نظام الأسد إلى الواجهة من جديد... وثائق سرية تكشف خطط الأيام الأخيرة في دمشق!
شارك هذا الخبر
Thursday, June 26, 2025
في الـ 23 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 زار وفد أمني سوري رفيع المستوى مقر وكالة الاستخبارات الخارجية الإيرانية، والتقى رئيس الوكالة محمود صادقي قبل أيام قليلة من اندلاع عملية "ردع العدوان" في الـ 27 من الشهر نفسه، والتي أدت إلى تحرير مدينة حلب ومهدت الطريق إلى تحرير باقي المدن وصولاً إلى دمشق.
وحصلت "اندبندنت عربية" على وثائق أمنية صنفت بـ "سرية للغاية" تضم تقارير أرسلتها إدارة جهاز أمن الدولة للرئيس السوري السابق بشار الأسد قبل هربه إلى موسكو، ولعل المعلومات التي تمكنت "اندبندنت عربية" من الاطلاع عليها رصدت تحركات وفد أمني يوصف برفيع المستوى وصل إلى طهران لعقد اجتماع مهم.
وكشفت الوثيقة السرية المتضمنة محضر اللقاء حديث صادقي عن الفترة السابقة وعدم حصول أي تبادل تدريبي علمي، كما وعد بتعويض هذا الخلل من خلال إجراء دورات تدريبية في أقرب وقت ممكن، وأردف بوجود ملفات لم تكتمل، وستجري معالجة هذه الأمور لاحقاً.
إسرائيل وحسابات المنطقة
وكشفت الوثيقة السرية رأي المسؤول الأمني الإيراني حول تركيبة حكومة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الجديدة، وتشير إلى أن الوجوه المعادية لإيران ستتولى مسؤوليات مهمة، وأنه بعد أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024 وضرب "حماس" و"حزب الله" ومهاجمة الأراضي السورية واليمنية ولبنان وإيران، يبدو أن الهجمات ستستمر وأن المحور الغربي وجدوا أن هذا الظرف هو الأفضل لممارسة الضغط على إيران للحصول على تنازلات من محور المقاومة، ويرى أنه ربما تكون الخطة المقبلة لهم العمل ضد سوريا والمقاومة في العراق، وفي حال كان هذا الاستنتاج صحيحاً.
ويتابع المسؤول أن "هذا يحتم علينا تعزيز جبهة المقاومة، لأنه باعتقادهم أنهم إذا قضوا على المقاومة في لبنان فسيتوجهون إلى سوريا والعراق، ولا بد من إفشال الحسابات الخاطئة لإسرائيل حول تحقيق الانتصار في جنوب لبنان، ولا سيما أن لديها كثيراً من المشكلات السياسية والاقتصادية، ومشكلة أهالي الأسرى وحكم المحكمة الجنائية الدولية بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، ولابد من منع مشروع نتنياهو من خلال دعم المقاومة كي لا يتعدى على ساحات أخرى".
الحديث الدائر بين الوفد مع رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الإيرانية تطرق إلى الضربة الإسرائيلية على إيران في عام 2024 بعد تصاعد الضربات إثر قصف تل أبيب مقر السفارة الإيرانية في العاصمة دمشق بالأول من أبريل (نيسان) من العام نفسه، وقلل حينها المسؤول الإيراني من حجم الخسائر وعدد بعضها، مثل استهداف مركزين للرادار وموقع خلط وقود الصواريخ ومستودع ثياب وزي عسكري.
ولفت في حديثه إلى أن الضربات أتت بتغطية جوية من الأميركان عبر الأراضي العراقية، ولم تدخل أية طائرة الأجواء الإيرانية، وكانت رؤوس الصواريخ خفيفة والخسائر محدودة، ولكن جرى استثمار الموضوع إعلامياً لرد الاعتبار.
وبحسب وثيقة محضر الاجتماع قال صادقي إن "مخيم الهول هو مشروع أميركي ـ صهيوني بامتياز ويوظفون أدواتهم الإقليمية لتحقيقه، وهو يشبه إلى حد كبير ما قامت به جماعة 'مجاهدي خلق' عندما كانت في العراق، إذ نقلت الأطفال إلى أوروبا وأخضعتهم للتدريب، ويوجد منهم حالياً 2000 شخص في ألبانيا حيث لهم دور محوري في أحداث الشغب التي حصلت في إيران".
ويوجد مخيم الهول شرق سوريا ويضم عائلات لمقاتلي "داعش"، ويقع على المشارف الجنوبية لمدينة الهول في محافظة الحسكة قرب الحدود السورية - العراقية، ويضم قرابة 10 آلاف شخص من النساء والأطفال زاد عددهم عام 2019 نحو 20 ألف امرأة، إضافة إلى 5 آلاف طفل من عائلات أفراد تنظيم "داعش".
