خاص - إشكالية الطبيعة القانونية للاعراف التجارية الدولية - بقلم عبده جميل غصوب

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, April 16, 2024

الاعراف التجارية الدولية Lex mercatoria هي مجموعة قواعد معتمدة في حل نزاعات التجارة الدولية بدون الاستعانة بالقوانين الوطنية.

ان وجود الاعراف التجارية الدولية ليس امراً مناقشا فيه؛ بل ان المناقش فيه هو طبيعتها القانونية. فهل تشكل بذاتها نظاما قانونيا مستقلا ؟ وهل يمكن للفرقاء اختيار الاعراف التجارية الدولية كقانون مطبق على العقد ؟ وفي حال عدم اختيارها من قبل الخصوم، هل المحاكم ملزمة بتطبيقها ؟ ام ان هذه الاعراف لا اهمية لها اذا لم تكن جزءا من التشريع الوطني ؟ هل هي معتبرة كبنود عقدية، اذا كان القانون الوطني يقر بصفتها هذه ؟ ام هي مجرد تطبيقات تجارية، في حال نص عنها القانون الوطني ؟ هل هي قواعد عرفية في حال اقر ذلك القانون الوطني شأنها شأن اعراف التجارة الداخلية ؟

هذه الاسئلة مطروحة منذ عشرات السنين.

وان الفائدة من التطرق اليها كبيرة جدا، ما يقتضي معه معالجة الاعراف التجارية الدولية من زوايا مختلفة عملية واكاديمية. اذا يجب معالجة هذا الموضوع في ضوء القانون، الاقتصاد، تنازع القوانين، التحكيم، علم الاجتماع القانوني، النظرية العامة للقانون، اخراج القانون من حدوده الوطنية ووضع قواعد خاصة في المجال الدولي، هذا فضلا عن ان للنقاش بعداً تاريخياً.

ان مؤيدي الاعراف التجارية الدولية المعاصرين، يقرون بوجود هذه الاعراف منذ القرون الوسطى. وهذا ما يطلق عليه الحقوقيون الانكليز وصف " قانون التاجر" Law merchant.

ان المدافعين المعاصرين عن الاعراف التجارية الدولية يقولون انها تشكل نظاما قانونيا مستقلا مصدره القواعد، العادات والتقاليد التجارية. وقد كان لها طابعا اجرائياً: فالاجراءات كانت خطيّة لتكون متناسبة مع حاجات التجار؛ والنزاعات امام محاكم التجارة كانت تخضع لاصول سريعة، اسرع من الاصول المتبعة امام محاكم الدولة المختلفة وقتذاك عن محاكم التجارة. وكانت القضايا تسمع من قبل تجار محليين واجانب. وكان يتبع قانون الاثبات العادي. ولكن بالمقابل كان " قانون التاجر" له جوانب مادية ايضا، لاسيما عندما يتعلق الامر بقانون البحار.

ان البحث التاريخي يرتدي هنا اهمية كبرى، فاذا كان " قانون التاجر" يرتكز على امتيازات خاصة بالتجار، فلا يمكننا تاليا الكلام على نظام قانوني مستقل autonome . وان الازدواجية الحاضرة بين قانون الدولة والقانون المستقل عن الدولة، لم يكن قائما في القرون الوسطى.

في الاجمال، ان البحث التاريخي الحديث يشير الى وجود عدة نقاط عالقة وغير محسومة :فان تاريخ معظم قطاعات قانون التجارة لم يتم اكتشافها بعد.

اولا: الآراء المؤيدة لوجود اعراف تجارية دولية مستقلة:

يقول مؤيدو الاعراف التجارية الدولية ان تطبيق القوانين الوطنية في ميدان التجارة الدولية، ليس مناسبا. فالانظمة الوطنية المختلفة عن بعضها في مواضيع تنازع القوانين، تخلق نوعا من عدم اليقين؛ فبالنسبة لممارسي التجارة الدولية، وفي اطار تطبيق تنازع القوانين في المكان، من الصعب تحديد القانون الذي سيطبق على النزاع بصورة اكيدة؛ فيكون من غير المناسب اخضاع التجارة الدولية لقوانين وطنية محلية، سواء لجهة الطابع المعقد لتنازع القوانين في المكان ام لناحية ان بعضها يضع حدودا على الحرية التعاقدية. وهذا الموضوع يصبح اكثر الحاحاً بالنسبة للعمليات بين المؤسسات التجارية. فالاعراف التجارية الدولية، تبدو من هذا المنظار، اكثر ملاءمة لتحقيق رغبة ممارسي التجارة الدولية باستقلالية كبيرة خاصة بهم.

