المختار ريمون شاكر - حكومةْ "الأكثرية النيابية" ستسقُط في الشارع!

  • شارك هذا الخبر
Monday, January 20, 2020



رغم أنها أصبحت صيغة شائعة للحكم تفرض نفسها بقوة فـي عملية تنظيم الـحياة السياسية، فقد وُجّهَت إلى الديــموقراطية إنتقادات كثـيـرة، أهـمّها أنـها تقوم على أساس الأكثـرية العدديّة لا على أساس الأكثرية الكفوءة، باعتبار أنّ الإنتخاب الديـموقراطي يقود إلى إقصاء الـحكماء وأصحاب الـجدارة والكفاءة، وسيادة الرعاع وأصحاب الغرائز والـجهَلة، مـمّا يضع البلاد دائـماً عرضةً لـخطر الفوضى وعدم الإستـقرار والإنـهيار.

معظم الفلاسفة اليونانيـيـن، من سقراط إلى أفلاطون وأرسطو وغيـرهم، إعتـبـروا أنّ الديـموقراطية تنتهك النظام الطبيعي الصحيح فـي أيّ مـجتمع، وذلك باختلاق مساواة إصطناعية بيـن أفراد هذا الـمجتمع. واعتبـر أفلاطون أن ليس كل الـمواطنيـن قد أُعدّوا ودُرّبوا على الـحياة الإقتصادية أو العسكرية، أو قد إطّلعوا على الوظائف الـمختلفة للحكومة، وتالياً فإنـهم لا يـخضعون فـي آرائـهم السياسية للمنطق الـمناسب فـي هذه الـمجالات، ولا يـمكن الإعتماد على تلك الآراء فـي إتـخاذ القرارات الصائبة للحكومة. لذلك من الأفضل أن يتولّـى إدارة شؤون الدولة الـمتخصّصون الكفيّون بصرف النظر عن مدى تـمثيلهم لرغبات الشعب وأهوائه، لأنّ إدارة شؤون الـحكْم إذا تُركَت لـممثّلي الشعب سيؤدّي ذلك لـخلـل كبيـر فـي الدولة، لاسيـما أنّ هؤلاء يــجنحون دائـماً للإستـجابة لرغبات الشعب وتقلّباتـه، ولا يستـجيـبون للمصلحة العامة التـي غالباً لا يُدركها السواد الأعظم من الشعب، كما حصل – مثلاً - فـي إقرار سلسلة الرتب والرواتب، التـي جاءت قبل بضعة أشهر من الإنتخابات النيابـية، إرضاءً لقطاع عام فضفاض وغيـر مُنتـج، ومن دون تأميـن الإيرادات اللازمة لتغطية كلفتـها، ما سبّب بارتفاع الـعجز فـي الـموازنة ليصل عام 2018 إلى 11 فـي الـمئة، وارتفاع الدين العام إلى 87 مليار دولار. وفـي حيـن كان على مـمثّلي الشعب والوزراء الذين يـمثلونـهم فـي حكومة "الوفاق الوطنـي" عصر النفقات، عمدت الـحكومة إلى زيادتــها من طريق إقرار السلسلة وتوظيف 15 ألف موظف فـي القطاع العام خلافاً للقانون.

مع إستقالة رئيس الـحكومة سعد الـحريري من منصبه فـي 29 تشريـن الأول، على أثر الإنتفاضة التـي إندلعت فـي 17 تشرين الأول إحتجاجاً على تدهور الوضع الإقتصادي والـمالـي والـمعيشي، وللمطالبة بـمحاسبة الـمسؤوليـن عن الإهدار والفساد ونـهب الـمال العام، بدأت تُطرح خيارات عن شكل الـحكومة الـمقبلة فـي أوساط الثوار الـمنـتـفضيـن والقوى السياسية الفاعلة. ففي حيـن يطالب الثوار بـحكومة حيادية ومستقلة من الإختصاصيـّيـن، تنقسم آراء الأحزاب السياسية بشأن هذا الطرح بيـن مؤيّـد له من الأقلّية النيابية ("الـمستقبل" و"القوات" و"الإشتـراكي" و"العزم" و"الكتائب" وحلفائـهم)، وداعم لـحكومة تـجمع بيـن الإختصاصيّـيـن والسياسيّـيـن، أو من إختصاصيّـيـن تابعيـن للأكثـرية النيابية ("التيار" و"حزب الله" و"أمل" و"السوري القومي" وحلفائـهم).

