مطارنة الانتشار يقودون معركة اشراك المغتربين ويوجهون رسالة للرؤساء- بقلم دنيز عطالله

  • شارك هذا الخبر
Friday, July 4, 2025

لا تنظر الكنيسة المارونية إلى إشراك اللبنانيين المغتربين في انتخاب 128 نائبا كتفصيل تقني ولا حتى كمطلب سياسي في سياق الصراعات وموازين القوى وتسجيل النقاط. تقارب الموضوع كقضية كنسية وانسانية ووطنية انطلاقاً من كونه "فعلا رعويا" وصولا إلى ربطه بـ"إعادة التوازن وضمان استمرار المسيحية اللبنانية في قلب الشرق".

تدرك الكنيسة المارونية، ومعها سائر الكنائس الشرقية، بحكم انتشارها الواسع وامتدادها التاريخي، أن الكتلة الأساسية من المغتربين اللبنانيين هم من المسيحيين، وقد لعبوا دوراً مفصليا في دعم لبنان سواء عبر التأثير السياسي في دول الانتشار أو عبر الدعم المالي ومشاريع التنمية. وهي تحرص على إبقاء "الحبل السرّي" موصولاً بين الأجيال المهاجرة ووطنها "الروحي والتاريخي"، مما يحصّن الهوية اللبنانية، خصوصاً لدى الأجيال المسيحية الشابة، التي يسهل اندماجها وذوبانها في البيئة الغربية.

تذهب الكنيسة بعيداً في تبني مطلب انتخاب الـ128 نائباً والضغط باتجاهه. ولن تكون آخر المحاولات الرسالة التي وجهها مطارنة الانتشار إلى كل من رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية.



رسالة إلى الرؤساء

حصلت "المدن" على نص الرسالة التي وجهت إلى الرئيس جوزاف عون وقد جاء فيها:

"نحن الموقعون أدناه، الأساقفة الموارنة في بلدان الانتشار، بناءً على المؤتمر الّذي عقدناه في الأوّل والثّاني من شهر حزيران 2025، في لبنان، وبعد التشاور والتداول، نرفع إلى فخامتكم هذا الكتاب، وقد وجّهنا نسخة منه إلى كلٍّ من رئيس المجلس النيابي الأستاذ نبيه برّي، ورئيس الحكومة الأستاذ نوّاف سلام، والكتل النيابيّة، مطالبين بموجبه بإلغاء المادّة 112 من قانون الانتخابات الحالي الّذي حدّد المقاعد المخصّصة في مجلس النوّاب لغير المقيمين بستة مقاعد أو ما يعرف بالدائرة 16 وذلك للأسباب التالية:

أوّلاً: في مخالفة الدستور والقوانين النافذة
حيث إنّ المادّة الثالثة من قانون انتخاب أعضاء مجلس النوّاب نصّت صراحةً على أنّه يحقّ لكلّ لبناني أو لبنانية أكمل السنّ المحدّد في الدستور سواءً أكان مقيمًا أم غير مقيمٍ على الأراضي اللبنانيّة، ومتمتّعًا بحقوقه المدنيّة والسياسيّة، أن يمارس حقّه في الاقتراع.



وحيث أنّ الفقرة باء من المادّة الثانية من قانون الانتخاب نصّت على أنّ جميع الناخبين على اختلاف طوائفهم يقترعون في الدائرة الانتخابيّة للمرشّحين عن تلك الدائرة.



وحيث إن القوانين الانتخابيّة النافذة تنصّ على اقتراع كلّ مواطن لبنانيّ مقيم في لبنان، للمرشّحين في دائرته الانتخابيّة، وتمنع بالتّالي عليه الاقتراع للمرشّح في دائرة إقامته المعتادة، حيث يعيش ويقيم منذ سنوات ويدفع فيها الرسوم البلدية والمالية.



وحيث إن استحداث ست دوائر انتخابيّة للّبنانييّن غير المقيمين يخالف مبدأ المساواة بين المواطنين أكانوا مقيمين أم غير مقيمين، ويتطلّب تعديلاً دستوريًّا لوثيقة الوفاق الوطني (الدستور) وبالتالي لا يجوز إضافة المقاعد الستة عبر مادّة إجرائيّة في مشروع قانون الانتخاب .



