خطّة رئيسة المفوضية الأوروبية الدفاعية بين الواقعية والدون كيشوتية- بقلم السفير يوسف صدقة

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, April 23, 2025

تعدّ السيدة اورسولا فون دير لاين من الشخصيات السياسية البارزة ، في السياسة الاوروبية وهي اول امرأة تتولى رئاسة المفوضية الاوروبية منذ توليها المنصب في ديسمبر 2019.

ولدت أورسولا فون دير لاين عام 1958 في عائلة سياسية من النبلاء الالمان . وقد نشأت في بيئة منفتحة ، مما ساهم في تشكيل رؤيتها ومهاراتها اللغوية وسعة أفقها الثقافي.

شغلت عدة مواقع وزارية في الحكومة الالمانية قبل انتقالها الى الساحة الاوروبية ، ومن بينها وزيرة الاسرة والعمل، وقد تولت وزارة الدفاع من عام 2013 حتى عام 2019 ، وقد ركزت في عملها على تحديث القوات المسلحة ، وتطويرها في ظل التغييرات الجيوسياسية . وقد مثلت دوراً مهماً في صياغة السياسات الوطنية ، التي تهدف الى تعزيز الدفاع الاجتماعي والاقتصادي ، مما اكسبها سمعة طيبة، على المستوى السياسي في المانيا.

1- رئاسة المفوضية الاوروبية امام التحديات :
تولت فون دير لاين في تشرين الثاني 2019 رئاسة المفوضية، بناءً على دعم وترشيح رئيسة الوزراء الالمانية السابقة انخيلا ميركل . وكانت اول امرأة تتقلد هذا المنصب في تاريخ الاتحاد الاوروبي.

ركّزت في برنامج عملها على الاولويات الاستراتيجية التالية :
- التحول الرقمي : يتضمّن برنامجها دعم مبادرات ، تهدف الى تعزيز التحوّل الرقمي في اوروبا ، كما في ذلك تطوير البنية التحتية الرقمية ، والابتكار في الذكاء الاصطناعي.

- المناخ والبيئة : لعبت دوراً فعالاً في تعزيز السياسات البيئية ومواجهة التحديات التغيّر المناخي ، من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة ، وتطبيق معايير بيئية صارمة.

- التكامل الاوروبي : عملت على تعزيز التكامل الاوروبي وتوحيد الجهود بمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية بعد جائحة كوفيد 19 ، مع التركيز على تعزيز التماسك والتضامن بين دول الاتحاد.

2- التحديات امام مستقبل الاتحاد الأوروبي
تعتبر فون دير لاين رمزاً للتجديد والتحديث في اوروبا ، فهي تقود المفوضية خلال فترة عصيبة ، تتسم بالتحولات الجيوسياسية والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
ومن المتوقع ان يواجه الاتحاد الاوروبي تحديات تشمل مواجهة التطورات على السياسة الدولية والتوصل الى توازن بين المصالح الوطنية والدولية للدول الاعضاء ، داخل الاتحاد الاوروبي.

تعمل فون دير لاين ، على اعادة تشكيل مفهوم الامن الاوروبي ضمن زاوية اوسع تعتمد على التكامل الاوروبي والاستقلالية الاستراتيجية ، الا ان هذا المشروع تعرّض لانتقادات واسعة.

نعرض في هذا السياق مشروع فون دير لاين الدفاعي :
أ- مشروع الامن الاوروبي
تسعى فون دير لاين الى تعزيز القدرات الدفاعية للاوروبيين من خلال ، تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية ، التي تتمثل في التقليل من الاعتماد الاوروبي ، علي الولايات المتحدة ، عن طريق تشجيع الابتكار في مجالات الدفاع والتكنولوجيا العسكرية ، بحيث تتمكن من اتخاذ قرارات مستقلة ازاء التحديات الاستراتيجية.

وبذلك تسعى المفوضية الاوروبية ، الى تحقيق تنسيق متكامل بين الدول الاعضاء ، في مجال الاتفاق العسكري وتطوير تقنيات الدفاع . وقد شمل المشروع اطلاق مبادرات مثل " الصندوق الاوروبي للدفاع " الذي يهدف الى دعم مشروعات مشترة وتطوير صناعات دفاعية اوروبية. كما يقوم المشروع ايضا على تطوير آليات للتصدي للهجمات السيبرانية ومواجهة الهجومات الرقمية المتزايدة ، التي تستهدف البنى التحتية للدول الاعضاء في الاتحاد .

ب- مشروع الموازنة الدفاعية البالغ 700 مليار دولار
عرضت فون دير لاين ، مشروع موازنة دفاعية تبلغ 700 مليار دولار ، يهدف المشروع لتحديث وتعزيز القدرات العسكرية ، في مواجهة التحديدات المتزايدة سواء كانت تقليدية او جديدة (الهجمات السيبرانية) ، يعتبر المشروع بالنسبة للمفوضية ركيزة استراتيجية لضمان الردع ، والاستعداد لمواجهة السيناريوهات العسكرية المحتملة في ظل تغيير ميزان القوة على الساحة الدولية ولا سيما بعد الغزو الروسي لاوكرانيا.

