خاص- مأساة فردية في "الطيران الشراعي" تعاقب قطاعاً كاملاً...وفضيحة غياب الاتحاد تُفاقم الفوضى!- كارين القسيس
شارك هذا الخبر
Thursday, June 26, 2025
خاص- الكلمة أونلاين
كارين القسيس
لا يمكن ولا يجوز أن تضع الدولة الشركات المرخصة والمحترفة، التي تملك سنوات طويلة من الخبرة والتاريخ في رياضة الطيران الشراعي، في خانة واحدة مع من قرّر فجأة افتتاح "مشروع طيران" كما يُفتح بسطة، بلا أي ترخيص أو تدريب أو التزام بأدنى معايير السلامة.
اليوم، باتت رياضة الطيران الشراعي في لبنان وجهة جاذبة لعشاق المغامرة من داخل البلاد وخارجها، وأصبحت مصدر فخر وسياحة وطنية، إلاّ أنّ حادثة مأساوية وقعت مؤخراً، راح ضحيتها أحد المشاركين، قلبت المشهد رأساً على عقب، فبدلاً من فتح تحقيقات موضوعيّة لتحديد المسؤوليات، تمّ اتخاذ قرار سريع بإقفال جميع الشركات، من دون تمييز بين الجهات المرخصة المتمرسة وتلك العشوائيّة التي تفتقر إلى أبسط الشروط القانونيّة والمهنيّة.
في هذا السياق، يُؤكد مدير أول نادٍ للطيران الشراعي في لبنان والشرق الأوسط، رجا سعادة، في حديثه لـ"الكلمة أونلاين"، أنّ النادي الذي يُديره يمتلك تاريخاً طويلاً من الخبرة، ويعتمد أعلى معايير السلامة، مشدداً على أنّ من يرغب بممارسة هذه الرياضة يجب أن لا يبحث عن المكان الأرخص، بل عن الجهة الشرعية والموثوقة.
ويُشير إلى أنّ المشكلة الأساسيّة تكمن في غياب الرقابة، حيثُ يفتح البعض مراكز طيران شراعي بشكل غير قانوني، ويُعلنون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأساليب مغرية، ما يضلل الناس ويدفعهم إلى الوقوع في فخ المظاهر، مضيفاً أنّ الحادثة الأخيرة تُؤكد هذا الواقع، إذ أنّ الجهة المسؤولة عن الرحلة أغلقت مركزها وهربت، بينما لم يعرف أقارب الضحية مع من كان يطير.
ويُشدد سعادة على ضرورة أنّ يتوجه كل من يرغب بممارسة هذه الرياضة إلى نادٍ أو شركة معتمدة ذات سجل واضح وتاريخ معروف، معتبراً أنّ الحادث الأخير ألحق ضرراً كبيراً بالشركات الشرعية، وجعل الجميع يُوضع في سلّة واحدة، كأن المحترف والهاوي سواء.
ويقول: "حتى الدولة لم تنصفنا، فقد تم توقيف الجميع، القديم منهم والجديد، وعندما تحدثت إلى المدعي العام قلت له: أنتم تعكسون صورة سيئة عن لبنان، فرد عليّ قائلاً: أنتم أيضاً أسأتم إلى صورة لبنان بعدما وقع الحادث وأسفر عن وفاة شخص".
ويُلفت إلى أنّ في الدول الأخرى، عند وقوع حادث، تُفتح تحقيقات دقيقة لمعرفة الأسباب وتحديد المسؤوليات، ويُعاد تنظيم القطاع لوضع آليات تمنع تكرار الأخطاء، أمّا في لبنان، فالكل يُعاقب، حتى من لم يُخطئ.
من جانبه، يكشف مصدر مطلع لموقعنا أنّ الشركات المعتمدة تُطالب منذ أكثر من أربع سنوات وزارة الشباب والرياضة بإنشاء اتحاد رسمي للطيران الشراعي، لأن وجود الاتحاد يمنح صلاحيات قانونية لتنظيم القطاع ومراقبته، لكنّه يُشدد على أنّ عرقلة إنشاء الاتحاد سببها خلافات طائفية، خصوصاً أنّ معظم الأندية موجودة في قضاء كسروان، ما يثير حساسيات معينة.
ويُشير المصدر إلى أنّ جهات عدة بدأت تتدخل لوضع قوانين خاصة لهذه الرياضة، مثل مخفر جونية، الذي فرض شروطًا، والمدعي العام الذي طلب وجود مختص للتأكد من ربط المشاركين بشكل صحيح، مضيفًا أنه في الدول المتقدمة مثل سويسرا، لا تُفرض مثل هذه القوانين العشوائية، لأن الصلاحيات واضحة والرقابة دقيقة.
وفيما يتعلق بالمطالبة بأن يحمل مؤسسو الشركات شهادات دولية في الطيران الشراعي، يرى المصدر أنّ الشهادة وحدها لا تمنع وقوع الحوادث، بل إنّ الرقابة والتنظيم هما الأساس، فحتى في حال وقوع حادث بسيط، يجب أن يكون هناك سجل واضح لمعرفة الجهة المسؤولة ومكان الرحلة وتفاصيلها.
رياضة الطيران الشراعي في لبنان ليست مجرّد هواية، بل مورد سياحي وشغف حقيقي وتجربة استثنائية يعيشها المئات من الزوار والمغامرين سنوياً، لكن استمرار الفوضى، وغياب الرقابة، وخلط الحابل بالنابل، قد يحوّل هذا القطاع من مصدر جذب إلى مصدر خطر وفضائح، فالمطلوب ليس التضييق على المحترفين، بل تنظيم القطاع، ومحاسبة المتجاوزين، ووضع إطار قانوني واضح يحفظ سلامة المشاركين ويحمي صورة لبنان، وبالتالي الخلل ليس في الرياضة، بل في من يُمارسها بلا مسؤوليّة، ومن يتغاضى عن الفوضى بدل أن يضبطها.