“إخوان” الأردن والدّولة الوطنيّة وفلسطين -بقلم رضوان السيد
شارك هذا الخبر
Tuesday, April 29, 2025
بين عقائديّات “الإخوان” مِن أصول فلسطينية، وبراغماتيّات ذوي الأصول الأردنية، واتّفاقات وادي عربة عام 1994، اضطربت علاقات “الإخوان” بالدولة الأردنيّة بعد استقرارٍ وتداخلٍ لحوالى نصف قرن. ثمّ جاء وهج حرب غزّة التي أدّت إلى استيلاء “حماس” الفلسطينية على “الإخوان” في الأردن ولبنان واندفاعهم جميعاً للمشاركة في القتال، وأخيراً تصنيع السلاح في لبنان والأردن. الدولة الوطنية العربية أمام تحدٍّ جديدٍ من جهة فلسطين، كما حدث من قبل مع الحركات اليسارية.
قرأت في موقع “أساس” مقالتَيْ الصديقين أمين قمّورية وزياد عيتاني، وهما مطالعتان سياسيّتان بامتياز، ولذلك لن أعود كثيراً للجانب السياسي ولعلاقات “الإخوان” المتشابكة مع الدولة الأردنية منذ الخمسينيّات، بل سأُركِّز على الأبعاد العقديّة لحركة “الإخوان” وتصرّفاتهم تجاه الدولة وتجاه “حماس”.
ولاء “إخوان” الأردن للهاشميّين
لقد اشتُهر عن “إخوان” الأردن وفلسطين منذ قيامهم هناك عام 1947 أنّهم كانوا براغماتيّين. فقد كانوا يضعون في مكاتبهم شعار: الولاء للهاشميّين. بيد أنّ ذلك لا ينبغي أن يصرف النظر عن أمرين اثنين: موقف “الإخوان” من الدولة العربية الحديثة، وموقفهم من القضيّة الفلسطينية.
بالنسبة للموقف من الدولة الحديثة، المعروف أنّهم منذ أيّام النشوء في مصر ثمّ انتشارهم إلى بلاد الشام (فلسطين والأردن وسورية فلبنان) ما كانوا في تربيتهم الداخليّة يقولون بشرعيّتها منذ سمّوا أنفسهم جماعة لا جمعيّة. وما أقصده أنّ اختيار مصطلح الجماعة في التسمية يبيّن أنّهم كانوا يعودون للمعنى العريق للجماعة، الذي يعني أنّهم ما كانوا يقولون بشرعيّة الدول التي بدأت تظهر في حقبة ما بين الحربين، ويريدون من خلال التسمية القول إنّهم ضدّ الدولة الحديثة باعتبارها متغرّبة أقامها المستعمرون. وهدفهم العودة إلى مصطلح أهل السنّة والجماعة العريق الذي يعني مطلب استعادة الشرعيّة التي غابت عن الدولة الحديثة من خلال مقولة تطبيق الشريعة في الدولة، التي ابتعدت عن أصول الشرعية بالحداثة الغربية والتغريبيّة. لقد كانت المشكلة بالنسبة لـ”لإخوان” في سورية وفلسطين والأردن قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ثمّ اصطدامهم بالدولة المصريّة بعد عام 1954. لقد صار راديكاليّين أولئك الذين كانوا في فلسطين وارتبط وعيهم بمشكلتها، وأمّا الذين كانوا في الأردن وسورية فقد كانوا يشاركون في الانتخابات ويتستّرون بذلك حتّى لا ينالهم ما نال “إخوان” مصر دون أن يعني ذلك اعترافهم حقّاً بالدولة القائمة. وجرى منع الإخوان في دولة الوحدة بين مصر وسوريا.
دخلوا أجهزة الدّولة
أمّا “إخوان” الأردن فدخلوا أجهزة الدولة التي كانت تُعادي جمال عبدالناصر، وتعاونوا معها في وجه الناصريّة واليسار. فلمّا حصلت هزيمة عام 1967 وضاعت الضفّة الغربية بقي قسم من “الإخوان” غربيّ النهر، في حين أتى قسمٌ آخر إلى الأردن وتوحَّد مع إخوانه. وما بدت قوّتهم الانتخابية في البداية، لكنّهم تسلّموا الوظائف الكبرى ودخلوا جهاز الدولة. وما بدت فلسطينيّتهم لأنّ منظّمة التحرير كانت قد قامت، وصار الكفاح المسلَّح شعار كلّ الفصائل القومية واليسارية.
بقي “إخوان” الأردنّ معزولين عن الكفاح المسلّح وفي حضن الدولة الأردنيّة، خاصّةً بعد إخراج الفصائل المقاتلة من الأردن في أحداث عام 1970 (أيلول الأسود). فلمّا حصلت انتفاضة الحجارة عام 1987-1988 لاذت حركة “الإخوان” بالأراضي المحتلّة وشكّل الشيخ أحمد ياسين حركة “حماس” في غزّة والضفّة، وظلّت إسرائيل تغضُّ الطرف عنهم وتفضّلهم على التنظيمات التي دخلت منظمة التحرير حتّى بعد اتّفاق أوسلو عام 1993. أوسلو… مفترق طرق
وقف “إخوان” الأردنّ مثلما وقفت “حماس” ضدّ اتّفاق أوسلو. ومنذ ذلك الحين اضطربت علائق “الإخوان” بالدولة الأردنية. وقد اشتهر أنّ “حماساً” هي التي قادت الهجمات الانتحارية ضدّ الكيان الإسرائيلي (1994-1995) من الداخل الفلسطيني قبل مقتل إسحاق رابين وبعده. ولأنّ أكثر “إخوان” الأردنّ كانوا من أصول فلسطينية، فإنّ الأردنيين منهم، حفظاً لعلائقهم بالدولة، حاولوا تمييز أنفسهم من دون أن ينتهي الغموض، بينما ظلّ الفلسطينيون في المخيّمات ينتخبون “الإخوان” ويحقّقون بذلك حضوراً لهم بمجلس النواب، على الرغم من التغييرات المستمرّة لقوانين الانتخاب، وخاصّة في عهد الملك عبدالله الثاني.