وحيث إّن هذه الخطوة، سينتج عنها إشكاليّات قانونيّة وإجرائيّة لا تحصّ ولا تعد، لاسيّما لجهة عدم وضوح المعايير الّتي وضعها القانون الحالي في تحديد طائفة المقاعد الست في القارّات المختلفة، أو لجهة صعوبة تحديد كيفيّة اقتراع غير المقيمين إن حسب القيد الطائفي، أو بالنسبة لاستحالة تحديد توزيع الدوائر الست المنتخبة وكيفيّة احتساب فوز المرشّحين على أساس النظام النسبيّ والدائرة الانتخابيّة في الخارج، مع ما يشكل هذا الأمر أيضا من مخالفة صريحة للقانون.



ثانيًا: في الحقّ السياسي بالاقتراع في الدوائر الانتخابيّة داخل لبنان


وحيث إنّ استحقاق الانتخابات النيابيّة يعتبر من أهمّ الاستحقاقات الديمقراطيّة في أي دولة، وخصوصا في لبنان، حيث تعكس مشاركة المواطنين مقيمين وغير مقيمين، محطّة بارزة في انتخاب مجلس نيابي يشكّل محور العمل التشريعيّ الرقابيّ داخل النظام البرلماني اللّبناني، وذلك عبر انتخاب مرشّحين إلى الندوة البرلمانيّة يتميّزون بالكفاءة والسيرة الذاتيّة الحسنة وبنضالهم السياسيّ والمجتمعيّ من أجل المساهمة في بناء وطن سيّد حرّ ‏مستقل.



وحيث إنّ المشاركة في الانتخابات النيابيّة تجسّد تعلّق اللّبنانييّن في الانتشار بوطنهم الأم، ومساهمتهم عبر تصويتهم في الانتخابات، في تعزيز مؤسّسات الدولة والنهوض بالوطن من جديد ليحتلّ مركزًا مرموقا بين الأمم، فضلا عن تحقيق التوازن بين مختلف الأطياف السياسيّة والمجتمعيّة.

وحيث إنّ حقّ تصويت اللّبنانييّن في الانتشار في الانتخابات النيابيّة، وتحديدا التصويت كلّ حسب دائرته الانتخابيّة في لبنان هو حقّ على الدولة لضمان إيصال المنتشرين لصوتهم والتعبير عن حقّهم باختيار ممثليهم في مجلس النواب، من خلال تمكينهم من التأثير في اتخاذ القرارات على الصعد الوطنيّة كافة ومشاركتهم الفاعلة في انتاج الطبقة السياسيّة في لبنان، وتحديداً تلك الّتي قد يطمئنّ المنتشرون إليها فيستعيدون ثقتهم بدولتهم ومؤسّساتها، الأمر الّذي قد يحثّهم للعودة إلى وطنهم، وهو ما نصبو إليه جميعا.



وعليه، لا بدّ من الإشارة إلى أن إنشاء دائرة مستقلة للمغتربين يؤدي عمليًّا إلى فصل الجسم الانتخابي اللّبناني إلى فئتين: "مقيمين" و"مغتربين"، وهو تمييز غير مبرّر دستوريًّا، لأنّه لا يقوم على معيار موضوعيّ. وهذا التمييز قد يُعرّض النصّ للطعن أمام المجلس الدستوريّ. من المهمّ التنويه إلى أن من يُصنَّفون "مغتربين" ليسوا دائمًا بعيدين أو منفصلين عن واقع لبنان.



إنّ المغترب ليس منقطعًا عن وطنه بل هو امتداد له، وأن مشاركته في الدوائر الوطنيّة هي تأكيد على وحدة لبنان، لا خروجه عنه. فنحن كأساقفة إنتشار لا ننظر إلى المغتربين كمجموعة منفصلة عن الوطن، بل كامتداد حيّ له في الزمان والمكان. فالهجرة لم تكن يومًا نكرانًا للهويّة، بل استجابة مؤلمة لظروف اقتصاديّة أو سياسيّة أو أمنيّة. ولا يصحّ أن يُكافأ هذا الارتباط الحيّ مع الوطن بفصل تمثيليّ يُضعف مشاركتهم بدل أن يعزّزها.