ان الآمال المعقودة على توحيد الوسائل القانونية للحؤول دون الوقوع في هذه المشاكل ليست متحققة لغاية الآن. وقد تكون بعيدة المنال، ويأخذ اقرارها وقتا طويلا؛ فهي متأخرة كثيرا قياسا لمتطلبات التجارة، حيث ان المصالح الوطنية تلعب دورا اكثر اهمية من حاجات عالم الاعمال.

ان مؤيدي الاعراف التجارية الدولية لا يحللون فقط المشاكل المطروحة انطلاقا من تطبيق القوانين المحلية الوطنية على التجارة الدولية وانطلاقا من توحيد هذه القواعد على الصعيد القانوني؛ فهم يشيرون ايضا الى تعدد النماذج وازديادها بشكل مطرد، والى ازدياد البنود العقدية النموذجية، والى تطور العادات والاعراف التجارية بشكل متزايد. فهم يقولون ان كل هذه الممارسات يمكن اعتبارها تعبيرا عن الاعراف التجارية الدولية، ما يؤكد ضرورة اللجوء اليها لحل النزاعات التجارية الدولية بعيدا عن قاعدة التنازع المعقدة وغير المجدية في محاكم الاعمال.

ان ممارسي التجارة الدولية يأخذون على عاتقهم ايضا حل المشاكل التي يواجهونها . فبالتالي، ان مؤيدي الاعراف التجارية الدولية يدعون الى اعتماد مقاربة اساسية تقوم على منهجية الممارسات العملية القائمة، ثم جمعها وعدم تركها مبعثرة، ما يجعلنا نقترب من فكرة امكانية تحقيق استقلالية الاعراف التجارية الدولية، كنظام قانوني قائم بذاته ومستقل عن الانظمة القانونية الاخرى، لا سيما المحلية منها.

أضف الى ذلك ان القانون والاقتصاد متفقان ان التنظيم الذاتي للتجارة الدولية هو اكثر فعالية من التنظيم المحلي الذي تقوم به الدولة. وفي هذا السياق من الافكار، نرى ان ممارسي التحكيم الدولي يرتكزون اكثر فاكثر في ايامنا الحاضرة الى الاعراف التجارية الدولية؛ فهم يشيرون الى امكانية الحصول على تحكيم دولي خارج الاطر المحلية الوطنية بواسطة محكم مطلق. فاذا كان يجوز للمحكم المطلق ان يرتكز على قواعد العدالة والانصاف، فبحجة اولى، يستطيع الارتكاز في قراراته التحكيمية الى الاعراف التجارية الدولية.

ان الاسباب الداعية للقبول باستقلالية اعراف التجارية الدولية كثيرة ومتعددة. كما ان الآراء متعددة ايضا حول ما يشكل اعرافا تجارية دولية وما لا يشكل منها اعرافا تجارية دولية. وتكثر الآراء وتتضارب حول مصادر هذه الاعراف. فاذا اعتبرنا ذلك كنتيجة للانتظام الذاتي للاعراف المذكورة، فاننا نكون بصدد قانون اعراف، تعود مصادره الى الممارسة العملية، النماذج والعبارات النموذجية. فالدراسات المعمقة، كما يراه الكثيرون، لا يمكنها حصر الاعراف التجارية الدولية الا في اطار الامثلة العملية المحلية والمختلفة والتي تتطور في الزمن. وهي تستوجب مقتضيات دولية سائدة لكي ينشأ هكذا قانون اعراف دولية، والا تبقى في اطار الامثلة التي مهما تكاثرت فهي لا تشكل قانونا بالمعنى الحقيقي للكلمة.

من المؤكد ان كل الممارسات العملية والصيغ والعبارات الشكلية، لا يمكنها ان تشكل قانون اعراف. ولكن ذلك لا يمنع ان تكون احدى قواعد الاعراف التجارية الدولية مصدرا لالتزام الفريقين بالاعراف المذكورة ( بيع البضائع، القانون الموحد Loi uniforme على الصعيد الدولي، مبادىء القانون الاوروبي للعقود PECL ، مبادىء القانون الدولي الموحد Principes d’Unidroit المتعلقة بالعقود التجارية الدولية ( PICC ) .

