خاص- كيف تواجه الشعوب أزماتها وتنتصر - التجربة البلجيكية مثال حيّ - بقلم المحامي فؤاد الأسمر

  • شارك هذا الخبر
Saturday, March 30, 2024

من الضروري التعلم من تجربة بلجيكا، التي تشبه كثيراً واقعنا، وهي التي عانت انقساماً حاداً بين مكوناتها هدد وجودها، فواجهته ونجحت بانقاذ كيانها.

بلجيكا دولة صغيرة تقع في قلب أوروبا، تبلغ مساحتها 30500 كم٢، ويبلغ عدد سكانها حوالي احدى عشر مليون نسمة. خضعت لعصور طويلة للاحتلال. انفصلت عن هولندا عام 1830 وأعلنت استقلالها، ومنذ ذلك التاريخ عُرِفَت بلجيكا بشكلها الراهن.
تعيش على أرضها ثلاث قوميات هي: ١- فلامان Flamands، من أصول جرمانية، يتكلمون الهولندية ويشكلون ٦٠٪؜ من السكان. 2 - والون Wallons (القومية الثانية في البلاد) قريبون من الفرنسيين، ولغتهم الفرنسية. ٣- جرمن Germanophones، وهم الأقلّ عدداً، من أصل ألماني ويتحدثون الألمانية.

بالرغم من الدستور والقوانين العادلة في البلاد، لطالما اعتبر الفلامان أنفسهم مضطهدين، لأن السلطة كانت في الغالب بيد الوالون، بسبب التأثير الفرنسي الكبير على الدولة، وقد تفاقم الانقسام إلى حد الكراهية المتبادلة بين القوميتين، وشمل مختلف أوجه الحياة لاسيما السياسية منها. وبينما يميل الفلامان بغالبيتهم إلى اليمين، يميل الوالون بأغلبيتهم إلى اليسار وخاصة الاشتراكية.

شهدت بلجيكا لعقود صدامات دموية عنيفة بين القوميتين، انهارت معها الدولة وهددت وحدتها وكيانها.

أولى الاجراءات الإصلاحية ابتدأت في سبعينيات القرن الماضي مع انشاء ثلاث مناطق ثقافية هي: منطقة الفلامان ومنطقة الوالون ومنطقة بروكسل. ومُنِحَت منطقتا الفلامان والوالون صلاحيات لا مركزية، وجرى توسيع هذه الصلاحيات تباعاً من قبل الحكومات اللاحقة.

خففت هذه الإصلاحات من حدّة الحساسيات القومية انما لم تلغها، مما أرغم السلطات على اجراء تعديل دستوري في العام 1993، بحيث تبنّت بلجيكا نظام الدولة الإتحادية الذي ينسجم مع واقعها التعددي وألغت نظام الدولة المركزية الذي كانت تعتمده.

أنهى الدستور الجديد عقوداً من الكراهية والصدامات، وساهم بارتقاء بلجيكا إلى مصاف أهم الدول حضارة وديمقراطية، وتبوأت موقع عاصمة الوحدة الأوروبية، كما تعتبر اليوم من بين الدول الأكثر ازدهاراً وأمناً واستقراراً.

فهل من مخلصين يسعون بجدّ إلى حماية لبنان ونهضته عبر التعلم من التجارب الناجحة والاقتداء بها؟