حال الـ"لا حرب ولا سلم" تُربك اللبنانيين وتقيّد الاقتصاد

  • شارك هذا الخبر
Monday, April 28, 2025

يعيش عدد كبير من سكان جنوب لبنان حالة من القلق والخوف، إثر التطورات الميدانية والقصف الإسرائيلي الذي يطال بين الحين والآخر بلدات عديدة. الخوف لا يتعلق باحتمال اندلاع حرب مباشرة والنزوح مجدداً، بل يتعدى ذلك، إلى احتمال التعرض لاعتداء إسرائيلي مباشر أو غير مباشر في أي وقت وأي مكان. واقع القلق يطال حياة الناس اليومية ويقف عائقاً أمام تأمين لقمة عيشهم، وإعادة بناء حياتهم مجدداً وسط حالة مستجدة يصفها البعض بالـ "لا سلم ولا حرب".
دفعت الأوضاع الأمنية والانتهاكات الإسرائيلية، الكثير من سكان جنوب لبنان، للتريث في استعادة نشاطهم الاقتصادي، وروتين حياتهم اليومية. ويعيش جزء كبير من سكان القرى الجنوبية على الزراعة، إلا أن العودة إلى الأرض بحسب يحيى العبدالله وهو مزارع في منطقة يارون "ليست يسيرة".

احترق محصول العبدالله خلال الحرب الأخيرة، حيث يملك نحو دونمين (2000 متر) مزروعة بالحمضيات، إلا أنه وبسبب الحرب وصلت قيمة الخسائر بحسب تقديراته إلى 20 ألف دولار، وهو مبلغ كافٍ لإنفاقه على عائلته لمدة عام.

يخشى العبد الله من العودة إلى أرضه وبدء نشاطه الزراعي، في ظل الاعتداءات اليومية، وهو لا يعي ما الذي يمكنه فعله في المرحلة الراهنة، فهو غير قادر على استعادة نشاطه الزراعي، وفي الوقت نفسه لا يملك أي مدخول للإنفاق على عائلته. مئات العائلات التي تعيش على الزراعة، او الصناعات الغذائية، وتربية النحل، وغيرها من المهن البسيطة فقدت مصدر رزقها، وتخشى عدم استعادة دورها الاقتصادي بسبب الضربات المفاجئة.

مشاهد الدمار
لا يزال مشهد الدمار يظغى إلى حد كبير على طول الخط الجنوبي من صيدا وصولاً إلى الناقورة، مبان سويت أرضاً، ومناطق رزاعية باتت شبه قاحلة، حتى مع عودة الحياة تدريجياً إلى تلك المناطق، إلا أن السكان لا يزالون يرفضون الانخراط في أي نشاط اقتصادي، وتحديداً في القرى الحدودية.

يمتلك حسين قبلان من منطقة ميس الجبل سوبر ماركت في وسط القرية قبل تدميره بشكل كبير، وبعد عودته إلى قريته، اشتري منزلاً جاهزاً، وحوّل غرفة في المنزل إلى دكان صغير. يقول لـ"المدن": خسرت أكثر من 7000 دولار بعد تدمير السوبرماركت، اليوم لا أقوى على شراء بضائع جديدة وعرضها، بسبب الخوف من استئناف الحرب مجدداً". يعتبر قبلان أن أسلوب الحياة تبدل كثيراً في القرى الجنوبية، لا يزال الخوف سيد الموقف، ولا يزال القلق يسيطر على أي قرار اقتصادي يتخذه السكان، وهو ما يجعل لقمة العيش بحسب قبلان صعبة للغاية.

القلق الاقتصادي والمالي
يعيش اللبنانيون حالة مزدوجة من القلق الاقتصادي والمالي. ويعرّف القلق الاقتصادي بحسب علم الاقتصاد بأنه حالة من القلق وانعدام الأمان بشأن مستقبل الفرد الاقتصادي، وعادة ما تكون مقرونة هذه الحالة بالوضع السائد في البلاد، نتيجة التضخم، أو الإفلاس، أو حتى التوترات الأمنية التي تنعكس على الوضع الاقتصادي العام. أما القلق المالي، فيعرّف بأنه غياب القدرة على اتخاذ القرار مالياً بشأن مستقبل الفرد. بمعنى آخر هو الشعور بالتوتر أو القلق عند التفكير في الأموال وكيفية التعامل معها. وبالنسبة إلى فئة كبيرة من اللبنانيين فإن القلق المالي ناتج عن القلق الاقتصادي، بسبب الانتهاكات الإسرائيلية من جهة، وبسبب غياب أي أطر واضحة للخروج من الأزمة التي عصفت بلبنان منذ سنوات من جهة ثانية، ونتيجة لذلك نرى أنه رغم انتهاء الحرب، لم تستعد العجلة الاقتصادية نشاطها.

مشاريع مؤجلة
خططت جيانا بشارة طالبة في كلية الزراعة قبل بدء الحرب في لبنان لتنفيذ مشروع زراعي خاص بها، يقوم على أساس زراعة أنواع مختلفة من النباتات والأعشاب الطبية، بهدف تصنيعها لمعالجة بعض الأمراض بالطرق الطبيعية والتقليدية. تقول لـ"المدن" بعد انتهاء الحرب، لم أجد التمويل اللازم، ولا يوجد أي مبادرات للمساعدة في تنفيذ المشروع. اعتمدت بشارة في السابق على تمويل شخصي من بعض الأقارب، والأصدقاء، إلا أنهم وبحسب تعبيرها يرفضون في المرحلة الراهنة تمويل أي مشروع بسبب انعدام الاستقرار.

المشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة، تمثل أساس الاقتصاد في العديد من الدول، وتحديداً الدول المتقدمة، وفقاً لمنظمة التجارة العالمية، تُمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر من 90 في المئة من إجمالي قطاع الأعمال، و60-70 في المئة من القوى العاملة، و55 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة. لذا، لا تُسهم الشركات الصغيرة والمتوسطة إسهامًا كبيرًا في الاقتصاد فحسب، بل هي الاقتصاد بحد ذاته، وبالتالي، يخسر لبنان بسبب حالة القلق الاقتصادي، القدرة على تنشيط الأعمال التي تعد العامود الأساسي للنهوض من الأزمات التي عصفت في البلاد.

قرارات صعبة
بعيداً عن ما يحصل في قرى الجنوب أو البقاع، بسبب حساسية الوضع، ففي العاصمة بيروت تتخذ الكثير من العائلات الحيطة والحذر قبل اتخاذ أي قرار مالي. وتقول لينا عاكوم (أم لطفلين) ومهندسة تعمل في إحدى الشركات الخاصة، بأنها أجلت فكرة الاستثمار في مشروع هندسي خاص بها، وافتتاح مكتبها الخاص. وتضيف في حديثها لـ"المدن": من الصعب التكهن بما سيكون عليه الوضع، ومن الأفضل الحصول على راتب شهري من عملي، بدلاً من المخاطرة في مشروع اقتصادي، في ظل هذه الأوضاع.

وتعتقد عاكوم، أن الانتظار في المرحلة الراهنة، سيكون خياراً ممتازاً، وقد تلجأ إلى تحقيق حلمها في إحدى الدول العربية في حال بقيت الأمور ضبابية في لبنان. باختصار في حالة اللا حرب واللا سلم تسود حالة الإنتظار والترقّب لعلّ المرحلة المقبلة تحمل معها السلم الحقيقي.

بلقيس عبد الرضا
المدن