ان الاعراف التجارية الدولية كقانون اعراف يمكنها ان تشكل اطارا لتطبيق الممارسات العملية غير المعتبرة جزءا من قانون الاعراف، ولكنها معتبرة فقط مجرد اعراف تجارية. كما ان بعض الممارسات الشكلية والنموذجية التي لم تُبلغ حد اعتبارها جزءا من قانون الاعراف او جزءا من الاعراف التجارية الدولية، يمكنها ان تكون فعّالة في هذا الاطار، وتشكل بنودا عقدية.

ان العديد من مؤيدي الاعراف التجارية الدولية، يذهبون أبعد من هذه المقاربة، اذ يعتبرون الاعراف، النماذج والعبارات الشكلية النموذجية، مصادر للاعراف التجارية الدولية بدون التفرقة بين قانون الاعراف والاعراف التجارية والبنود العقدية . بالمقابل يضيف العديدون
" القانون الموحد " Loi uniforme كمصدر للاعراف التجارية الدولية. ولكن يبقى ان نشير الى ان " القانون الموحد " ليس وليد تنظيم ذاتي للتجارة الدولية، بل هو قــــــــانون دولة
" مكتوب " ليكون ملائما للتجارة الدولية؛ فيجب اثبات ان " القانون الموحد " " يستلهم " الاعراف التجارية لكي يعتبر تعبيرا صحيحا عنهافي الممارسة العملية. ان الاعراف التجارية الدولية استوعبت " القانون الموحد " . ولكن هذا لا يحصل الا في بعض القطاعات التجارية دون الاخرى.

فالقانون الموحد يعتبر جزءا من الاعراف التجارية الدولية عندما يصرح الفريقان بذلك. ولكن، واضعي هذا القانون لا يستلهمونه من الاعراف الدولية، بل يعتمدون مقاربة اخرى تقوم على المقارنة. فهم لا يريدون اعادة تكوين الاعراف التجارية، بل الاعلان عن نظام قانوني نموذجي يحتذى في التجارة الدولية هو " القانون الموحد ". ان الاعراف التجارية الدولية بعيدة عن بعضها ولا توجد اي صلة بينها، ويوجد فوارق واضحة بين القانون الموحد والاعراف التجارية الدولية. لذلك، فان استلهام القانون الموحد من الاعراف التجارية الدولية، ليس امراً محبذاً.

ان القرارات التحكيمية تشكل بدورها مصدرا آخرا للاعراف التجارية الدولية، فقد ذهب البعض الى اعتبارها " تقنيناً " لهذه الاعراف.

اذا اعتبرنا ان الاعراف التجارية الدولية هي نتيجة للانتظام الذاتي للتجارة Autorégulation du commerce ، فهذا يعزز فكرة اللجوء اليها في النزاعات التحكيمية، لان القرارات التحكيمية، تصدر عن المحكمين وليس عن التجار، وغالبا ما يكون هؤلاء من المحامين، ما يؤدي بدوره الى تعزيز الفكرة القائلة بان قانون الاعراف غالبا ما يضعه المحامون. ولكن القرارات التحكيمية لا تعكس سوى احدى قواعد الاعراف التجارية الدولية بدون ان تبيّن الفوارق على مستوى القطاعات المحلية.

كذلك تشكل المبادىء القانونية العامة ـ المشتركة بين الانظمة القانونية العالمية كافة وبين الانظمة القانونية للدول ذات الصلة بالعقد – جزءا من الاعراف التجارية الدولية.

ولكن مرة أخرى نقول، بان هذه المبادىء ليست نتيجة للتنظيم الذاتي للتجارة الدولية؛ بل انه داخل القطاعات التجارية ذاتها، تختلف المبادىء العامة من قطاع الى آخر، ما يؤدي الى اختلاف الاعراف التجارية الدولية بين بلد وآخر، ذات الصلة بعقد مبرم بين تجار مختلفين.

من المسلم به بين المؤيدين للاعراف التجارية الدولية، ان الاعراف المذكورة لا تشمل فقط القواعد المادية بل ايضا القواعد الاجرائية، لا سيما تلك المتعلقة بالتحكيم، حيث يطلق على هذه الاخيرة تسمية “ Lex mercatoria arbitralis “ .

اخيرا، وفي هذا السياق، يرى البعض ان الاعراف التجارية الدولية، ليست مجموعة قواعد موحدة، بل انها في الحقيقة وسيلة او نهجا يحتذى. فالقرار التحكيمي المستند الى هذه الوسيلة يشكل تعبيرا عن الاعراف التجارية الدولية. فاذا اتفق الفريقان على اخضاع عقدهما الى الاعراف التجارية الدولية او الى المبادىء القانونية العامة. واذا لم تثبت هذه الاعراف او تلك المبادىء، فيعود للمحكم اسناد قراره التحكيمي ليس الى تلك الاعراف والمبادىء، بل الى قواعد العدالة والانصاف؛ فيكون المحكم قد طبّق القواعد القانونية وآلية مبتكرة في آن واحد. وهذا ما يسمى “ Lex mercatoria Ole Lando “ .

