الأسهم السعودية: 5 عوامل تدعم عودة المؤشر إلى المكاسب

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, July 2, 2025

في تحول درامي ومفاجئ نجحت السوق المالية السعودية "تاسي" في كسر سلسلة طويلة من الخسائر الشهرية التي استمرت 10 سنوات، لتسجل بذلك أول مكاسب شهرية منذ يناير (كانون الثاني) الماضي.

هذا الأداء، الذي لم يكن مجرد تعافٍ عابر، بل يعد الأفضل في خمسة أشهر، توجته مكاسب أسبوعية لم يشهدها المؤشر منذ أكثر من عامين، دافعة إياه للخروج من المسار الهابط الذي أرق المستثمرين، ويعكس هذا الأداء تحولات عميقة في المشهد الاقتصادي والجيوسياسي.

وبحسب ما أفاد به محللون ماليون لـ"اندبندنت عربية" فقد تضافرت خمسة عوامل رئيسة لتشكل قوة دفع وراء هذه الانتعاشة المذهلة.

وتضم هذه العوامل، التهدئة الملحوظة في الأوضاع الجيوسياسية بين إيران وإسرائيل، والحركة الإيجابية لأسعار النفط، وسيطرة شهية المخاطرة على سلوك المتعاملين مما أسهم في الصعود المستمر للأسواق الإقليمية والعالمية، إضافة إلى عودة السيولة الأجنبية، وصدور بيانات اقتصادية محلية مبشرة مثل انخفاض معدلات البطالة.

تعويض الخسائر وارتفاعات قيادية

نجح مؤشر السوق السعودية الرئيسة "تاسي" في تعاملات يونيو (حزيران) في تعويض ما يقارب 12 في المئة من الخسائر التي مُني بها في الأشهر الأربعة الماضية، والتي بلغت 1425 نقطة، ليسجل 11164 نقطة.

وجاء صعود المؤشر بنسبة 1.6 في المئة خلال يونيو مدعوماً بارتفاع سهم مصرف الراجحي بنحو 3.8 في المئة، يليه سهم "البنك الأهلي" بنسبة 4 في المئة، ثم سهم شركة "stc" بنسبة 1.5 في المئة.

في المقابل، شكل قطاع الطاقة ضغطاً سلبياً على المؤشر، بقيادة سهم "أرامكو" الذي تراجع بنسبة 2.7 في المئة، وسهم "أكوا باور" بانخفاض نسبته 1.2 في المئة.

وخلال يونيو، وتحديداً نهاية الأسبوع الماضي، استطاع المؤشر العام "تاسي" تسجيل أعلى مكاسب أسبوعية له منذ مارس (آذار) 2023، مما ساعده على كسر المسار الهابط طويل الأمد، واستعادة مستويات فنية محفزة للشراء.

وعلى رغم ذلك الانتعاش الشهري، فإن السوق المالية السعودية لا تزال تواجه اختباراً أصعب يتمثل في خطر تسجيل مؤشرها الرئيس "تاسي" ثالث خسارة فصلية متتالية، وإنهائه أيضاً تعاملات النصف الأول من العام الحالي على تراجع تجاوز 7 في المئة ليحقق أسوأ أداء نصف سنوي للفترة نفسها منذ عام 2020، مما يجعل من الانتعاش الشهري بارقة أمل لا أكثر، في ظل تقلبات خارجية مستمرة.

موجة تفاؤل عالمية تدعم "تاسي"

ارتبط التحسن في السوق المالية السعودية بموجة تفاؤل عالمية خلال تعاملات يونيو أوسع شملت معظم الأسواق الإقليمية والدولية، مما يعكس تنامي التشابك بين "تاسي" والأسواق العالمية.

على مستوى الأسواق الإقليمية شهدت أسواق المال الخليجية صعوداً جماعياً مدعوماً بتدفقات أجنبية متزايدة، وانخفاض نسبي في التوترات السياسية. أما عالمياً، فارتفعت أسهم التكنولوجيا الأسهم الأميركية إلى مستويات تاريخية جديدة، في وقت تراجعت فيه حدة المخاوف من التصعيد التجاري، واستقرت أسعار النفط، مما دعم الثقة في أسواق ناشئة تعتمد جزئياً على عوائد الخام.

مرونة استثنائية

بدوره أكد عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد للأوراق المالية والاستثمار" وضاح الطه أن الأسواق المالية الإقليمية والعالمية، بما في ذلك السوق المالية السعودية، اكتسبت قدرة فائقة على "استيعاب الصدمات الجيوسياسية" من دون أن تهتز بصورة كبيرة، مشيراً إلى أن هذه الصدمات فقدت حدتها وتأثيرها السابق على معنويات المستثمرين.

وأوضح الطه أن الأسواق المالية أظهرت مرونة كبيرة في التعامل مع التوترات الجيوسياسية والصراع الدائر بين إسرائيل وإيران، إذ كان رد فعلها متماسكاً وسريع التعافي. وأشار إلى أن "عودة السيولة الأجنبية" إلى السوق السعودية، تزامناً مع انحسار الضغوط التمويلية، أسهمت بصورة مباشرة في تغيير المزاج العام للسوق نحو الإيجابية.

