فايننشال تايمز- ما الذي يجب على أوكرانيا التخلي عنه من أجل السلام؟
شارك هذا الخبر
Sunday, May 4, 2025
في مايو (أيار) 1945، مع نهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وصلت القوات السوفيتية إلى شوارع برلين. وقد شق الجيش الأحمر طريقه إلى هناك في إطار جهود الحلفاء الأوسع لهزيمة ألمانيا النازية. والآن، بعد مرور 80 عاماً، قد تُمكِّن نهاية الحرب الروسية الأوكرانية موسكو من استعراض قوتها غرباً مرةً أخرى.
كيف سيحدث ذلك؟ تساءلت ماري إليز ساروت في تقريرها في صحيفة "فايننشال تايمز"، قبل أن تجيب: "سيحدث ذلك من خلال اتفاق سلام بين أوكرانيا وروسيا يُنظَّم بضغط أمريكي يُنهي الأعمال العدائية على المدى القصير، لكنه يُكافئ الروس، ويُتيح فرصة تجدد الصراع بمجرد إعادة موسكو تشكيل قواتها".
هجمات روسية يرى التقرير أنه، في حين أن فرص زحف الدبابات الروسية غرباً محدودة (على الأرجح)، فإن موسكو تنفذ بالفعل عمليات اغتيال عبر الحدود، وتدخلات إلكترونية، وأعمال عنف أخرى لا ترقى إلى مستوى هجوم عسكري شامل. ومن المرجح أن تشتد هذه الأعمال، مما يزيد من احتمالات التصعيد.
والأسوأ من ذلك، أن أي تحرك لاحق غرباً من جانب روسيا سيكون في مواجهة، لا تحالف، مع ديمقراطيات أوروبا الغربية وفي سياق خطير يتمثل في انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا.
في ظل هذه الظروف، تُعَدّ الشروط الدقيقة لأي اتفاق لإنهاء الأعمال العدائية سواء أكان وقفَ إطلاقِ نارٍ أم اتفاقَ سلام بالغة الأهمية.
وللأسف، فإن أفضل الشروط لأوكرانيا لم تعد مطروحة: فعضوية الناتو لا تزال حلماً بعيد المنال، ولا بديل جاهزاً للضمانات الأمنية التي كانت ستوفرها هذه العضوية.
الذكرى السنوية.. محفز نظراً لأن الحرب وقعت قبل أكثر من 3 سنوات، فقد لا يبدو واضحاً لماذا أصبحت هذه القضية ملحّة فجأة. والسبب هو أن دونالد ترامب جدّد مؤخراً دعوته لوقف إطلاق النار أو اتفاق سلام قريباً، ودعا في إحدى المناسبات إلى ذلك بحلول نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو (أيار).
ولعله ليس من قبيل الصدفة أن تحتفل موسكو في ذلك اليوم بالذكرى الثمانين لانتصارها على النازيين في الحرب العالمية الثانية.
سيترأس فلاديمير بوتين عرضاً عسكرياً، بحضور ضيوف، من بينهم الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو، والأهم من ذلك، الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى جانبه.
ويمثل استعداد شي لقضاء ما يصفه بوتين بـ"العيد المقدس" في روسيا تأكيداً واضحاً على دعمه المستمر لموسكو.
تُقام مثل هذه المسيرات سنوياً، كمؤشر على مدى بقاء هزيمة ألمانيا النازية جزءاً أساسياً من رؤية روسيا لنفسها كقوة عظمى.
لكن الجمع بين الذكرى الثمانين، والتوقيع الأخير على صفقة معادن بين كييف وواشنطن، وحضور شي جين بينغ، يُضفي على حدث هذا العام أهميةً إضافية.
غموض روسي رداً على دعوات ترامب لوقف إراقة الدماء في أوكرانيا، أشار بوتين بالفعل إلى أنه سيأمر بوقف إطلاق نارٍ مؤقت خلال الفعاليات التذكارية.
ويبدو أن دافع بوتين ليس إنقاذ الأوكرانيين بقدر ما هو إدارة مجموعة من المشاكل ذات الصلة في آنٍ واحد.
هذا التصريح يجعله يبدو متجاوباً مع ترامب، ويسمح للزعيم الروسي بتصوير فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، في دور من يهدد بتعطيل عطلة مقدسة في حال وقوع انتهاكات. كما يُقلل ذلك من خطر تعرض ضيوف بارزين للهجوم.
وكما أشار أحد المعلقين الأوكرانيين، يُريد بوتين خلال العرض تجنب الاضطرار إلى "إخفاء شي وغيره من الضيوف الكرام في ضريح لينين عن الطائرات الأوكرانية المُسيّرة"، التي أثبتت قدرتها على تنفيذ عمليات قتل مُستهدفة داخل الحدود الروسية.
من جانبه، أعرب زيلينسكي مراراً عن اهتمامه بوقف إطلاق النار، لا سيما لإنهاء الوفيات المأساوية للمدنيين جراء الهجمات الصاروخية الروسية.