وعلى رغم حُرص "حزب الله" على طبع الـحكومة بسمة التكنوقراط والتوافقية، تلبية للشروط الأميـركية والدولية، فإنّ ما يـجري فـي كواليس التأليف، يُظهر بوضوح أنّ رئيس الـجمهورية و"التيار" و"الثنائي الشيعي" أبلغوا الرئيس الـمكلّف حسان دياب أنـهم هم الذيـن يُسـمّون الوزراء ويـحدِّدون الـحقائب ولن يـقبلوا بتلقّيها من أحد. فعدا عن عقدة التمثيل السنّـي وردود فِعل الشارع ودار الإفتاء، فإنّ إعادة إستنساخ الـحقائب الدسـمة فـي الـحكومة الـمستقيلة لِنفس الأفرقاء السياسيّـيـن سيزيد الأمر تعقيداً. وجاء طرح الرئيس نبيه بري "حكومة لـمّ الشمل" ليقضي نـهائياً على مهمّة الرئيس الـمُكلّف.

عام 2009، عندما فازت قوى 14 آذار الـمدعومة من الغرب ودول الـخليج، بــ 71 مقعداً على قوى 8 آذار الـمدعومة من دمشق وطهران والـتـي حصلت على 57 مقعداً فـي البـرلـمان، أصرّت قوى الـممانعة، وعلى رغم إعتـراف السيد حسن نصرالله وقبوله بنتائج الإنتخابات، على أن تتمثّل بـ "الثلث الضامن" فـي الـحكومة، وهو الثلث الذي يسـمح بالـتحكّم فـي القرارات الـهامة.

اليوم، إنقلبت نتائج الإنتخابات، وحصل فريق قوى الـممانعة على الأكثـرية النيابية، فـمن هو الفريق الذي سيحظـى بــ "الثلث الضامن"، بعدما رفضت قوى 14 آذار السابقة الإنضمام إلى الـحكومة ؟ هل هو رئيس الـجمهورية و"التيار" ؟ وهل يرضى "الثنائي الشيعي" ؟ أم هو الفريق الذي سيسمّيه الرئيس الـمُكلّف ويعتـبـره مـمثِّلاً عن الإنتفاضة (إذا سـمـحوا له بذلك) ؟ وهل يرضى ثوار الإنتفاضة بأن يتمثّلوا فـي حكومة تضمّ إختصاصيّـيـن سياسيّـيـن أو تابعيـن للأحزاب ؟

إنّ ثوار الإنتفاضة لا يطلبون شيئاً لأنفسهم، ولا يريدون مقاعد وزارية، إنـما يطالبون بـما طالب به البطريرك الـمارونـي مار بشاره بطرس الراعي، بتشكيل "حكومة مستقلّة عن الأحزاب السياسية تـجمع فريقاً متـجانساً من الإختصاصــيّــيـن الكفوئيـن والنزيهيـن لوضع خطة إنقاذ وتنفيذها بإشراف مـجلس النواب".

إنّ كلام البطريرك الراعي الواضح والصريح جاء بـمثابة إنـذار لأهل السلطة، وليـحذّر كل مَن يعنيه الأمر أنّ الثورة الشعبية ستكون أقوى وأعظم، إذا تبيّـن أنّ الـحكومة الـجديدة ليست سوى نسخة طبق الأصل عن حكومات الـمحاصصة الـحزبية السابقة، ولكن بوجوه وأسـماء جديدة.
..................................

فكرة الأسبوع

أن يطعنكَ أحدهم في ظهركَ فهذا أمر طبيعي،
ولكن أن تلتفتَ وتجدهُ أقرب الناس إليك..
فتلكَ هي الكارثة.