بعد أكثر من 150 عاماً لا معايدة للمحرومين من أبسط حقوقهم في يوم عيدهم - بقلم ربى أبو فاضل

  • شارك هذا الخبر
Sunday, April 27, 2025

يحل هذا العام كما كل الأعوام السابقة عيد العمال في لبنان وسط ظروف أسوأ مما كانت عليه عام 1869، في ظل استيلاء ارباب السلطة على كل مقومات الحياة في هذه البلاد، محدثين أزمات لا تعد ولا تحصى، فإن أردنا توزيع الأزمات يحق لكل مواطن أزمة لكثرتها.

ويعود عيد العمال في أصله لعام 1869 حيث شكل عمال قطاع الملابس في مدينة فيلادلفيا الأميركية، ومعهم بعض عمال الأحذية والأثاث وعمال المناجم، منظمة "فرسان العمل"، كتنظيم نقابي يكافح من أجل تحسين الأجور وتخفيض ساعات العمل، واتخذ التنظيم من 1 أيار يوماً لتجديد المطالبة بحقوق العمال، حيث جاء أول أيار من عام 1886 ليشهد أكبر عدد من الإضرابات العمالية في يوم واحد في تاريخ أميركا، إذ وصل عدد الإضرابات في هذا اليوم إلى نحو 5000 إضراب للمطالبة بالا تزيد ساعات العمل الرسمية عن 8 ساعات، حيث كان كان شعارهم 8 ساعات للعمل - و8 ساعات راحة - و8 ساعات للنوم، حيث أصبح هذا اليوم بمرور الزمن رمزا لنضال الطبقة العاملة من أجل الدفاع عن حقوقها، وفي أوروبا تمت الدعوة لمظاهرات متزامنة مع المظاهرات الأميركية في عدد من المدن الأوروبية، من أجل المطالبة بقانون يحدد ساعات العمل بـ8 ساعات، حيث أخذت الحكومات تحول احتفال الأول من أيار من يوم احتجاج وصراع طبقي إلى يوم استيعاب وتعاون.

وفي لبنان، يحتفل العمال بعيدهم في ظل تحديات كثيرة تواجههم في سعيهم للحصول على حقوقهم المحدودة والمنقوصة بشكل كبير، على وقع أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حيث خسرت العملة المحلية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، وفرص عمل ضئيلة، فضلا عن طغيان أرباب العمل فبات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر.

ووفق بيانات البنك الدولي، فإن 70% من المواطنين يعانون من الفقر، فبعد الانهيار في سعر صرف الليرة مقابل الدولار تراجعت قيمة الرواتب والأجور بالليرة اللبنانية التي يتقاضاها العاملون في لبنان، وهم الأكثرية، وأصبحت هذه الرواتب من بين الأدنى في العالم وباتت شبيهة برواتب موظفي أفقر الدول، وذلك بحسب "الدولية للمعلومات.

ربما لا يريد العامل اللبناني عيدا تقديرا لجهوده المبذولة في العمل في أي موقع كان، فجل ما يريده هو الأمان الأمان المفقود في أكثر من ساحة، يريد راتبا يؤمن له الحد الأدنى لمتطلبات الحياة، يقول وسام وهو موظف في شركة خاصة، أنه ضحية الغبن في شركة أمضى فيها أكثر من 8 سنوات، دون أي زيادة على راتبه لكن عدم تمكنه من إيجاد عمل آخر أجبره على القبول بالأمر الذي حرمه من أبسط حقوقه، مندداً بعدم اعتراف الشركة بأيام العطل الرسمية والإجازات السنوية، ما يحرم العامل من أبسط حقوقه، إضافة إلى عدم احتساب ساعات العمل الإضافية، وعدم تسجيله في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بحسب قوله "فلا اتحاد يحميني".

يذكر أن الاتحاد العمالي العام في لبنان هو تجمع نقابي وطني تأسس عام 1958، الرئيس الأصلي للاتحاد أنطوان بشارة، تولى الرئاسة من 1983 إلى 1991 وصمم شعاره.

أما عماد وهو عامل في أحد المتاجر في بيروت يقول "عيد العمال بالنسبة لي شكلي، فأنا لا أستطيع أن آخذ إجازة من عملي، فوضع البلد لا يسمح لنا أن نخسر مدخول هذا اليوم" متسائلا "أين هو العيد ومطالب العمال منسية؟" وحمل المسؤولية كاملة للدولة، فهي لا تفعل شيئا لتحسين ظروف العامل بحسب قوله.

واحتل لبنان قائمة البلدان العربية العشرة التي سجلت أعلى معدلات البطالة في عامي 2023 و2024 بحيث بلغت فيه 27% من مجمل القوى العاملة، أي أعلى بنحو 2.4 مرة عن المتوسط العام لمعدلات البطالة في سائر البلدان العربية، وفق منظمة "الاسكوا".

