رواية إيرانية من الداخل: هكذا بوغتنا بالضربة الأولى ثم استعدنا المبادرة- بقلم عماد مرمل
شارك هذا الخبر
Tuesday, June 17, 2025
تتعدّد المقاربات للحرب التي تدور بين إيران والكيان الإسرائيلي وتكثر الاجتهادات في شأن حقيقة ما يجري، بدءاً من سرّ الضربة الإسرائيلية الأولى فجر الجمعة، وصولاً إلى تدحرج الردود والردود المضادة ومحاولة استشراف النهاية الغامضة.. فماذا في جعبة العارفين من داخل الجمهورية الإسلامية؟
تفيد رواية العارفين من قلب إيران أنّ السبب الأساسي للنجاح الإسرائيلي في توجيه ضربة فجر الجمعة إلى قادة عسكريين وعلماء نوويين، إنما يكمن في تعرّض القيادة الإيرانية لخديعة موصوفة من الإسرائيليين والأميركيين، تسببت في نوع من «الاسترخاء المكلف».
ويروي المطلعون الإيرانيون انّ القادة العسكريين الذين تمّ اغتيالهم كانوا يخططون لمواجهة أسوأ الاحتمالات في حال فشل الجولة السادسة من المفاوضات النووية مع واشنطن، والتي كانت مقررة أمس الأول الأحد، وبالتالي فهم كانوا يدرسون سيناريوهات التعامل مع أي عدوان محتمل على إيران بعد الأحد وليس قبله، في اعتبار أنّ طهران تلقّت تطمينات بأنّ أي ضربة عسكرية لن توجّه إليها في انتظار تبيان نتيجة جولة التفاوض الحاسمة يوم الأحد، وانّ دونالد ترامب لن يسمح حتى ذلك الحين لبنيامين نتنياهو بشن هجوم على إيران وتهديد مصير المفاوضات، ليتبين لاحقاً انّه تمّ استعمال الإيماءات الديبلوماسية للتمويه والتغطية على الضربة المبيتة.
ويكشف العارفون من الداخل الإيراني انّ خللاً مفاجئاً طرأ على شبكة المنظومة الدفاعية الجوية الإيرانية الخميس الماضي، وبفارق ساعات قليلة عن موعد الهجوم الواسع الذي شنّته تل ابيب فجر الجمعة، ما سهّل تنفيذه استناداً إلى مخطط إسرائيلي جاهز تمّ التحضير له منذ عقود.
ويؤكّد أصحاب هذه الرواية الإيرانية، انّه كان من بين أهداف «صدمة الفجر» إحداث فوضى داخلية متدحرجة، تفضي في نهاية المطاف إلى الانقلاب على القيادة الحاكمة، لكن ما حصل انّ طهران تمكنت خلال ساعات قليلة من مغادرة مربّع الإرباك والضياع واستعادة التوازن والمبادرة، بعد تعيين بدائل في المواقع الشاغرة على الفور وإعادة تفعيل المنظومة الدفاعية، الأمر الذي يمكن اعتباره إنجازاً كبيراً، لأنّ الضربة المباغتة الأولى وما رتبته من خسائر باهظة، كانت من النوع الكفيل بإسقاط أنظمة وليس فقط تعطيل البرنامج النووي او القدرة الصاروخية.
ولا يخفي الرواة انّ ضربة الجمعة كانت ثقيلة الوطأة على الشعب الإيراني الذي فوجئ بما حصل، خصوصاً انّه كان في صورة انّ القوى المسلحة في أتمّ الجهوزية لمواجهة أي عدوان، وبالتالي فإنّ الاستهدافات الواسعة التي تمّت لرموز ومواقع في موجة القصف الإسرائيلي الأولى سببت انتكاسة معنوية، انعكست ضغطاً شعبياً على الحكومة لردّ الاعتبار في أسرع وقت ممكن.
ويضيف الرواة الإيرانيون: مع بدء الردود النوعية على الكيان الإسرائيلي عادت المعنويات إلى الارتفاع، ونجحت القيادة العسكرية في صنع معادلة «القصف التماثلي» وقوامها انّ كل هدف يُضرب في إيران سيُضرب مثله او ما يعادله في الكيان الإسرائيلي، وإن يكن التعتيم الصارم والرقابة العسكرية لجيش الإحتلال لا يسمحان بالإضاءة على الأضرار اللاحقة بالمواقع الاستراتيجية التي أُصيبت، مع الإشارة إلى انّ الجزء الأكبر من الصواريخ التي تمّ استعمالها حتى الآن لا يعكس على نحو كامل حقيقة القدرات التي تملكها طهران.
وتبعاً للمطلعين في الجمهورية الإسلامية، فإنّ الإيرانيين استعادوا الثقة التي اهتزت جراء ضربة فجر الجمعة، وهم انتقلوا من مرحلة لملمة الجروح إلى مرحلة تثبيت قواعد اشتباك جديدة ومتوازنة قبل معاودة المفاوضات او البحث في أي تهدئة، وذلك عبر التصاعد التدريجي في نوعية الهجمات الصاروخية التي تستهدف الأماكن الحيوية في الكيان الإسرائيلي. وتبعاً لرأي هؤلاء، فإنّ بدء محاولات إجراء وساطة لوقف إطلاق النار من جانب جهات غريبة عدة إنما هو مؤشر إلى انّ هناك شعوراً لدى تلك الجهات بأنّ ميزان القوى يستقيم مجدداً، وانّ تل أبيب فقدت الأريحية التي بدت عليها في اليوم الأول من الحرب، علماً انّ التجارب تثبت أنّ الوسطاء الدوليين لا يتحركون الّا عندما تصبح «إسرائيل» خلال أي حرب في وضع غير مريح.
ويؤكّد المطلعون الإيرانيون انّ لدى طهران نفَساً طويلًا اذا امتدت المواجهة لوقت غير محدّد، وهم لن يصرخوا اولاً في معركة الإرادات، ولن يذهبوا إلى التفاوض ضعفاء وجاهزين للاستسلام كما ينتظر الإسرائيلي والأميركي.
ويشير المواكبون للتطورات من قلب إيران، إلى انّ ما يعزز الموقف الرسمي، هو انّ الشعب الإيراني ملتف بكل أطيافه حول قيادته ويدعمها بلا حدود في هذه المواجهة، لافتين إلى انّه حتى المعارضة السلمية الموجودة داخل البلاد وخارجها ترفعت عن الخلافات الثانوية ووقفت إلى جانب النظام في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وهناك رموز لهذه المعارضة كانوا في السجن سابقاً ولكنهم اصطفوا تلقائياً مع القيادة ضدّ العدو المشترك، الأمر الذي أدّى إلى انقلاب السحر على الساحر، بحيث سقط وَهم الانقلاب على النظام سقوطاً مدوياً، وظهر تلاحم غير مسبوق بين السلطة ومختلف شرائح الشعب الإيراني.