جاءت حرب غزّة (2023-2025) كاشفة. فقد غصّت شوارع عمّان والمدن التي فيها مخيّمات بالتظاهرات، وجرت أحداث عنف مع الشرطة والأمن العامّ. وتصاعدت الدعوات إلى إلغاء اتّفاقات وادي عربة (1994) وطرد السفير الإسرائيلي من عُمان. وبدا أنّ حركة “حماس” بالغة القوّة والنفوذ في أوساط “إخوان” الأردن، وإن حاولت “جبهة العمل الإسلامي” (وهي حزب “الإخوان” السياسي) تمييز نفسها باعتبارها مستقلّة.
تهريب سلاح من سورية
إلى ضغوط الداخل الذي اضطرب بشدّة، كانت هناك ضغوط من جهة الحدود السوريّة. فقد كان المعتقد أنّ العصابات التي تحاول عبور الحدود وتشتبك مع الجيش الأردني تتكوّن من مهرِّبي المخدّرات، ثمّ تبيّن أنّ جماعاتٍ تحاول تهريب السلاح إلى الداخل الأردنيّ بحجّة الوصول من هذا الطريق إلى فلسطين بالسلاح. أجرت السلطة بالأردن الانتخابات الأخيرة في موعدها، فاستطاعت “جبهة العمل الإسلامي” الحصول على أكبر كتلةٍ في تاريخها (32 نائباً) ، فذهب المراقبون مذهبَين: كان هناك من قال إنّ الأمر مؤقّت بسبب حرب غزّة، بينما قال آخرون إنّه كانت هناك صفقة بين السلطات و”الإخوان” وجرى تنازل لإحداث توازن واستقرار بالداخل.
“حماس” في المخيّمات
لكنّ ما حصل في الأسبوعين الأخيرين بين لبنان والأردن يشير إلى اتّجاهاتٍ أُخرى أو إضافية. إذ لا شكّ أنّ هؤلاء الذين قُبض عليهم آتين من لبنان قد درّبتهم “حماس” في لبنان لتصنيع السلاح والمسيّرات في الأردن. ونحن نعلم أنّ “حماساً” قامت بعمليّاتٍ من لبنان ضدّ إسرائيل خلال حرب الإسناد وتلقّت ضربات من الجيش الإسرائيلي وهي في حضن “الحزب” بالضاحية أو على حفافي المخيّمات جنوب لبنان.
لقد كان المعتقد أنّ السيطرة في المخيّمات في الجنوب والشمال هي لـ”فتح” وفصائل التنظيمات الأخرى، وبينهم متطرّفون ومجرمون يدّعون أنّهم يتحرّكون باسم الإسلام. إنّما الذي يبدو الآن أنّ لـ”حماس” تنظيمات داخل المخيّمات وربّما خارجها، وما عاد الأمر مقتصراً على العمل من خلال احتضان “الحزب”.
إنّما لماذا هذا اللجوء الخطِر إلى محاولة زعزعة الأمن بالأردن؟ لأنّ الحدود السوريّة ما عادت متاحة، كما لم يعد مُتاحاً العمل من جنوب لبنان. فهل يكون “الحماسيّون” هم الذين أطلقوا أيضاً دفعتَي الصواريخ (البدائية) التي أدّت إلى تردّي الموقف في الجنوب الذي يزداد سوءاً؟ وإلى هذا وذاك، ما علاقة “حماس” بـ”الجماعة الإسلامية” اللبنانية و”قوّات الفجر”، التي تلقّت أيضاً ضربات من إسرائيل؟ وعندما يتحدّث الجيش اللبناني عن نزع سلاح المخيّمات، فهل يشمل ذلك مسلَّحي “الجماعة” أيضاً؟ حظر حزب “العمل” يخنق “الإخوان”
إلى أين تسير أو تنتهي علاقات “الإخوان” (وحزب “العمل الإسلامي”) بالسلطات الأردنيّة؟ حظر الأردنّ “الإخوان”، وهي إجراءات سبق أن اتُّخذت أكثر من مرّة بعد عام 1994. لكنّ حظر حزب “العمل” يخنق “الإخوان” بالفعل إن حصل.
بدأت المقال بالسؤال عن عقائديّات “الإخوان” وبراغماتيّاتهم. وما يحدث الآن يدلُّ على أنّ جمهور ذوي الميول الإسلامية (والأصول الفلسطينية) في الأردن ولبنان مندفعٌ باتّجاه “حماس”. ولا نعرف هل تلك اندفاعة مؤقّتة أم دائمة. في كلّ الأحوال يبدو أنّ معظم “المتأخْوِنين” في الأردن هم من ذوي الأصول الفلسطينية، وربّما كانوا كذلك دائماً. وقبل عدّة عقود اندفع اليساريون العرب للكفاح مع المسلّحين الفلسطينيين متجاوزين سلطات الدول وحدودها، الأمر الذي يحدث الآن من جانب أصحاب التوجّه الإسلامي. وفي الأيّام الغابرة كانت قيادة الكفاح المسلّح بيد “فتح”، وهي اليوم بقيادة “حماس”. وكان يُسمّى النضال كفاحاً، وهو اليوم جهاد، والدولة الوطنية العربية هي التي تواجه التحدّي أكثر من إسرائيل.