خاص- د. مارديني: نحن نمر بأصعب أزمة مالية عبر التاريخ اللبناني... والحل يكمن باعتماد مجلس النقد

  • شارك هذا الخبر
Thursday, October 8, 2020

خاص-
حسين الحاج حسن

لا شك في أن الشعب اللبناني أدرك فعلياً ان وطنه أصبح في مأزق عميق لا خروج منه قبل سنوات عديدة، ومع ذلك تكثر الأحاديث والتحليلات السياسية والاقتصادية التي تكاد تكون صحيحة لكنها لا تقدم أي جديد للبنانيين او تعرض لهم خطة عمل إنقاذية فعلية لما يمكن فعله لتجنب المزيد من الانهيار.
الخبير الاقتصادي د. باتريك مارديني، وهو رئيس المركز اللبناني لدراسات السوق يعبّر عن أسفه وحزنه في لقاء خاص الى ما آلت اليه الأمور في لبنان على الرغم من جميع التحذيرات التي وصلت للطبقة الحاكمة على مدى سنوات.
"نحن نمر بأصعب أزمة مالية لم نشهد لها من مثيل عبر التاريخ اللبناني"، هكذا يبدأ د. مارديني حديثه عن الوضع الراهن. يتابع "بكل بساطة، ولمدة ثلاثين عاماً ونحن نراكم الدين العام. أما اليوم وقد حان وقت الدفع، وجدنا اننا لم نعد نملك المال الكافي للسداد. ثلاثون عاماً كانت الدولة اللبنانية خلالها تستدين من دون أي قطع حسابات او إنفاق رشيد، بل على العكس كانت تذهب هذه الأموال هدراً وإلا لو أنها وضعت لتحسين قطاع الكهرباء والاتصالات والمياه والبنى التحتية، لكان اليوم وضعنا أفضل لأن القدرة الإنتاجية للبلد قد تساعد في سداد الدين العام."
يعتبر د. باتريك اننا نعيش اليوم مرحلة افلاس دولة او ما يسمى بال default وهو ليس بالأمر الجديد عالمياً. فعبر التاريخ، العديد من الدول وصلت لمرحلة الافلاس والبعض منها استعاد عافيته ولو ان ذلك أخذ منها ما بين الخمس والعشر سنوات على سبيل المثال لا الحصر دول مثل ايرلندا، بريطانيا، بلغاريا وسواها. كما ان هنالك دولاً أفلست ولم يعد بقدرتها الخروج من أزماتها متل زيمبابوي وفنزويلا اللتان دخلتا الازمة ورفضتا إجراء أي إصلاحات بنيوية بل ان النفقات استمرت بالارتفاع، وبقيت الايرادات تصرف على مشاريعَ جزءٌ منها هو هدرٌ للمال العام، ما اوصلهما الى ان تصبحا دولاً فاشلة.
في الرابع من آب من هذا العام، هز انفجار مرفأ بيروت العالم بأسره وأصبح اللبنانيون يعيشون تحت سندان الموت إما جوعاً او قتلاً.
على إثر هذا الحدث المروّع، وما سببه من خسائر في الأرواح اولاً وفي المنشئات والمباني والمحال التجارية والمؤسسات، هبت العديد من الدول والجمعيات الدولية لمساعدة لبنان والشعب اللبناني في محنته. يقول د. باتريك مارديني في هذا السياق أن "الاقتصاد اللبناني ما قبل الانفجار كان يمر بأزمة كبيرة انعكست على الواقع النقدي والمالي. قبل الرابع من آب، عدد كبير من الشركات أعلنت افلاسها وأقفلت أبوابها بحيث انها لم تعد قادرة على صرف منتجاتها او دفع ايجاراتها والمصاريف المترتبة عليها. في المقابل كان هناك عدد من الشركات التي كانت تنازع أي تلك التي كانت تمر بوضع سيء لكنها عمدت الى خفض النفقات قدر الإمكان حتى تستمر خلال المرحلة الصعبة."
يتابع مارديني "أتى انفجار بيروت ونسف معه ما تبقى من تلك الشركات والمؤسسات ومن قدرتها على البقاء والاستمرار وبالتالي فإن الازمة الاقتصادية من الطبيعي انها ستتعمق أكثر وأكثر وتزيد على حساب المواطن اللبناني."
فيما يخص المساعدات التي قدمت الى لبنان وعن قدرتها على دعم هذه البلد ولو مؤقتاً، يعتبر د. مارديني انه لا بد من الإشارة اولاً الى ان الناس لم تعد تملك مالها الموجود في المصارف، فلو انه سمح لها بشكل طبيعي بسحب ودائعها بالعملة الصعبة لكان باستطاعتها ان تعيد بناء وترميم منازلها ومحالها ومؤسساتها ولو بشكل جزئي لان أسعار جميع المواد التي نستعملها، وهي مستوردة، تدفع بالدولار. يتابع د. باتريك مارديني: "نحن بلد ننتج خدمات سياحية، صحية ومصرفية. وبما ان هذه الدولارات غير متوفرة لأن الدولة اللبنانية استدانتها وصرفتها وبالتالي البنوك انكسرت ولا تملك أموال الشعب اللبناني بعد اليوم، من هنا تبقى احدى الخيارات للمساعدة أمام الدولة تبقى من خلال السماح للمودعين ان يسحبوا أموالهم على سعر صرف 7500 ليرة."
"لكن ما سينتج عن ذلك"، حسب مارديني "هو مزيد من طباعة الليرة وبالتالي زيادة في التضخم. ولذا أعتقد، ونتيجة لهذا الانفجار، فقد نشهد قريباً زيادة في الضغط على صرف الليرة وبالتالي تدهور إضافي في سعر الصرف أكثر فأكثر."
في هذا السياق ايضاً، يؤكد د. باتريك ان المساعدات التي أتت عقب الانفجار الأليم كانت مهمة جداً وأساسية لكنها غير كافية لتحل أي من أزمات لبنان. ما كان يملكه لبنان قبيل الانفجار من قمح او أدوية او أي احتياطي قد تدمّر او أتلف بعد الحادث وبالتالي فان الدولة لم تكن في الأساس بحاجة لمزيد من القمح مثلاً. وهنا يأتي دور المساعدات التي قللت من الخسائر وبالتالي خففت الضغط عن كاهل الشعب اللبناني ولكن فعلياً هذه المساعدات لم تحمل أي نتيجة إيجابية اضافية للاقتصاد اللبناني.
لتوضيح الأمر بشكل أبسط، فلنفترض ان لبنان كان في المرتبة العشرون ما تحت الصفر، ثم أتى الانفجار لتتدنى مرتبته الى ما دون الأربعين تحت الصفر، أما الان ومع المساعدات فأصبحنا في المرتبة ثلاثون تحت الصفر وبالتالي أتوقع ان الازمة ستكون أعمق بفعل الانفجار رغم المساعدات لأنها تساهم في خلق نمو جديد او في تحسن سعر صرف العملة على سبيل المثال لا الحصر.