في ضوء كلّ ما تقدّم،وحيث أنّ اللّبنانييّن في الانتشار يتطلّعون إلى المشاركة في الانتخابات النيابيّة المقبلة، انطلاقا من قناعتهم الراسخة بحقّهم في الادلاء بأصواتهم بكلّ حريّة في دوائرهم الانتخابيّة حيث مكان قيدهم في لبنان. لا بدّ من التذكير بالتجربة الانتخابيّة السابقة للمغتربين والإشارة إلى أن اللّبنانييّن غير المقيمين شاركوا فعليًّا في انتخابات 2018 و2022 عبر التصويت من الخارج لمرشحين في دوائر قيدهم الأصليّة. وقد أثبتت هذه التجربة فاعليتها واحترامها لمبدأ وحدة الجسم الانتخابي.



لذلك، فانهم يطالبون بإلغاء المادة 112 من قانون الانتخاب الحالي بشكل نهائي وفقاً لاقتراح القانون المعجّل المكرّر المقدّم من عدة كتل نيابية ونواب مستقلين والمسجّل بتاريخ 9/5/2025، آملين عرض هذا الاقتراح على أول جلسة هيئة عامّة قادمة للمجلس النيابيّ".



وقد وقع على الرسالة كلّ من المطران إدغار ماضي (أبرشيّة سيدة لبنان – البرازيل)، المطران يوحنّا حبيب شاميه (أبرشيّة مار شربل – الأرجنتين، بوليفيا، تشيلي، الباراغوي والأورغواي)، المطران غريغوري منصور (أبرشيّة مار مارون – بروكلين، الولايات المتّحدة الأميركيّة)، المطران الياس عبدالله زيدان (أبرشيّة سيدة لبنان – لوس أنجلوس، الولايات المتّحدة الأميركيّة)، المطران بول-مروان تابت(أبرشيّة مار مارون – كندا)، المطران انطوان شربل طربيه (أبرشيّة مار مارون – أوستراليا، نيوزيلندا وأوقيانيا)، المطران بيتر كرم (أبرشيّة سيدة لبنان – فرنسا)، المطران مارون ناصر الجميل (الزائر الرسولي على أوروبا) ، المطران سيمون فضول(أبرشيّة سيدة البشارة – غرب ووسط أفريقيا) المونسنيور ايلي مخايل (أبرشيّة سيدة شهداء لبنان – المكسيك وفنزويلا)، الإكسرخوس فادي بو شبل (إكسرخوسية كولومبيا، الإكوادور والبيرو).



"تصويت عقابي"!

يأسف عدد من المطارنة من تصوير إشراك المغتربين في الانتخابات "كمصدر قلق للقوى السياسية التقليدية التي تخشى من التصويت "العقابي" أو التغييري الآتي من الخارج. لكن هذا المنطق يحمل في طياته اعترافاً ضمنياً بأن الداخل اللبناني بات محكوماً بمنظومة مغلقة يصعب خرقها ، وأن المنتشرين هم "الخطر" عليها، لا لكونهم غرباء إنما لأنهم أكثر تحرراً ومبدأية ويعلون مصلحة لبنان فقط".

ويؤكد هؤلاء إن "الكنيسة، كمؤسسة تحمل في وجدانها قيم الحرية والكرامة والعدالة، هي في طليعة المدافعين عن حق اللبنانيين المنتشرين بالانتخاب. ليس فقط من منطلق الدفاع عن الحقوق المدنية البديهية، إنما لأن اختيار ممثلي الشعب من كل أبناء الوطن، جزء من مشروع بناء الدولة ومن بقاء المسيحيين في هذا الشرق. والمغتربون الذين راكموا الخبرات والتجارب قي دول القانون، قد يكونوا الأقدر، والأكثر تحرراً، في ضخ روح مختلفة في الحياة السياسية اللبنانية".

المصدر: دنيز عطالله