من خسر سوريا؟- بقلم د. آمال مدللي

  • شارك هذا الخبر
Sunday, May 4, 2025

الأحداث الأليمة في جنوب سوريا، هذا الأسبوع، وعلى الساحل السوري منذ نحو الشهرين، تُذكّر المجتمعَ الدولي بمدى هشاشة المرحلة الانتقالية السورية، في ظل استمرار التردد في المجتمع الدولي في مد يد مفتوحة لانتشال سوريا من الوضع الاقتصادي الأليم الذي يجد السوريون أنفسهم فيه بعد أكثر من نصف قرن من نظام استبدادي دمّر سوريا وقدراتها. ولا يوجد شيء يمثل هذا الظلم لسوريا الجديدة أكثر من استمرار العقوبات عليها، خصوصاً أن هذه العقوبات وضعت بهدف معاقبة النظام البائد الذي كان يسحق شعبه، والآن تحولت هذه العقوبات إلى أداة لسحق الشعب السوري نفسه الذي وُضعت أصلاً لمساعدته.

عند الحديث عن العقوبات، يردد الجميع «قانون قيصر» الذي وافق عليه الكونغرس الأميركي تحت اسم «قانون قيصر» لحماية المدنيين في سوريا عام 2019. القانون وضع عقوبات على الحكومة السورية بمن فيها الرئيس السوري آنذاك بشار الأسد؛ بسبب «جرائم حرب ضد الشعب السوري». ودخل القانون حيز التنفيذ بعدما وقعه الرئيس دونالد ترمب في ديسمبر (كانون الأول) 2019. القانون انتهت مدته في ديسمبر 2024، ولكن إدارة الرئيس بايدن جددت القانون لخمس سنوات أخرى، على الرغم من سقوط نظام الرئيس الأسد.

ولكن العقوبات على سوريا أوسع وأشمل وأقدم بكثير من «قانون قيصر»، ويجب التعامل معها كلها؛ لأنه حتى ولو تم إلغاء أو تخفيف أثر «قانون قيصر» فهناك عشرات العقوبات التي لا تزال قانون البلاد في الولايات المتحدة، وتستطيع تكبيل سوريا لسنوات مقبلة إذا لم يتم إلغاؤها بطريقة مهنية ومنهجية ليتم تحرير سوريا من قيودها.

تعود أول عقوبات فُرضت على سوريا إلى عام 1979، وهي نوعان من العقوبات: عقوبات عبر قوانين وافق عليها الكونغرس، وعقوبات عبر أوامر تنفيذية يصدرها الرئيس الأميركي، وهذه يستطيع أي رئيس جديد أن يلغيها بعد تغيير الإدارة على عكس القوانين.

صنف الكونغرس سوريا دولة داعمة لأعمال الإرهاب الدولي أول مرّة في عام 1979 تحت قوانين: «إدارة الاستيراد» (يقيد رخص التصدير)، وقانون المساعدات الخارجية (يمنع عنها غالبية المساعدات الخارجية)، والمساعدات الزراعية غير الطارئة، وأي تمويل من بنك الاستيراد والتصدير، إضافة إلى قانون السيطرة على تصدير السلاح الذي يمنع بيع أو نقل السلاح والخدمات. وهذا التصنيف، حسب وثائق الكونغرس حول العقوبات على سوريا، «يحرم سوريا من حصانة السيادة، حسب قانون حصانة السيادة الأجنبية، مما يجعلها عرضة للدعاوى القضائية في الولايات المتحدة على أساس بعض الأعمال الإرهابية».

سوريا مصنفة أيضاً كدولة فشلت في التعاون مع جهود مكافحة الإرهاب الدولي، ويمنع عليها التجارة مع الولايات المتحدة في أي أمور وخدمات دفاعية.

وحسب القرار التنفيذي رقم 13338 للرئيس جورج بوش في 2004، يخول السلطات الأميركية بناء على قانون حالات الطوارئ الوطنية، وقانون حالة الطوارئ الدولية، وحسب قانون محاسبة سوريا وإعادة السيادة اللبنانية الذي صدر عام 2003، تصبح سوريا عرضة للعقوبات التالية: يمكن للرئيس الأميركي أن يجمد أصول أموال، ويجمد ممتلكات، ويمنع التعاملات مع أشخاص وهيئات.

