الغارديان- الجنوب العالمي يفقد الأمل بوفاة البابا فرنسيس

  • شارك هذا الخبر
Friday, April 25, 2025

توفي البابا فرنسيس بعد ساعات من اجتماع مع نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس، وإذا لم يكن ذلك كافياً ليكون "نذير شؤم"، فإن النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين، المقربة من الرئيس دونالد ترامب، التي تطلق على نفسها "القومية المسيحية"، بدت وكأنها ترحب بوفاة الحبر الأعظم، كعلامة على "هزيمة الشر"، حسب قولها.

وكتبت ناتالي توسي في صحيفة "غارديان" البريطانية، أنه على رغم سلسلة الصدامات بين البيت الأبيض في عهد ترامب، فإن فرنسيس لم يكُن ليبرالياً. وبينما امتنع عن الحكم على المثلية، فإنه رفض علناً المسار الليبرالي الذي انتهجته الكنيسة الكاثوليكية في ألمانيا، التي رأت في عام 2023 أن العاملين في الكنيسة لا يمكن طردهم إذا ما أقاموا علاقات مثلية أو تزوجوا بعد الطلاق. وبالنسبة للإجهاض، والقتل الرحيم، والنساء والمثليين، فإن فرنسيس خيّب الآمال الكبيرة، التي علقها عليه الليبراليون والتقدميون.

"نباح الناتو"
كما أن الليبراليين ليس لديهم سبب كي ينتقدوا موقف البابا إزاء أوكرانيا، حيث بدا فرنسيس متعاطفاً مع السردية الروسية عن الحرب، مفترضاً أنها اندلعت "بسبب نباح الناتو على أبواب روسيا"، وفق تعبيره. هذا لم يجعل فرنسيس غير متعاطف مع معاناة الأوكرانيين. وبذل الكرسي الرسولي جهوداً عبر الكاردينال ماتيو زوبي، الذي عمل بلا كلل على التوسط لتخفيف المآسي الإنسانية للحرب، بادئاً من الخطف المزعوم الذي قامت به روسيا لأطفال أوكرانيين، الذي كان سبباً في إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ولكن قراءة البابا السياسية للحرب – بتوجيه اللوم إلى الناتو لإصراره على التوسع، والتنديد بإعادة تسليح أوروبا، وافتراض أن أوكرانيا يجب أن تستسلم، وتقلل من الطموحات الإمبريالية لروسيا- أدت إلى إشكالية.

في هذا المنحى، كان البابا المولود في الأرجنتين الصوت الأقوى للجنوب العالمي. وفرنسيس، هو البابا الأول غير الأوروبي الذي يترأس الكنيسة منذ البابا غريغوري الثالث السوري المولد في القرن الثامن. إن تشكيك فرنسيس بالسياسة الخارجية الأمريكية، والتعاطف مع روسيا، وانتقاد السوق الاستهلاكية والعولمة، أمور يجب أن تقرأ في هذا السياق.

الجنوب العالمي
لكن فرنسيس، لم يكن فقط صوتاً من الجنوب العالمي. لكنه كان أيضاً مبدئياً. وبالنسبة للشرق الأوسط، وخصوصاً غزة، كان ثابتاً في دعمه لحقوق الإنسان والقانون الدولي. والأمر الأكثر مدعاة للدهشة ليس موقفه الأخلاقي فحسب، بل تضامنه الذي لا يتزعزع مع المعاناة الفلسطينية. وكل مساء، حتى بعدما بات واهناً ومريضاً، كان يتصل بالكنيسة الكاثوليكية الوحيدة المدمرة في قطاع غزة.

وعلى نطاق أوسع، دافع فرنسيس عن الحوار بين الأديان، معيداً ضبط العلاقات المسيحية- الإسلامية بعد التوترات التي أحدثها سلفه بنديكتوس الـ16. وتواصل مع قادة السنة، من خلال أول زيارة لحبر أعظم للخليج وتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية عام 2019. وامتد تواصله إلى الشيعة، من خلال لقائه التاريخي في النجف بالعراق مع آية الله العظمى علي السيستاني عام 2021.
ومؤخراً، ندد فرنسيس بشدة بعمليات الترحيل الجماعي التي ينفذها ترامب، منتقداً تحريف فانس لمبدأ "أورودو أموريس" الكاثوليكي. وكان فانس قد اقترح ضرورة إظهار الرحمة لعائلة الفرد ومواطنيه قبل بقية العالم، واستشهد بمبدأ "أورودو أموريس" كمبرر لاهوتي لسياسة الهجرة غير المبررة أخلاقياً.
كان فرنسيس مختلفاً. كان قريباً من قضايا الجنوب العالمي، لكنه اتخذ موقفاً مبدئياً لا يقبل الشك حيال هذه القضايا. وجسّد روح التضامن التي كرّسها اتفاق باندونغ لعام 1955، وهي روح باتت الآن نادرة بشكل مقلق.
لقد تغيرت الكنيسة الكاثوليكية في عهد فرنسيس بشكل كبير، والكثير من الكرادلة الذين يعتبرون مؤهلين للبابوية، إما يأتون من نصف الكرة الجنوبي أو قريبين من الآراء التي جسدها فرنسيس. لن يكون من السهل الارتقاء إلى مستوى إرث فرنسيس كصوت مبدئي للجنوب العالمي. لكن العالم في حاجة إليه أكثر من أي وقت مضى.


24.AE