الاتصالات مكشوفة
والتقى الوفد السوري شخصية استخباراتية في مجال الأمن يطلق عليها الحاج عباس ويشغل منصب معاون وزير الأمن للشؤون الفنية، وتحدث عن تطور كبير وصلت إليه تل أبيب في مجال الذكاء الاصطناعي والاتصالات وقدرتهم على التدقيق بالمعلومات وتحليلها، منوهاً بضرورة "خلط المعلومات لتكون غامضة بالنسبة إليهم"، وأبدى الاستعداد للعمل مع الجانب السوري فنياً وبشرياً.
وشرح الحاج عباس عبر تقرير مفصل استفادة العدو من جمع المعلومات، وقدم شرحاً حول الطرق التي يمكن استخدامها للعمل ضده، وتقديم تقنيات إلى سوريا والعمل المشترك للإشراف على نشاط العدو، وتأمين تجهيزات فنية وتقنية منها لواقط وحساسات وكاميرات مراقبة.
وكشفت الوثيقة عن أن الإيرانيين "لديهم خطة لهذا العمل يمكن تزويدنا بها للاطلاع عليها ودرسها، ولابد من طرح الموضوع خلال اللقاء مع الوزير الإيراني المتخصص بالأمن كونه مكلفاً، ويحتاج إلى 100 مليون دولار كبداية للعمل".
وأوضح الوفد أن آلية العمل تختلف في سوريا نظراً إلى تبعية الموضوع الفني لإدارة الاتصالات، جهاز أمني، وطلب تجهيزات تقنية ودورات في مجال الأمن السيبراني ومكافحة التجسس والأمن الوقائي وغيرها.
وأفضى الاجتماع المنعقد مع الحاج عباس في الـ 24 من نوفمبر 2024 إلى الاتفاق على تنفيذ مشروع "الإشراف على نشاط العدو"، وكذلك أن ترسل الاستخبارات الإيرانية تقريراً إلى دمشق حوله بينما تقوم الاستخبارات السورية بدرسه بعد تشكيل لجنة من الجهات المتخصصة تضم وزارة الدفاع وإدارة الاتصالات وإدارة الاستخبارات العامة وغيرها لدرسه وتحليله، وبيان إمكان تطبيقه في سوريا، وفي ضوء ذلك ترد دمشق على هذا المشروع، كما سلّم الوفد لائحة حول التجهيزات الفنية والتقنية والدورات التي تحتاجها الاستخبارات.
مكافحة التجسس
اللقاء الثالث للوفد كان مع رئيس جامعة الأمن والاستخبارات الإيراني ويطلق عليه الحاج داوودي، يتركز عمله في ثلاث اتجاهات التدريب الحرفي والتعليمي وإشرافه على مركز الدراسات والبحوث وعمل الجامعة بشكل عام، وأبدى في السياق ذاته استعداد الجامعة تقديم كل ما لديهم من خبرات.
وكشفت الوثيقة عن طلبات سابقة أرسلت من قبل الاستخبارات السورية ولكن لم يرد الجانب الإيراني عليها في ذلك الوقت لأسباب مرت بها إيران والمنطقة، وفق تبريرات الحاج داوودي.
وطلب الجانب السوري إجراء دورات في مجالات الأمن السيبراني ومكافحة التجسس وفحص وتحليل الملفات واسترجاع المعلومات من الهواتف النقالة، وكذلك صيانة آلات تصوير الوثائق وتصنيع البطاقة الذكية واستخدام الأجهزة الحديثة الخاصة بكشف الكذب والذكاء الاصطناعي والهكر الأخلاقي، وطلب بأن تقام هذه الدورات في دمشق لإتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من كوادر الأجهزة الأمنية الاستفادة منها، وأيد المسؤول الإيراني الفكرة ولكنه استدرك أن هناك صعوبة حالياً بإرسال مدربين إلى سوريا، لأن جهاز الأمن الوقائي رفض إيفادهم حالياً لأسباب أمنية وأن هذا الإجراء موقت، حسب ما قال الحاج داوودي.
بعد لبنان سوريا
وفي الـ 25 من نوفمبر توجه وفد الاستخبارات إلى مقر وزير الأمن إسماعيل الخطيب الذي كشف خلال الجلسة عن معلومات وثيقة حصلت عليها الاستخبارات الإيرانية، وأنه "بعد القضاء على المقاومة في فلسطين ولبنان سيجري التوجه إلى سوريا والعراق واليمن وإيران".
وبيّن وزير الأمن ضرورة تنسيق وتقديم الحاجات للبلدان الموجودة في الخط الأمامي لمواجهة إسرائيل، وتقديم الدعم الفوري لمجموعات المقاومة التي تضررت جراء العدوان لأن تعزيز قدرات المقاومة في فلسطين ولبنان يعزز الأمن في سوريا وباقي دول المنطقة.