وهناك قرارات تنفيذية عديدة أخرى تعاقب الحكومة السورية بسبب دعم الإرهاب وسياستها تجاه لبنان، وحيازتها واستخدامها لأسلحة الدمار الشامل، واتهامها بتقويض استقرار العراق، والفساد، وخرق حقوق الإنسان وحقوق المواطنين السوريين، والتهرب من العقوبات. وتقول وثائق الكونغرس إن هناك 681 شخصاً وهيئة تم تصنيفهم وفرض عقوبات عليهم حتى أول هذه السنة، تحت هذه العناوين المتعلقة بسجل النظام السوري السابق.

في 2019، أصدر الرئيس ترمب قراراً تنفيذياً يستهدف الأعمال العسكرية التركية في سوريا، ولكن الرئيس بايدن أصدر قراراً تنفيذياً قبل أيام من انتهاء ولايته عدّل فيه قرار الرئيس ترمب، وأزال كل ذكر لتركيا في القرار، وأبقى العقوبات المالية والسفر على من يرى الرئيس أنه يهدد السلام والأمن والاستقرار وسلامة الأراضي السورية.

وهناك عقوبات على المصارف وعلى قطاع النفط ومشتقاته. الرئيس ترمب وضع عام 2020 البنك المركزي السوري على لائحة الهيئات الممنوعة للتعامل معها. وهناك قرارات تحظر على المصارف الأميركية التعامل مع بنك سوريا التجاري (والبنك السوري - اللبناني التجاري) المتهمَين بتبييض الأموال.

وهناك عقوبات تحت قوانين تتعلق بدور كل من إيران وكوريا الشمالية وسوريا في انتشار الأسلحة (أسلحة الدمار الشامل) لعام 2000، وقانون حماية ضحايا الاتجار بالبشر لعام 2000. وهناك عقوبات تمنع شركة الطيران السورية من الهبوط في الولايات المتحدة الأميركية، وأشخاصاً من دخول أميركا. وعام 2018 جرى تصنيف «هيئة تحرير الشام» منظمةً إرهابية، كما صدر قرار تنفيذي بتصنيف رئيسها أحمد الشرع. ولكن يبقى «قانون قيصر» هو الأساس اليوم.

في يناير (كانون الثاني) من هذه السنة، قامت إدارة الرئيس بايدن قبل انتهاء ولايته بالسماح بمعاملات في سوريا، بما فيها مع الإدارة السورية الجديدة تتعلق بالنفط والغاز والكهرباء وتحويلات مالية غير تجارية؛ لكي تتمكن الحكومة السورية من قبول مساعدات لتخفيف عبء الأزمة الاقتصادية. لكن العقوبات ما زالت قائمة على الدولة وهيئاتها.

هذه العقوبات تثقل عبء الحكومة التي تواجه وضعاً صعباً حيث 90 في المائة من الشعب السوري يعانون من الفقر، و16.5 مليون سوري بحاجة لمساعدات إنسانية، وقطاعات بأكملها مثل الزراعة والطاقة والصحة والمال مكبلة. إن أثر هذا الشلل يمنع الحكومة من محاربة الفقر، وإيجاد فرص عمل تقطع الطريق على جيران سوريا من استغلال ذلك.

إن إزالة هذه العقوبات ضرورية لنجاح المرحلة الانتقالية، ولكن رفع العقوبات مثل نجاح السوريين في إعادة توحيد البلاد ووضعها على طريق التعافي دونها مسؤولية على السوريين، وعلى المجتمع الدولي. مسؤول أميركي توقع، في حديث خاص، رفع عقوبات «قانون قيصر» في يونيو (حزيران)، ولكن في واشنطن إذا لم تسمع هذا الكلام من الرئيس ترمب نفسه فلا تتفاءل كثيراً.

على سوريا وحكومتها طمأنة المجتمع الدولي بأنها ستكون دولة عادلة وديمقراطية وجامعة وسلمية. كما عليها أن تقارب موضوع العقوبات بطريقة احترافية وعلمية؛ إذ لا تكفي المطالبة برفع العقوبات. فهذه العقوبات عديدة ومعظمها تخطتها الأحداث والزمن ولكنها لا تزال موجودة ويجب إلغاؤها عبر الاعتماد على هيئات متخصصة بالعقوبات؛ لإلغاء ما يمكن إلغاؤه قانونياً، والعمل على إلغاء الأخرى التي تحتاج إلى قرار سياسي ربما يستغرق وقتاً ويكون تدريجياً.

أما المجتمع الدولي وواشنطن فلا يجب أن يخسرا هذه الفرصة التاريخية والمكسب الاستراتيجي في أن تصبح سوريا قبلة للاستقرار والسلام في المنطقة، وألا تترك لكي تعود مكان تهديد لسلام واستقرار جيرانها، ويبدأ طرح السـؤال: من خسر سوريا؟


الشرق الأوسط