الياس الزغبي- على طريق التحرير الثاني

  • شارك هذا الخبر
Friday, December 3, 2021

إذا كان المشهد اللبناني تكاد تختصره اليوم استقالة (بل إقالة) القرداحي، فإنّ الحقائق السياسية الإقليمية والدولية بمشهدها المتداخل تجعل من هذه (الإست...إقالة) تفصيلاً صغيراً، كان من الممكن أن يكون لها وقع أقوى وصدى أبعد لو حصلت في وقتها المناسب.
أمّا توقيتها الآن فيكشف هشاشة صاحبها كأداة مقارعة على قارعة المصالح، كما يكشف هشاشة الفريق السياسي - العسكري الذي تبنّاه واستخدمه حتّى الرمق الأخير.
وأشدّ ما يُثير الاستخفاف بسقوط وزير هو جعله ورقة في جيب الزائر الفرنسي إلى المملكة العربية السعودية، لأن الملفّات الفرنسية الخليجية، بما فيها من دسم الاستثمارات والأموال والصفقات التجارية الكبرى، تحوّل هذه الورقة إلى تفصيل عابر على هامش الأساسيّات، وجيوب ماكرون مليئة إلى درجة التخمة.
لكنّ المشهد الأوسع يكمن في إثبات قدرة المجتمع الدولي على تقليم أظافر إيران مقابل تشدّدها في مفاوضات ڤيننا، وهي تدفع الآن في لبنان، مع ذراعها "حزب اللّه" وملحقاته، ثمناً سياسياً واضح المعالم، برضوخها لقرار قبع القرداحي بدلاً من قبع البيطار، والبحث عن ترضية ما بمقايضة فاقعة بين اجتزاء صلاحيات القاضي العدلي والطعن في تعديلات قانون الانتخاب، فينال "حزب اللّه" بعض العزاء عن إخفاقاته، ويحصل "تيّار العهد" على حصر خطر اقتراع المغتربين في الدائرة ١٦، وربّما بوعد ضمني في شأن الوراثة الرئاسية.
هذه الترضية التي يبحث عنها طرفا "تفاهم شباط" فرضت إطاحة وزير الإعلام من جهة، وإصدار بيان لافت من وزارة الخارجية يدين الاعتداءات "الإرهابية" الحوثية على السعودية (عبارة يستخدمها لبنان الرسمي للمرّة الأُولى).
في الظاهر، يمكن إدراج هذين التراجعَين في خانة التكتيك السياسي الداخلي لاحتواء الأزمة مع الخليج العربي، لكنّهما مؤشران عميقان إلى مدى فاعليّة المجتمع الدولي في إدارة الأزمات الإقليمية والدولية حين يحزم أمره.
وهنا لا يمكن تجاهل حضور الڤاتيكان ودبلوماسيته الهادئة والقوية في تحديد الاتجاهات وبسط المظلات الوقائية حين يتعلّق الأمر بمصير لبنان.
ويسهل تلمّس هذا التأثير الڤاتيكاني في دفع فرنسا ومرجعيات دولية أُخرى نحو العمل لكسر شوكة القوى الضاغطة على القرار اللبناني.
إنّ (است... إقالة) القرداحي، وما وراءها وبعدها وحولها، تشكّل حلقة صغيرة في مسيرة انتشال لبنان من براثن إيران.
فمرّةً ثانية، بعد ال٢٠٠٥، يتّجه المجتمع الدولي ومعه الدول العربية الطليعية، إلى تخليص لبنان وتحريره من الاحتلال الذي يخنقه.