وأضاف الطه أن جاذبية الأسواق الخليجية، بخاصة الإماراتية، تعد مؤشراً واضحاً على مرونة المنطقة في استقطاب الاستثمارات. ولفت إلى أن الأداء الإيجابي الذي شهدته الأسواق الخليجية، والذي تزامن مع صعود جماعي، جاء كرد فعل على التوترات الأخيرة، لكنه سرعان ما أظهر قدرة على التعافي السريع. وأوضح أن التراجع الذي شهدته بعض الجلسات كان محدوداً نسبياً، وسرعان ما تبعه انتعاش بفضل السيولة القوية، التقييمات الجذابة، والسلوك الاستثماري الإيجابي الذي يميز المنطقة الحالي.

بيئة اقتصادية داعمة

بدوره قال المستشار الاقتصادي محمد الشميمري إن تحسن المؤشرات الاقتصادية الداخلية في السعودية كان له الأثر الأكبر في دعم المؤشر، بما في ذلك تراجع البطالة" وتسارع الإنفاق على مشاريع رؤية 2030.

وأشار إلى أن استقرار أسعار النفط عند مستويات تفوق التقديرات المالية للدولة منح الشركات أريحية في الخطط التشغيلية. وأضاف أن هذه العوامل مجتمعة أسهمت في تعزيز الثقة بسوق الأسهم، لا سيما في قطاعات الطاقة والبنية التحتية.

بوادر تعافٍ

أفاد المحلل المالي وعضو مجلس إدارة جمعية الاقتصاد السعودية سعد آل ثقفان أن السوق المالية السعودية شهدت بوادر تعافٍ ملحوظ، مدعوماً بنتائج قوية للشركات المدرجة، خصوصاً القيادية منها، والتي جاءت أفضل من التوقعات خلال الربع الثاني من العام. وأكد أن هذا الأداء يمثل "دليلاً مباشراً" على صحة الاقتصاد الحقيقي للبلاد.

وأوضح آل ثقفان أن مؤشر "تاسي" يظهر إشارات تعاف واضحة مدعومة باستقرار أسعار النفط عالمياً والارتفاع الذي تشهده الأسواق العالمية. وأضاف أن نتائج الربع الثاني ستكون عاملاً حاسماً في تحديد الاتجاه المستقبلي للسوق مع ترقب خاص لأرباح قطاعي البنوك والبتروكيماويات، والتي قد تتأثر بزيادة الكلفة التشغيلية والضغوط على هوامش الربح.

وأشار آل ثقفان إلى أن التفاؤل في شأن استمرار هذا الاتجاه الإيجابي يعزز من جاذبية السوق للاستثمار المؤسسي.

عودة الثقة الجيوسياسية والسيولة

قال المستشار المالي في شركة "المتداول العربي" محمد الميموني إن هدوء التوترات الجيوسياسية في المنطقة أسهم في تعزيز ثقة المستثمرين بالسوق المالية السعودية وأسواق المنطقة ككل خلال يونيو تحديداً.

وأشار إلى أن اختفاء شبح التصعيد العسكري أسهم في "تراجع الأخطار المحسوسة". وأضاف أن هذا العامل فتح الباب لعودة رؤوس الأموال الأجنبية والمحلية إلى السوق السعودية. وأكد أن السوق تشهد بالفعل بوادر تعافٍ تدريجي، مصحوبة بعودة ملحوظة للسيولة الأجنبية مع بداية انحسار الضغوط الاقتصادية، وتجلى ذلك في ارتفاع ملكية المستثمرين الأجانب لتصل إلى نحو 4.9 في المئة من إجمالي السوق، مما يعكس ثقة متزايدة في قدرة الاقتصاد السعودي على تحقيق النمو.

ارتباط عالمي

قال المستشار المالي محمود عطا إن أداء الأسواق العالمية، لا سيما الأميركية، دعم بصورة غير مباشرة السوق السعودية، بخاصة مع الارتفاعات التاريخية لأسهم التكنولوجيا. وأشار إلى أن الترابط المتزايد بين الأسواق العالمية والمحلية جعل من الصعود الأميركي محفزاً قوياً للسوق الخليجية. وأضاف أن المستثمرين باتوا يتبعون الاتجاهات العالمية، مما يزيد من تأثر "تاسي" بالموجات الكبرى للأسواق.

أثر ترمب والتضخم

وأكد محلل أسواق المال محمد مهدي عبدالنبي أن تصريحات الرئيس الأميركي ترمب الأخيرة في شأن السياسات التجارية خلقت نوعاً من التفاؤل الحذر عالمياً. وأشار إلى أن السوق السعودية غالباً ما تتفاعل إيجاباً مع هذه الحال، خصوصاً إذا رافقتها مؤشرات إلى خفض محتمل للفائدة. وأضاف أن تباطؤ التضخم عالمياً يعزز شهية المخاطرة، ويدفع نحو الأسهم بحثاً عن عوائد أعلى.

مفترق طرق أمام "تاسي"

على رغم مؤشرات الانتعاش القوية التي شهدتها السوق المالية السعودية في يونيو، فإن مسارها المستقبلي لا يزال مشروطاً بعوامل عدة حاسمة. يقف "تاسي" الآن عند مفترق طرق مع نهاية النصف الأول من العام الحالي، فإما أن يواصل التعافي بقوة، أو يعود إلى دوامة التذبذب التي أثرت فيه أخيراً.

ويعد استمرار تدفق السيولة وتحسن أرباح الشركات بصورة مستدامة واستقرار الأوضاع الجيوسياسية الإقليمية، أبرز العوامل التي ستحدد وجهة السوق. ويظل الأداء العالمي لأسواق المال، وتوجهات أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية الكبرى، عنصرين محوريين لا يمكن إغفالهما في تحديد الاتجاه المقبل.


اندبندنت عربية