نبيل المقدم: كتابة البورتريه تحتاج إلى شعور متبادل بعمق مع مَن تكتب عنهم

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, April 20, 2021


حوار أسعد هاني الحلبي

كتابة "البورتريه" أو البروفايل ليست منتشرة على نطاق واسع في الصحافة اللبنانيّة والعربيّة. قليلون هم مَن اهتموا بهذا النوع من الكتابة وأتقنوه. من هؤلاء الذين تميّزوا بهذا النوع من فن الكتابة الصحافيّة الصحافي والكاتب "نبيل المقدم" الذي في جعبته مئات المقالات من البورتريه، سواء التي صدرت في العديد من الصحف اللبنانية. أو التي صدرت في كتاب يحمل عنوان "وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية". والذي يوثق فيه المؤلف سيرة شخصيات عاشت الحرب اللبنانيّة ولعبت فيها أدواراً هامة فيها، وهي تكشف معلومات لديها تُحكى للمرة الأولى.
حول سبب اختياره هذا النوع من الكتابة وتفرّده تقريباً بالاهتمام بهذا النوع من الكتابة في الصحافة اللبنانية. كان هذا الحوار مع الصحافي والكاتب. نبيل المقدم .
هل من تعريف لهذا النوع من الكتابة في عالم الصحافة؟
البورتريه أو الصورة القلميّة هو أسلوب الكتابة بطريقة "السهل الممتنع"، والتي تتناول سيرة شخصية مؤثرة في أحداث هامة وإبراز سماتها وملامحها. وتقديمها للقارئ بعيداً عن الطريقة الجافة والصارمة. وبأسلوب يعتمد على القدرة في الوصف والبراعة في هذا الوصف. إضافة إلى القدرة على ربط الاحداث بطريقة شيّقة تلفت انتباه المتلقي.

ما هو الفرق بين القصة الصحافيّة وكتابة "البروفايل" أو البورتريه؟
الفرق هو أن القصة الصحافيّة تكون عادة أصغر وأقل تفاصيل. أما في كتابة البروفايل فهو سرد تفاصيل حياة شخصيّة ما بحيث يحتاج الكاتب إلى أخذ التفاصيل كاملة والغوص عميقاً داخل الشخصيّة التي يكتب عنها ومراقبة ملامحها وانفعالاتها، أثناء الحديث وترجمتها بلغة شيقة تكسر الرتابة في السرد وتبرز جماليّة تعاقب الأحداث. بحيث تبدو القصة مثيرة للاهتمام. لذلك فإن هذا نوع من الكتابة يتطلب مجموعة من المهارات، بحيث يتمكّن كاتب البروفايل من الإحاطة بكل التفاصيل المحيطة بالشخصية التي يكتب عنها. بحيث تظهر قدرته على التقاط مشاعر الشخصية، وفي وصف التفاصيل من دون أن يعطي آراءه الخاصة.

المتابع لسيرتك المهنية يعرف أنك لم تختص بنوع واحد من أنواع الكتابة الصحافية. فأنت كاتب ومحلل سياسي. ولك محطات بارزة في الصحافة الاستقصائيّة. كما كان لك أيضاً محطات في الصفحات الثقافيّة. لماذا تحاول أن تحصر هويتك بنوع محدّد من الكتابة الصحافية؟
أنا لا أحاول أن أحصر نفسي في نوع معيّن الكتابات بدليل أنني عملت في جميع مجالات الصحافة تقريباً، كما تقول. وكانت لي إطلالات مميّزة في جميع هذه المجالات. هذا من ناحية أما من ناحية أخرى. فإن كتابة البروفايل أو البورتريه هو متولد من شغف أو عشق خاص لهذا النوع الكتابة. فأنا أساساً من محبي قراءة السيرة الذاتية. والقصة بدأت من خلال متابعتي لكل ما كتب وقيل عن الحرب اللبنانية، بحيث وجدت أن الكثير من الأحداث التي حصلت يتم تناقلها بطريقة يشوبها الغموض وعدم الإقناع في الحديث. ومع ذلك فإنها تحوّلت الى ما يشبه المسلمات في ذهن الجمهور، والذي لم يسمح لعقله بمحاكمة هذه الروايات وتصفيتها من الشوائب. هذه الروايات المشكوك بصحتها كانت دافعي للبحث عن الرواية عند أصحابها الحقيقيين أو ممن كانوا على مسرح الأحداث في تلك الفترة وكانوا على اطلاع على التفاصيل. وهم احتفظوا بمشاهداتهم لأنفسهم أو في نطاق ضيق. ولم يحاولوا كشفها للرأي العام. انطلاقاً من هذه الفكرة كان لي عدد من "البورتريهات" في جريدة السفير أولاً. قبل أن تتوسّع الفكرة إلى مشروع أكبر هو كتاب بعنوان "وجوه وأسرار من الحرب اللبنانية" صدر منذ حوالي أربع سنوات وكان له نجاح واسع وتناولته الصحف بكثير من الاهتمام. نظراً لغنى المعلومات التي تضمّنها والتي تُحكى للمرة الأولى. وهو شكل التجربة الأولى في لبنان من هذا النوع.