يرى بعض الدول الاوروبية ان اتخاذ موقف حازم من روسيا وزيادة الانفاق الدفاعي ، قد يعزز قدرة دول الاتحاد على الردع العسكري ويقلل من احتمال نشوب صراعات مباشرة.
ويعد هذا الانفاق العسكري الكبير في مجال الدفاع ، استراتيجية شاملة لحماية الامن القومي للاتحاد الاوروبي ومن جهة اخرى يرى بعض الدول الاوروبية المعارضة لمشروع ان مواقف الاتحاد الاوروبي المعارضة لمشروع فون دير لاين ،ان مواقف الاتحاد الاوروبي المتطرفة ازاء روسيا ، والانفاق العسكري قد يؤديان الى تصعيد الاوضاع وزيادة احتمالات نشوب نزاعات اقليمية ودولية نتيجة التأزم ، وتصاعد لغة التهويل والحرب كما ان ضخ مبلغ ضخم في القطاع الدفاعي ، في ظل تراجع الاقتصاديات الاوروبية وازمة الطاقة سيؤدي الى النقص في الاستثمارات الاجتماعية الاخرى ، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية ، مما قد يؤدي الى ضرب الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدول الاتحاد.

يتمثل موقف الاتحاد الاوروبي المتطرف من روسيا ومشروع الموازنة الدفاعية البالغ 700 مليار دولار استراتيجية متوسطة الامد تهدف الى تعزيز الردع العسكري في مواجهة التحديات الجيوسياسية الحديثة.




تقييم لرئاسة فان دير لاين
أبدت رئيسة المفوضية الاوروبية صراحة وشجاعة في ادارة المفوضية ، ولم تسمح للمفوضين المساعدين التصرف بتصريحات وممارسات مخالفة لسياستها ، وقد تصرّفت كإمرأة حديدية تمسك بكل اوراق القوة في المفوضية مما أدى الى استقالة بعض المفوضين الاوروبيين
المساعدين لها وقد تدخلت وحاولت ابراز استراتيجيتها في مجال الدفاع المشترك باعتبارها عملت ، كوزيرة الدفاع السابقة في فترة انخيلا ماركل.

وكان على فون دير لاين ان تؤمن التوازن بين مشروعها للدفاع الباهظ التكاليف ، والالتزام بمبادرات دبلوماسية تتيح الفرص للحلول السليمة وخاصة بين روسيا واوكرانيا ، بدل التمسك بالحرب عبر دعم الاتحاد الاوروبي لاوكرانيا بدون أفق ودون محاولة فرض الحلّ الدبلوماسي على روسيا .

ان توفير موازنه 700 مليار دولار للدفاع الاوروبي ، هي مبادرة ايجابية لتعزيز الامن الاوروبي من الناحية النظرية . والسؤال المطروح هل إن الدول الاوروبية ازاء الاوضاع الاقتصادية الصعبة والعجز الكبير في الموازنات ، قادرة على توفير هذا المبلغ الضخم ، والذي سيؤثر على الموازنات والتقديمات الاجتماعية في دول الاتحاد ؟
ان المبالغة من الرهاب الروسي والخوف المرضي من اجتياح روسيا لاوروبا يشكل وهما تتذرع به معظم الدول الاوروبية والناتو.
كيف يمكن لجيش روسي مرهق ومنهك ، يضطر الى استقدام قوات من كوريا الشمالية ومرتزقة من الصين للدفاع عن ارضه ؟ هل هذا الجيش المنهك قادر على اجتياح اوروبا ؟

والسؤال المطروح ايضا ، هل ان الرئيس دونالد ترامب هو باق الى الابد ، لتنجز فان داير لاين استراتيجية دفاعية لا تأخذ بعين الاعتبار التغيير الذي قد يحصل بعد ترامب ، وامكانيات انجاز الحلول السليمة بين روسيا واوكرانيا في محادثات السعودية ؟



من المعروف انه لا ثوابت جامدة في التاريخ السياسي لأي دولة ، او في علاقاتها مع الدول الاخرى. فيمكن ان يدفع تغيير الاوضاع بأي رئيس دولة ، أن يغيّر قناعاته وخياراته السياسية.
كما انه في الانظمة الديمقراطية حيث الشعب هو مصدر السلطة. فلا يتمتع اي مسؤول سياسي بولاية أبدية ، وغالباً ما يؤدي تداول السلطة بالانتخاب ، الى تغيير التوجهات والخيارات السياسية. وهذا ما جرى في الولايات المتحدة الاميركية ، حيث انتقل الحكم من الحزب الديمقراطي الى الحزب الجمهوري ، بعد انتخاب الرئيس دونالد ترامب . ويبدو ان السياسة الدفاعية لأوروبا تفتقر الى البراغمائية والتي تدعو اليها فون دير لاين ، تأخذ بعين الاعتبار امكانية التبدّل والتحوّل في السياسة الاميركية والمطلوب من فون دير لاين ايضا التخلي مؤقتاً عن عصا الماريشالية ودعم الحلول السلمية .

فهل تتذكر فون دير لاين قول الفيلسوف Walter Scott عن اهوال الحرب :
لماذا الظمأ للقتال ؟ ماذا يبقى لكم وتفوزون منه بعد كل الدم الذي سال ، والآلام التي عاينتموها وكل الدموع التي تسببت بها اعمالكم ؟ ماذا يبقى لكم بعدما يحطم الموت حراب الرجال الاقوياء؟ المجد وأسفاه ما هو المجد ؟ درع واه يسمونه إكليلاً يعلقونه فوق قبر الجندي المعتم والمتفسخ ، والكتابة فوق لوحة لا يستطيع قراءتها الأميون.