في الخلاصة، ان مؤيدي اعتماد الاعراف التجارية الدولية كنظام قانوني مستقل، يتبعون مفاهيم مختلفة، ما يستوجب منهم تحديد المفاهيم التي استندوا اليها وسبب اعتمادها، عندها تتوضح النقاط وتستقيم الامور.

ثانيا : الاراء المناهضة لاستقلالية الاعراف التجارية الدولية:

ان الانتقادات الموجهة الى الاعراف التجارية الدولية لا تنكر وجود صيغ وعبارات نموذجية ، اعراف، عادات ومبادىء ثابتة في التجارة الدولية. ولكنهم لا يوافقون على فكرة ان الاعراف التجارية الدولية تشكل نظاما قانونيا مستقلا بذاته. ويشككون في حجم المشاكل الناشئة عن تطبيق القوانين الوطنية المحلية، كما هي معروضة من قبل مؤيدي تطبيق الاعراف التجارية الدولية؛ فاذا واجه الفرقاء صعوبة في تحديد القانون المطبق، يمكنهم اختياره بانفسهم، بدون اعتبار ان الحد من الحرية التعاقدية في بعض الدول، مشكلة خاصة بالتجارة الدولية، بل انها تشمل العديد من القطاعات الاخرى.

كما يشكك هؤلاء في كون استقلالية الاعراف التجارية الدولية، تؤمن حلولا فعالة للمشاكل المطروحة. ويقولون ان تعددية الصيغ والعبارات النموذجية والاعراف والتقاليد وازديادها بشكل مستمر، ليست ذات اثر كبير. فالدراسات الكثيرة والمعمقة لم تساهم في بلورة الطبيعة القانونية لهذه المظاهر من التجارة الدولية. وبالتالي فان اسناد المحكمين قراراتهم التحكيمية الى اعراف التجارة الدولية هو اسناد خاطىء. كما يطال الانتقاد ايضا صفات الاعراف التجارية الدولية وليس فقط طبيعتها القانونية. فالمفهوم غير دقيق Trop vague . وبالتالي يصعب اختيار القانون ذات العلاقة. كذلك المبادىء القانونية العامة، التي تعتبر جزءا من الاعراف التجارية الدولية، مثل مبدأ " العقد شريعة الطرفين " Pacta sunt servanda هي غامضة ايضا وغير دقيقة. فعدم الثبات الناشىء عن تطبيق قواعد القانون الدولي الخاص الداخلية، كقاعدة التنازع ( او الاسناد ) مثلا، لا يجب الاستعاضة عنه بالاستناد الى اعراف التجارة الدولية المولدة بذاتها لعدم استقرار قانوني. هذا فضلا عن ان الاعراف التجارية الدولية لا تشكل نظاماً ممنهجاً Ordre systématique وطابعها غير المكتمل يستوجب دائما العودة الى التشريعات الوطنية. الا ان هذه المسألة الاخيرة يمكن تجاوزها ، اذا اعتبرنا " القانون الموحد " Loi uniforme من ضمن الاعراف التجارية الدولية، حيث تصبح هذه الاخيرة اطارا قانونيا عاما، تنتفي الحاجة معه للعودة الى اي قانون داخلي وطني.

تبقى مسألة المشروعية، فكيف يمكن تصنيف ما ينتج عن " القانون الموحد" كمصدر للقانون؟

اما فيما يتعلق بالتقاليد والنماذج والعبارات النموذجية المستعملة في التجارة الدولية، فانه تطرح بالاضافة الى المشاكل السابقة مشكلة على مستوى العدالة. فالمصادر المعددة اعلاه للاعراف التجدارية الدولية، قد ترتكز الى عدم مساواة في القدرة على التفارض، لان مؤيدي الاعراف التجارية الدولية، لم يتوصلوا لغاية الآن الى وضع قواعد تحول دون بلوغ حد من التعسف في التفاوض.

واخيرا يقول المعارضون للاعراف التجارية كنظام مستقل، انها تشكل فقط قانونا بالمعنى السوسيولوجي للكلمة.