لكن أي نوع من الاتفاق قد يعقده بوتين وزيلينسكي، بناءً على طلب ترامب، سيكون له أهمية بالغة.
ونظراً لتوافق العوامل المؤدية إلى احتمال إنهاء الأعمال العدائية، فمن الجدير التعمق في ثلاثة من أكثر الأسئلة إثارةً للجدل التي ستؤرق أي اتفاق سلام: الاعتراف بالمكاسب الإقليمية الروسية، وخاصةً شبه جزيرة القرم، وتداعيات ذلك على حلف الناتو، ومستقبل النظام الجيوسياسي.
الوضع في شبه جزيرة القرم بحسب التقرير، سيكون تصنيف وضع الأراضي الأوكرانية المحتلة بعد الصراع – وعلى رأسها شبه جزيرة القرم وميناؤها البحري المهم سيفاستوبول – مسعىً محفوفاً بالمخاطر.
بحسب الصحيفة، يبدو أن إدارة ترامب تريد معاملة شبه جزيرة القرم معاملةً مختلفة عن المناطق الأوكرانية المحتلة الأخرى في أي وقف إطلاق نارٍ دائم أو اتفاق سلامٍ مفترض، لذا يجدر بنا مراجعة بعض التاريخ لفهم ما هو على المحك.
حصلت أوكرانيا على استقلالها عن موسكو عبر استفتاء أُجري في الأول من ديسمبر (كانون الأول) عام 1991، وشهد مراقبون دوليون بأنه حر ونزيه.
في تلك الانتخابات، حظي استقلال أوكرانيا بأغلبية مطلقة من الأصوات في جميع المناطق، بما فيها شبه جزيرة القرم. وفي عموم أوكرانيا، أيد أكثر من 90% من الناخبين الانفصال.
وسارع قادة العالم، بمن فيهم الرئيس الروسي آنذاك، بوريس يلتسين، إلى الاعتراف بحدود أوكرانيا لعام 1991، بما فيها شبه جزيرة القرم، كأرض تابعة لكييف.
رغم هذا الاعتراف الروسي، ومعاهدة روسية أوكرانية عام 1997 التي ألزمت كلا البلدين بحرمة الحدود القائمة، استعاد بوتين شبه جزيرة القرم عام 2014. وأعلن ضمها بعد دخول القوات الروسية إليها، وسارع إلى تنظيم استفتاء آخر.
التعايش مع الخسارة من المرجح أن تُضطر أوكرانيا إلى التعايش مع خسارة شبه جزيرة القرم (وأجزاء أخرى محتلة من أراضيها عام 1991) لفترةٍ غير محددة، لا سيما أنه كان من الواضح بالفعل مع نهاية إدارة بايدن أن الوقت يقترب من نهايته، مع اقتراب موعد تسليم المساعدات العسكرية الأمريكية.
بفضل هذه المساعدات، حظيت كييف بفرصة استعادة الأراضي المحتلة؛ أما بدونها، فتتضاءل فرصها بشدة، وفق التقرير.
وبحسب الصحيفة، فالأوروبيون غير قادرين حالياً على تغطية أي نقص، وإن كانوا يعملون على تغيير ذلك.
لكن الطريقة التي يُصنَّف بها أي اتفاق سلامٍ محتمل هذا الاحتلال، على النقيض من ذلك، أقل وضوحاً بكثير.
يبدو أن الولايات المتحدة مستعدة (إما كجزء من اتفاق سلام من نوع ما، أو بالتوازي معه) للاعتراف رسمياً بالقرم، على الأقل، كجزء من روسيا، بحسب التقرير.
وستكون النتيجة "أوكرانيا متداعية"، تُنتزع منها قسراً جزءٌ أساسي من أراضيها التي كانت قائمةً عام 1991. والنتيجة الأفضل هي السماح لكييف بمحاكاة عناصر أساسية من تاريخ الحرب الباردة في دول البلطيق وألمانيا الغربية.
رغم استقلال دول البلطيق بعد الحرب العالمية الأولى، احتلتها موسكو وضمتها إلى الاتحاد السوفيتي خلال الحرب العالمية الثانية.
إن كيفية تصنيف شبه جزيرة القرم والمناطق المحتلة الأخرى بعد توقف الأعمال العسكرية الرئيسية ستكون لها آثار تتجاوز حدود أوكرانيا.
وكما أكد الأمين العام لحلف الناتو، مارك روته، مؤخراً، هناك فرق كبير بين اتفاق سلامٍ يعترف رسمياً بضم روسيا للقرم وآخر يكتفي بالاعتراف به.
صحيح أن أيّاً من التصنيفين لا يغيّر الحقائق على الأرض. ولكن، إذا حصل بوتين بالفعل على اعتراف قانوني من كييف من خلال ضغط ترامب، فسيزيد ذلك من المخاطر على جيران روسيا.