*التجربة عندك لم تقتصر على كتابة "بروفايل" لشريحة واحد من الأشخاص بل شملت شرائح متعددة من الشخصيات. ألا يُعتبر هذا نمطاً فريداً من العمل الصحافي؟
صحيح ما تفضّلت به. الخوض في كتابة البورتريه أو البروفايل عندي لم يقتصر على شريحة واحدة من الاشخاص. هناك الكثير من الشخصيات التي كتبت عنها لا علاقة لها بالسياسة او بالأحداث اللبنانية. ففي جعتبي مثلاً كتابات تناولت سير فنانين لبنانيين من أيام الزمن الجميل يروون فيها صفحات من حياتهم الممتلئة إشراقاً. كما أعتز بكتاباتي عن حرفيين وأصحاب مهن انقرضت أو تكاد تنقرض. هؤلاء أيضاً تنتابك مشاعر السعادة وأنت تكتب عنهم. وأخيراً كان لي شرف المشاركة في كتابة السيرة الذاتية لشهداء انفجار مرفأ بيروت بالاشتراك مع مجموعة من الزملاء الصحافيين، والتي ستصدر بكتاب في وقت قريب.

*لا شك في أن تجربتك الأخيرة تختلف عما سبقها من تجارب أليس كذلك؟
طبعاً هي تجربة تختلف عما سبقها. هؤلاء ليسوا من المشاهير أو من صانعي الأحداث في لبنان. هم أشخاص عاديون. قضوا في لحظة غير منتظرة. أشخاص كانوا يتمتعون بأعلى قدر ممكن من الطاقة والحيويّة. وكانوا يعيشون حياة دافئة في محيط يبادلهم الحب والاهتمام. أشخاص كانوا يستفيقون صباحاً وينطلقون إلى أعمالهم وأشغالهم ومدارسهم وجامعاتهم. وفجأة انقلب المشهد وتحولت حياة عائلاتهم مأساة. الدخول الى عام هؤلاء لم يكن سهلاً في ظل أجواء الحزن والألم التي خلّفها غيابهم. كان عليك أولاً أن تكتسب ثقة ذويهم وأهاليهم. بحيث يشعرون بنبل الهدف الذي تعمل من أجله. وهو إبقاء هذه القضية حية، من اجل الوصول للعدالة وتطبيق القانون على كل من تثبت إدانته في هذه الجريمة.

*قلة من الصحافيين في لبنان من اهتمت بهذا النوع من الكتابة، برأيك لماذا؟
أوافقك على رأيك. ربما لأن هذا النوع من الكتابة يحتاج الى موهبة خاصة ومهارات من نوع معين. لذلك ترى أن قليلين هم الصحافيون في لبنان والعالم العربي الذي يضعون كتابة "البورتريه" في أولويات عملهم المهني. أنا أعتقد أنني الأول والأبرز في لبنان على هذا الصعيد. على أمل أن تتوسع الدائرة ويتشارك في صنعها أكبر عدد من الصحافيين والإعلاميين. فهذا النوع من الكتابة يستحق الاهتمام.