ورداً على سؤال بما خص التأخير في تشكيل الحكومة، يجيب مارديني ان لبنان بحاجة ماسة وفورية الى حكومة بطبيعة الحال من اجل التفاوض مع صندوق النقد الدولي. جميع الآمال معقودة على ان نصل الى اتفاق يفتح المجال للدولة اللبنانية ان تأخد قروضاً من صندوق النقد بما يعنيه ذلك ان لبنان قام فعلاً بالإصلاحات الضرورية المطلوبة. عملياً، فإن صندوق النقد الدولي لا يعطي أي قرض او دعم من دون وجود اصلاحات وبالتالي فإن أي اتفاق معه هو أيضاً صك براءة دولية بأن هذه الدولة باتت على الخطى الصحيحة ما يفتح الأبواب لمزيد من المساعدات الدولية وبالتالي فإنه من الضروري لنا كلبنانيين ان نصل الى هكذا اتفاق ومجدداً الاتفاق يحتاج الى وجود حكومة فاعلة يثق بها المجتمع الدولي ولكنه ايضاً لا يريد حكومة تهوى الكذب او تدعي الرغبة بالإصلاح لكن هدفها فقط يبقى المال.
في خضام هذه الأزمة الحادة، قام المركز اللبناني لدراسات السوق بتشريح الوضع الراهن ووضع اقتراحات قد تكون حلاً لخلاص لبنان. يعتبر د. باتريك مارديني ان لبنان يمر حالياً بثلاث أزمات أساسية وهي أولاً الأزمة النقدية أي أن الليرة اللبنانية تخسر قيمتها وبالتالي الاسعار ترتفع، ثانياً الأزمة المالية أي ان الدولة لا تملك المال الكافي لدفع ديونها في المقابل لا تملك المداخيل الكافي، وأخيراً الأزمة المصرفية أي ان البنوك لا تملك المال المطلوب لسداد حاجة المودعين والزبائن.
فيما يخص الحلول، يقترح المركز اللبناني لدراسات السوق اولاً باعتماد مجلس نقد او currency board وهو ما يسمح للدولة اللبنانية ان توقف التضخم المفرط والتدهور المستمر في سعر صرف الليرة. إضافة الى ذلك فان المجلس المقترح هو باب عملي من أجل تحسن صرف العملة. فمجلس النقد يقوم على مبدأ ان المصرف المركزي لا يسمح له بطباعة مزيد من العملة لمجرد ان الدولة اللبنانية تطلب منه ذلك، بل يقوم بذلك فقط حينما تتواجد كتلة نقدية من العملة الصعبة مقابل كل ليرة لبنانية.
فيما يخص الموضوع المالي، فان الدولة اللبنانية مشكلتها الأساسية تتلخص بالاحتكار. في قطاع الكهرباء على سبيل المثال، الدولة صرفت أكثر من نصف الدين العام وفشلت فشلاً ذريعاً في ادارته بالشكل الصحيح. الأمر نفسه ينطبق على قطاعات المياه، الاتصالات، الطيران، البنى التحتية وسواها. الدولة اللبنانية تحتكر جميع هذه القطاعات وهي تديرها بشكل سيء وبالتالي فإن المردود الإنتاجي يبقى غير كافٍ وبالوقت عينه يحصل المواطن على خدمة سيئة. الحل هنا يبدأ عبر تحرير هذه القطاعات وفتح الباب للمنافسة امام الشركات الخاصة لإنتاج وادارة الكهرباء والاتصالات والطيران وبعدها يعود للمواطن الخيار بالشراء من شركة "أ" او شركة “ب“.
نهاية فيما يخص الأزمة المصرفية، الحل يكمن عبر فتح القطاع المصرفي أمام المنافسة الأجنبية ايضاً وبالتالي السماح بدخول البنوك الأجنبية الى السوق اللبناني والتي ستدخل معها سيولة بالعملات الأجنبية على عكس البنوك المحلية التي هي في حالة شبه افلاس. حينها فقط يستطيع هذا القطاع استعادة بعض من حيويته ونشاطه.