ثالثا : النتيجة:

ان الاهمية العملية من التصنيف القانوني للاعراف التجارية الدولية يختلف من نظام الى آخر. فحسب " نظام روما – 1 " Règlement de Rome I (593 / 2008 ) ، لا يمكن لفرقاء العقد اختيار قانون خارج قوانين الدولة، لان النظام لم يطبق المادة 3، مقطع 2، من الاقتراح المقدم من اللجنة.

هذا الاقتراح يقضي بانه يعود للفرقاء اختيار قانون مطبق يشمل المبادىء والقواعد القانونية المادية التي تحكم العقود المعترف بها دوليا؛ والمقصود هنا " القانون الموحد " . ولكن حنى بوجود الاقتراح لا يمكن للفرقاء اختيار " الاعراف التجارية الدولية " كقانون مطبق على النزاع. الا ان بعض المحاكم في المانيا تعير اهمية لوسائل التجارة الدولية، التي تشكل بالنسبة لكثيرين جزءا من " الاعراف التجارية الدولية " ، فتوصف بانها بنود عقدية، او اعراف تجارية؛ وفي بعض الحالات القليلة قانون عادات. وتطبق بهذه الصفات في اطار النظام القانوني الداخلي. فاذا تم اعتبارها كبنود عقدية نموذجية، تخضعها المحكمة الى رقابة العدالة والانصاف. ويتم انكارها اذا كانت متعارضة مع القواعد الالزامية. فاذا كان اختيار " الاعراف التجارية الدولية " كقانون مطبق على النزاع جائزا، تميل بعض المحاكم الالمانية الى استبعاد تطبيق القواعد الالزامية في قانون الدولة، فقط في حال توافر شروط المادة 3، المقطع 3 و4 من المادة 9 من نظام روما – 1 Règlement de Rome I (593 / 2008 ) .

بالمقابل في التحكيم، ان اختيار " الاعراف التجارية الدولية " كقانون مطبق على النزاع معترف به امام عدة محاكم ( المادة 28 من القانون النموذجي CNUDCI الخاصة بالتحكيم التجاري الدولي، المقطع ZPO 1051 ). تبقى مسألة وحيدة عالقة وهي معرفة ما اذا كان المحكم يمكنه ان يطبق الاعراف التجارية الدولية بمعزل عن اختيار صريح من الفرقاء.

لا يمكن الخروج بحل موحد وسط اختلاف الآراء بين مؤيدي ومعارضي " الاعراف التجارية الدولية " كنظام قانوني مستقل. فالقانون والاقتصاد ليسا متفقين على هذه المسألة. ان التعددية القانونية اثارت عددا من الاسئلة التي لم تجد لها اجوبة. لم نجد لغاية الآن حلولا واضحة. فمن يتبعون النظرية التقليدية للمصادر القانونية، يرفضون الآراء السوسيو ـ اقتصادية والبراغماتية التي تعتبر " الاعراف التجارية الدولية " مجرد ظاهرة اجتماعية، لا يمكن توصيف طبيعتها القانونية.

بالمقابل، فالذين يرفضون اعتماد النظرية التقليدية للمصادر القانونية ويعتمدون النظرية الحديثة، لم يفسّروا لغاية الآن سبب تطبيق هذه النظرية على مظاهر دولية، اذ انه لا توجد نظرية واحدة معتمدة دوليا للمصادر القانونية في ظل العولمة.

فمنذ العام 1990، اصبح النزاع مطروحا ضمن اطار اكثر اتساعا؛ هو عدم حصر القوانين في اطار الدولة كأثر مباشر للعولمة ووضع قواعد خاصة بعيدا عن اطار الدولة. بعض الامثلة على القواعد الخاصة ما تمّ اعتماده في قانون الرياضة بالنسبة للجمعيات الرياضية الدولية " Lex sportive "، كما في قوانين حوكمة الشركات.

ليس ممكنا الآن الاجابة عن سؤال ما اذا كانت " الاعراف التجارية الدولية " تشكل نظاما قانونيا مستقلا، لانه لا يمكن معرفة ذلك، قبل توضيح مفهوم " الدولة " الحديثة في ظل العولمة واثر المفاهيم الوطنية على العلاقة بين الدولة والقانون. فمهوم الاستقلالية ليس واضحا بصورة كافية لغاية الآن، على الاقل على مستوى القانون المقارن، عسى يصبح في المستقبل اكثر وضوحا فتنجلي الصورة وتستقيم الامور هذا فضلا عن صعوبة اثباتها. وهذا يشكل موضوعا لمداخلة جديدة.