماً أسود. لا إجماع لبنانيّاً على أيّ يوم لبناني. حتّى “يوم” الاستقلال ننقسم حوله بين من يراه كذبةً، ومن يراه يوماً مجيداً، ومن يراه مسرحيّةً تراجيدية.

السابع من أيّار عام 2008 يوم لا يمضي في التاريخ اللبناني. هو أطول أيّامنا وأشدّها إيلاماً. لا تزال العاصمة بيروت وخلفها اللبنانيون يعانون كلّ يوم من تبعاته.
7 أيّار… يوم لا يمضي

لا يخرج “7 أيّار” عن هذا السياق. هو يوم “مجيد” لدى أصحابه، و”ذميم” عند من وقعت عليهم ساعاته. لكنّه عند هؤلاء وأولئك يوم مفصليّ في تاريخ لبنان عموماً، والعاصمة بيروت على وجه خاصّ. لبنانيون، مسلمون بغالبيّتهم الغالبة، يُعتدى عليهم في بيروت، في أزقّتها وزواريبها وأحيائها التي احتضنتهم واحتضنت معهم شعوباً من كلّ حدب وصوب. حملتهم بقضاياهم وأديانهم وعقائدهم وأحزابهم وأسلحتهم وخلفيّاتهم… وحتّى أمكنتهم.

في هذا اليوم من عام 2008، وفي غضون ساعات قليلة، استباح “الحزب”، بقضّه وقضيضه، بيروت لساعات معدودات لم تنتهِ حتّى اللحظة. الأيّام اللبنانية ليست تتألّف من 24 ساعةً كغيرها من الأيّام. اليوم اللبناني أطول من ذلك بكثير. أحياناً يستمرّ عقوداً. وقد لا يبدأ بالتاريخ الذي يحمل اسمه. 7 أيّار مثلاً بدأ في 5 أيّار كما يقول مرتكبوه، وربّما بدأ قبل ذلك بكثير.

في 5 أيّار، كما تقول الحكاية، أصدر مجلس الوزراء اللبناني قرارين، “أحدهما أشدّ خطورةً من الآخر”، كما قال ذات يوم الشيخ نعيم قاسم، الأمين العامّ الحالي لـ”الحزب”. الأوّل يقضي بمصادرة شبكة الاتّصالات التابعة لسلاح الإشارة الخاصّ بـ”الحزب”، والثاني يقضي بإقالة قائد جهاز أمن مطار بيروت الدولي العميد وفيق شقير. الحصيلة 71 قتيلاً، وجرح غائر في الاجتماع الأهليّ اللبناني، وثلم في تاريخ لبنان وبيروت والمجتمع البيروتيّ.

زمنيّاً، انتهت أحداث هذا اليوم حين عاد مجلس الوزراء عن قرارَيه. عمليّاً وفعليّاً ونفسيّاً، وعلى أرض الواقع، لا تزال أحداث السابع من أيّار ماثلةً أمام ناظرَي اللبنانيين، خاصةً “البيارتة”. فلقد استفاقوا على معادلة جديدة لم يناموا بعدها حتّى اللحظة: “السلاح لحماية السلاح”.

في هذا اليوم من عام 2008، وفي غضون ساعات قليلة، استباح “الحزب”، بقضّه وقضيضه، بيروت لساعات معدودات لم تنتهِ حتّى اللحظة
يوم وحقّ وفتوى

“من يبدأ معنا حرباً، ولو كان أباً أو أخاً، وليس خصماً سياسياً، من حقّنا أن نواجهه بالدفاع عن أنفسنا”، بهذا أفتى الأمين العامّ الراحل السيد حسن نصرالله يومها. ولا يزال هذا الحقّ سارياً ومعمولاً به لدى مناصري “الحزب” وخليفة نصرالله، إلى يومنا هذا، مع ترك التنفيذ للّحظة المناسبة. واللحظة المناسبة هذه لا تمتّ بصلة إلى زمن لبناني، وإنّما تفلت من ساعة الإقليم والعالم.

“7 أيّار نتيجة فُرضت على “الحزب” ولم يبدأ بها “الحزب”. و7 أيّار تكريس “لعمل سلميّ وحضاري دام سنةً ونصف سنة لم يستخدم خلالها “الحزب” سلاحاً، ولم يعتدِ على أحد، ولم يطلب تغيير المعادلة بالقوّة”، قال ذات مقابلة الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم، وكان حينها نائب الأمين العامّ.

عليه، ما الذي يمنع “الحزب” من تكرار 7 أيّار اليوم، أو غداً، أو بعد غدٍ، إذا ما فُرضت نتيجة ما عليه؟ و”النتيجة”، هنا واليوم في زمننا هذا، فرضها “الحزب” بنفسه على نفسه، من خلال مبادرته بعيداً عن إرادة شريحة واسعة من اللبنانيين، إلى فتح جبهة إسناد ودعم، لحركة “حماس”، حليفته في “محور المقاومة والممانعة”، في حربها مع إسرائيل، أو في حرب إسرائيل عليها. وقد جلبت عليه هذه الجبهة، وعلى اللبنانيين، قرارَين أشدّ من قرارَي الخامس من أيّار عام 2008، هما قرارا نزع سلاح “الحزب” وحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية.

فهل “الحقّ في المواجهة بالدفاع عن النفس، ضدّ الأب والأخ”، لا يزال ساري المفعول؟

إقرأ أيضاً: عون يحتوي “الحزب”… الذي يراهن على “عقلانيّته”

نحلم بيوم عاديّ

اليوم، عشيّة ذكرى 7 أيّار، اللبنانيون بغالبيّتهم، وخلفهم الدولة وأمامهم، والمحيط الإقليمي والعالم أجمع، مطلبهم الرئيس “نزع سلاح الحزب” وحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية وحدها، والقرار اتُّخذ كما لا ينفكّ يردّد الرئيس جوزف عون، فهل نشهد 7 أيّار جديداً؟

هذان القراران، أي قرار نزع سلاح “الحزب” وحصر السلاح في يد الدولة اللبنانية، أشدّ على “الحزب” من القرارين المؤسّسين “لليوم المجيد”، كما قال أكثر من مسؤول فيه، للسابع من أيّار. أو ترانا نشهد أوّلاً تعطيلاً يدوم سنةً ونصف سنة نتوِّجه لاحقاً بـ7 أيّار جديد، وربّما نختار له رقماً جديداً وشهراً آخر لا تزدحم فيه الأيّام اللبنانية؟

إلى أن يجيب “الحزب” عمّا سلف، نقلب نحن اللبنانيّين أوراق الروزنامة اللبنانية، علّ يوماً عاديّاً يقطع علينا، لا يكون “مجيداً” هنا، و”ذميماً” هناك؟

ألا يحقّ لنا، نحن اللبنانيّين، بعد قرن لبنانيّ كامل، أن نعيش يوماً واحداً لا تُثقل كواهلنا فيه حمولته التاريخية؟


أساس ميديا