وأضاف الخطيب "علينا أن نشدد على دعم 'حزب الله' وقدراته لما له من دور محوري في تحقيق أمن سوريا وإيران، وبعد استهداف قيادات الحزب لوحظ تزايد تحركات المجموعات الإرهابية ضد قوات الجيش العربي السوري".
وتابع الوزير أن "الجهاز التركي عقد لقاءات عدة مع قادة هذه المجموعات للتحضير لذلك، وبالتالي فإنه من واجبنا تعزيز دور المقاومة وتقسيم الأدوار بحسب ظروف وإمكانات كل بلد، لأن العدو يعمل على قطع شريان التواصل بين سوريا ولبنان، وتعزيز الحضور على الحدود السورية والعراقية والأردنية".
في غضون ذلك ألمح الخطيب إلى تراجع العلاقات مع بعض الأجهزة الأمنية السورية و"حزب الله" وترديها، وطالب بإرسال رسالة للقيادة السورية قائلاً "أرجو أن تبلغوا القيادة عن علمهم بحصول ضعف في التواصل أخيراً بين إدارة الاتصالات في سوريا والوحدة 9000 التابعة لـ 'حزب الله' بخصوص متابعة بعض الأرقام المشبوهة، وأن هذا الأمر يقلل من قدرة الحزب".
وأردف الخطيب أن "معرفتنا عن القيادة السورية أنها تلتزم بما تعهدت به وأعتقد بأنه سيجري حل المشكلة، وأن إيران كما تقدم مساعدات تتعلق بالطاقة للأخوة في سوريا، فإنها تؤكد استعدادها لتقديم الدعم العلمي والتقني لها، وتضع ذلك في متناول الأخوة في سوريا في هذا المجال".
في المقابل أبدى الوفد السوري استغرابه حيال التقصير من قبل إدارة الاتصالات والوحدة 9000 التابعة لـ "حزب الله"، وبرر ذلك بأنه بعد ضرب مقار الحزب في سوريا وتغييرات في قيادات الحزب حصل ضعف تنسيق وعدم معرفة بالأشخاص الجدد، كما أشار التقرير إلى كشف الوفد للمسؤول الإيراني عن حذر دمشق في علاقتها مع الدول التي أعادت علاقتها.
وطلب الوفد من وزير الأمن الإيراني متابعة بلاده العمل في مركز رصد ومراقبة مواقع التواصل الاجتماعي بدمشق والذي تراجع عمله منذ فترة، نظراً لمعرفة ما يدور داخل المجتمع السوري، والاتفاق على دورة أمنية في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2024، وكذلك وافق على مشروع "الإشراف على نشاط العدو بشكل مشترك".
العلاقة مع الروس
وتكشف الوثائق السرية عن لقاء مع أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي أكبر أحمديان الذي تساءل عن ازدياد النشاط الروسي العسكري في سوريا، وعقب بأن الإيرانيين طلبوا من الروس زيادة نشاطهم الجوي ليشمل معظم الأراضي السورية، وفيما إذا كان لدى السوريين تبادل معلومات مع الحشد الشعبي.
ويبدو أن الجانب السوري، بحسب محضر الاجتماع مع أحمديان، أبدى عدم معرفته بالتنسيق الإيراني ـ الروسي وزيادة النشاط، ورد الأمر إلى وزارة الدفاع التي تجري هذا التنسيق.
وأكدوا زيادة الطلعات الجوية أخيراً في الشمال السوري، أما في ما يتعلق بالتنسيق مع الحشد الشعبي فقد أورد الوفد عن لقاء سابق جمع الجهاز الأمني السوري مع شخصية عراقية من الحشد للتعاون في موضوع المقاومة الشعبية للعشائر بغرض التنسيق، وقال "اتفقنا على خطة عمل وبقية من دون تفعيل، وقد يكون ذلك بسبب الظروف الراهنة في المنطقة".
وكشفت الوثيقة عن وعد أحمديان باستمرار الضغط على الجانب الروسي لتقديم الدعم الاقتصادي والعسكري لسوريا والعمل على تفعيل آلية مناسبة للتعاون مع الحشد الشعبي، وبالنتيجة كشفت هذه الوثائق السرية عن دور فاعل لإيران في المنطقة وسوريا، وخوفها من القادم بعد ضرب "حزب الله" في لبنان وامتلاك معلومات عن تحركات تحدث حول سوريا، كما كشفت عن تخبط وضعف التنسيق الأمني مع عدم تطوير كوادر استخبارات الأسد في مجال التطورات الحديثة في علوم الاستخبارات.