ناشونال إنتريست- هل ينبغي أن نقلق من الحشد العسكري الروسي قرب دول الناتو؟

  • شارك هذا الخبر
Saturday, May 3, 2025

يشهد العالم في الفترة الأخيرة تصاعدا في التوترات الجيوسياسية، لا سيما مع الحشد العسكري الروسي المتزايد في مناطق حساسة قرب حدود دول حلف شمال الأطلسي (ناتو). هذا التصعيد يثير قلقا متزايدا لدى المجتمع الدولي، ويطرح تساؤلات حول الأهداف الحقيقية لموسكو، وإلى أي مدى يمكن أن يشكل هذا التحرك تهديدا للأمن والاستقرار في أوروبا والعالم.

ويقول الكاتب والمحلل الأمريكي بيتر سوتشو، المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست، إن التعزيزات العسكرية الروسية في بيلاروس وعلى مقربة من حدود حلف الناتو تثير المخاوف من عدوان محتمل في المستقبل. وبينما تعمد دول الناتو إلى زيادة إنفاقها الدفاعي وتعزيز جاهزيتها، تتصاعد حدة التوتر في الأجواء.

وحذر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أن روسيا تعد “لأمر ما”، مشيرا إلى أن الكرملين يقوم بحشد قواته في بيلاروس تمهيدا لمناورات “زاباد 2025” المشتركة مع جارتها وحليفتها الوثيقة.

وقال زيلينسكي في كلمة له: “انظروا إلى بيلاروس، هذا الصيف، روسيا تعد لشيء هناك وتخفيه تحت غطاء مناورات عسكرية. هكذا تبدأ هجماتها الجديدة عادة. ولكن أين ستكون الضربة هذه المرة؟ أوكرانيا أم ليتوانيا أم بولندا؟ لا سمح الله! لكن يجب أن نكون جميعا مستعدين. جميع مؤسساتنا منفتحة على التعاون”.

وصحيح أن موسكو ومينسك قد أعلنتا عن هذه المناورات واسعة النطاق، لكنها لن تبدأ قبل شهر سبتمبر/أيلول، ومن الصعب تصديق أن الاستعداد لها سيستغرق أكثر من أربعة أشهر ونصف. وكما يقول المثل: “مجرد أنك تشعر بالارتياب، لا يعني أن أحدا لا يتربص بك بالفعل”.

زيلينسكي ليس الوحيد الذي عبر عن مستوى من القلق تجاه التعزيزات العسكرية الروسية الأخيرة.

وكما أفادت صحيفة وول ستريت جورنال في وقت سابق من هذا الأسبوع، تسعى موسكو إلى زيادة إجمالي عدد قواتها بنسبة تقارب 30% ليصل إلى 5ر1 مليون جندي. ومع ذلك، تشير تقارير حديثة إلى أن عدد الخسائر البشرية في الحرب المستمرة في أوكرانيا يقترب بسرعة من عتبة المليون. وهناك تكهنات بأن الترسانة العسكرية الروسية، التي كانت تعد ضخمة في السابق، قد استنزفت بشكل كبير، وقد يستغرق تجديدها جيلا كاملا.

لكن الكرملين لا يعتزم الانتظار كل هذا الوقت، إذ رفعت موسكو إنفاقها الدفاعي إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنسبة 6ر3% قبل أن تشن غزوها غير المبرر لأوكرانيا قبل أكثر من ثلاث سنوات. وزاد المجمع الصناعي العسكري الروسي من وتيرة الإنتاج، ووسع خطوط التصنيع، بل وافتتح منشآت جديدة. ويضيف سوتشو أن الحشد العسكري الروسي لا يقتصر على بيلاروس، بل إن موسكو تعمل أيضا على توسيع وجودها العسكري على الحدود مع فنلندا، العضو في حلف الناتو. واستمر هذا التوسع لعدة أشهر، إلا أن وتيرته تسارعت بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة، لا سيما في منطقة القيادة العسكرية في لينينجراد على حدود إستونيا ولاتفيا وفنلندا.

وبالإضافة إلى نشر القوات في المنطقة، أفادت تقارير بأن روسيا بدأت في بناء مساكن عسكرية ومد خطوط سكك حديدية جديدة بالقرب من الحدود مع فنلندا والنرويج.

وفي هذا السياق، أشار الميجور يوها كوكولا، الأستاذ في جامعة الدفاع الوطني الفنلندية، إلى أن “رؤية بناء محطات سكك حديدية جديدة أو تجديد القديمة منها يجب أن تدفعنا إلى الانتباه جيدا”.

بالإضافة إلى ذلك، ارتفع إنتاج روسيا من الدبابات من 40 دبابة فقط من طراز (تي 90) في عام 2021 إلى أكثر من 300 دبابة سنويا. وعلى الرغم من أن الخسائر لا تزال تفوق معدلات الإنتاج بكثير، إلا أن ما يثير القلق بشكل أكبر هو أن المركبات الأقدم، بما في ذلك دبابات (تي 26)، بل وحتى الطرازات الأقدم مثل تي /45تي 55، يتم إرسالها إلى أوكرانيا، في حين يقال إن دبابات “تي90- إم بروريف-3” الأحدث، وهي دبابات القتال الرئيسية المتطورة، باقية داخل روسيا.

وبحسب سوتشو، بدأ هذا التراكم في عدد الدبابات حتى قبل جولات محادثات السلام الحالية، ما يشير إلى أن موسكو قد تسعى ببساطة إلى فرض حالة جمود في أوكرانيا، بينما تستعد لاحتمال نشوب صراع في مكان آخر.

وأشار سوتشو إلى أن فكرة حدوث صراع بين روسيا والناتو كانت تبدو مستبعدة قبل سنوات قليلة، إلا أن الديناميكيات تغيرت بشكل كبير، خصوصا مع ما يظهر من تردد من جانب الإدارة الأمريكية الحالية في الوفاء بالتزاماتها بموجب المعاهدات والدفاع عن أوروبا في حال اندلاع حرب.

وفي تقرير صادر عن وكالة الاستخبارات الدفاعية الدنماركية في فبراير/شباط الماضي، تم التحذير من أن روسيا قد تكون مستعدة لشن هجوم واسع النطاق على دول البلطيق وبولندا في غضون خمس سنوات، إذا رأت أن الناتو ضعيف للغاية بحيث لا يستطيع الرد. وقد يشمل ذلك أنشطة شبه عسكرية في منطقة نارفا الحدودية شرق إستونيا، التي تضم عددا كبيرا من السكان من أصل روسي.

وهناك مخاوف من أن الكرملين قد يعيد استخدام الاستراتيجية ذاتها التي اعتمدها في ضم شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني عام 2014، وذلك عبر نشر قوات شبه عسكرية روسية تعرف باسم “الرجال الخضر الصغار”.

ولم يخف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نواياه في توسيع نطاق النفوذ الروسي. فمنذ عشرين عاما في مثل هذا الشهر، وصف بوتين انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه “أضخم كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”.

ويتساءل سوتشو: هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة للمخاطرة بحرب نووية من أجل نارفا؟ وماذا عن بقية أعضاء الناتو؟ وإذا تم ضم نارفا، فهل ستكون بقية إستونيا الهدف التالي، ثم لاتفيا، تليها ليتوانيا؟


د.ب.أ