الأوضاع القائمة في البلاد تنعكس سلبا على العمال وعائلاتهم وتزيد بؤسهم وقهرهم وحرمانهم من أبسط مقومات الحياة الكريمة وحال نورما يختصر معاناة أغلب اللبنانيين الذين فقدوا عملهم بشكل تعسفي دون تعويض عن سنوات الخدمة، فنورما كانت تعمل كمشرفة في احد دور الحضانة تشير إلى أنه "بعد عملي لمدة 13 سنة، وبعد عمل لمدة عام في ظل ظروف أقرب إلى "السخرة" تعرضت خلالها لأبشع أنواع الإذلال من فقر وعوز، وديون كثيرة، اطرد من العمل بشكل تعسفي لأن هناك من تستطيع أن تحل بدلا عني براتب أقل وهي ليست لبنانية "، مضيفة إن القانون "ينص على أن لي في ذمة صاحب العمل راتب خمسة أشهر، هي أشهر الإنذار وتعويض الصرف التعسفي وأيام الإجازات السنوية التي لم استعملها يضاف إلى ذلك 12 شهرا من الرواتب المتراكمة، لكن لا قانون يحميني، فما نفع عيد العمل بلا عمل وما نفع يوم العطلة في سنين كلها عطل.

وبحسب الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين أن عدد العاملين الأجانب قبل الأزمة الاقتصادية عام 2019 كان يقدر بحوالي 450 ألفا بين شرعيين وغير شرعيين موزعين بشكل أساسي على العمالة المنزلية والتنظيفات والبناء ومحطات المحروقات، إضافة إلى حوالي 600 ألف عامل سوري و250 ألف عامل فلسطيني.

الحديث عن أوضاع العمال في لبنان، الذين يعمل جلهم من "الفجر الى النجر" مع حد أدنى من الحقوق لا ينتهي بدءا من المضطهدين والمصروفين تعسفيا المتعرضين لشتى أنواع الابتزاز، وليس انتهاء بعمال يعملون بالسخرة ولا يساوي دخلهم اليومي ثمن شراء الخبز لأسرتهم.، وزكي واحد منهم فهو عامل في أحد المصانع اللبنانية يرى أنه "لا يليق في بلدي الاحتفال بهذا العيد فالعامل عيده الحقيقي والأكبر هو أن توفر له حقوقه وأن تستمع لمطالبه وأن يحظى بحياة تليق به كإنسان أولا ثم كعامل" مضيفا "ما فائدة العيد يوما وباقي الأيام شقاء فعيد العمال هو فقط لأهل السلطة والمال الذين لا تخلو أيامهم من الأعياد والاحتفالات لكن على حساب العامل،وانا راتبي لا يكفيني أجرة طريق لكي أنتقل من منزلي إلى عملي فمن أين لي أن احتفل".

وتقدم رئيس الاتحاد العمالي العام، بشارة الأسمر، الشهر الماضي مذكرة باسم الاتحاد إلى وزير العمل، محمد حيدر، حول حقوق العاملين في القطاعين العام والخاص والعسكريين وتتطرق المذكرة إلى واقع الأجور والتعويضات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وقانون العمل اللبناني والمؤسسة الوطنية للاستخدام ومجالس العمل التحكيمية، كما قدم إلى رئيس الحكومة، نواف سلام، مذكرة تضمنت ملاحظات الاتحاد في ما يتعلق بالمواضيع ذات الصلة بحقوق العاملين في القطاعين العام والخاص.

لبنان اليوم في قلب المواجهة والواقع صعب جدا والمصيبة أكبر مع سلطة سياسية مستمرة بفرض الضرائب غير المباشرة على العمال والموظفين ونهب المال العام والودائع الصغيرة وتعويضات الصناديق الضامنة ومعاشات التقاعد والقوة الشرائية للرواتب والأجور، ولا بد من تظافر الجهود لتحسين ظروف العمل للجميع في لبنان، فيحصل العمال على أجور تعكس قيمة عملهم وتوفر لهم مستوى معيشي لائق، وتوفير نظام شامل للضمان الاجتماعي وتطبيقه، ليشمل التأمين الصحي والتقاعد والبطالة لضمان حياة كريمة للعمال وعائلاتهم، وظروف العمل الآمنة حيث يجب توفير بيئة عمل آمنة وصحية تحمي العمال من المخاطر المحتملة في مكان العمل، كما ينبغي تطبيق القوانين العمالية بشكل صارم لحماية حقوق العمال ومعاقبة المخالفين، وأن يحظى العمال بحرية التنظيم والانضمام إلى نقابات العمال للدفاع عن مصالحهم وتحقيق مطالبهم بشكل فعال فاللبناني لا يتمنى سوى أن يعود بلده كما كان سابقا وتسير أعماله لكي يستطيع تأمين لقمة العيش له ولعائلته، وتعود الآمال تملأ طموحاته وأحلامه.

يذكر أن العام الماضي قضى 9 موظفين عشية عيد العمال في مطعم"Pizza Secrets "، بفعل حريق اندلع داخل المطعم الواقع في شارع بشارة الخوري، بسبب الإهمال والتهاون في شروط السلامة العامة.

الجدير بالذكر أن الاحتفال في عيد العمال العالمي يتم في الأول من شهر أيار من كل عام، وهو يوم مخصص لدعم العمال والاحتفال بالنضالات التي قاموا بتحقيقها على مدى السنوات، بينما تحتفل بعض الدول بهذا اليوم في يوم الإثنين الأول من شهر ايلول، وفي أغلب الدول يتم إعلان هذا اليوم بكونه عطلة رسمية تكريماً للعمال.