جيوبوليتيكال فيوتشرز- تحوّلات في صناعة الدفاع العالمية
شارك هذا الخبر
Wednesday, June 11, 2025
تناول الكاتب والخبير الاستراتيجي أندرو ديفيدسون مسار التحوّلات الكبرى التي طرأت على صناعة الدفاع العالمية خلال العقود الأخيرة، مبيناً كيف تغيرت أولويات الدول وتوجهاتها الصناعية في ظل تزايد التهديدات الإقليمية، والتطور التكنولوجي المتسارع، والتبدلات الجيوسياسية المتعددة الأقطاب.
وقال ديفيدسون في تحليله بموقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" البحثي الأمريكي إن مشهد الدفاع العالمي بات أكثر تعقيداً وتنوعاً، حيث لم تعد الهيمنة حكراً على القوى التقليدية، بل برزت قوى جديدة، دولاً وشركات، تتنافس في إنتاج وتصدير الأنظمة الدفاعية المتقدمة.
بعد الحرب على الإرهاب: عودة المواجهات بين الدول وأوضح الكاتب أن تركيبة الصناعات الدفاعية لطالما كانت انعكاساً للتحوّلات الاستراتيجية. فخلال الحرب الباردة، ركزت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي على التصنيع الكثيف للأسلحة النووية والمنصات التقليدية. أما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد تحول التركيز نحو عمليات حفظ السلام، ما أدى إلى خفض الإنفاق العسكري.
لكن هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 دشنت حقبة جديدة قوامها "الحرب على الإرهاب"، حيث أصبحت التقنيات غير المأهولة كالطائرات دون طيار وأنظمة الاستخبارات الميدانية حجر الأساس في عمليات مكافحة التمرد والضربات الدقيقة.
ومع مرور الوقت، شهد العالم عودة النزاعات التقليدية بين الدول، كضم روسيا لشبه جزيرة القرم (2014)، وتصاعد التوتر في بحر الصين الجنوبي، والاشتباكات المتكررة بين الهند وباكستان، وهو ما أدى إلى قفزة كبيرة في ميزانيات الدفاع.
الحروب التقليدية والهجين وأوضح الكاتب أن العقد الأخير اتسم بتطور "الحروب الهجين" التي تدمج بين الأدوات العسكرية التقليدية والهجمات السيبرانية والتضليل الإعلامي المدعوم بالذكاء الاصطناعي. فلم تعد الطائرات المسيّرة والتقنيات الحديثة حكراً على الجيوش الكبرى، بل أصبحت في متناول دول صغيرة وحتى جماعات مسلحة، مما زاد من تعقيد ساحة المواجهة.
وقد ساهم هذا الواقع، إلى جانب انكفاء الولايات المتحدة من بعض الساحات، في خلق فراغات أمنية تستغلها جهات متعددة لتعزنفوذها.
الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العقيدة العسكرية وسلط الباحث الضوء على الدور الثوري للذكاء الاصطناعي في تغيير طريقة إدارة المعارك، بدءاً من الاستهداف الدقيق، مروراً بالطائرات المسيّرة الذاتية، وصولاً إلى التحكّم المتكامل بين فروع القوات المسلحة، مشيراً إلى مبادرات مثل مشروع JADC2 التابع للبنتاغون، ومشروع الطائرات الهجومية ذاتية القيادة من شركة "أندوريل"، باعتبارها أمثلة حية على هذا التحول.
كما تستفيد أوكرانيا من أنظمة دفاع جوي مدعومة بالذكاء الاصطناعي، فيما تستعرض الصين قدرتها على استخدام "سرب طائرات مسيرة" في هجمات متزامنة، ما يشير إلى تغير قواعد الحرب الحديثة.
ورغم هذا التقدم التقني، تبقى الحاجة قائمة إلى الأنظمة التقليدية، مما يدفع العديد من الدول إلى تبني نهج "مختلط" يجمع بين القوة التقليدية والابتكار التقني.
دول جديدة تدخل سوق التصدير العسكري وأشار الكاتب إلى أن خريطة صادرات السلاح تشهد تحولاً كبيراً، إذ لم تعد تقتصر على أمريكا وروسيا، بل دخلت دول مثل تركيا وكوريا الجنوبية واليابان على الخط كمصدرين بارزين. فنجحت تركيا في بناء قاعدة صناعية قوية منذ سبعينيات القرن الماضي، وبرزت بفضل طائراتها المسيّرة من طراز Bayraktar TB2 التي سجلت صادرات تجاوزت 7.1 مليار دولار عام 2024.
أما كوريا الجنوبية، فبلغت صادراتها الدفاعية 9.5 مليار دولار، مدفوعة برغبتها في تقليص الاعتماد على الحماية الأمريكية. وتخلت اليابان جزئياً عن عقيدتها الدفاعية، وبدأت بتصدير فرقاطات "موغامي" وصواريخ دفاعية متقدمة. وأدت هذه الديناميكية إلى تراجع حصة روسيا، لا سيما في الأسواق الإفريقية التي بدأت تركيا تغزوها بقوة.
تعزيز الإنتاج المحلي والتوازن الجيوصناعي رغم المنافسة الجديدة، لا تزال القوى الكبرى تسعى إلى استعادة زخمها الصناعي. فالولايات المتحدة عززت إنتاجها المحلي من أشباه الموصلات، ورصدت أكثر من 500 مليون دولار لوحدة الابتكار الدفاعي. أما ألمانيا فركّزت على تحديث قدراتها في مجالات المدرعات والطائرات دون طيار، ضمن برنامج "يورو درون".
وقدم ديفيدسون الصراع الهندي الباكستاني عام 2025 كدراسة حالة تبرز تأثير التكنولوجيا في الحروب الحديثة. فقد استخدمت الهند صواريخ كروز وذخائر إسرائيلية جوّالة، بينما ردّت باكستان بطائرات مسيرة تركية وصينية، ما جعل ساحة المعركة ساحة تنافس تكنولوجي مفتوح.
ملامح جديدة لصناعة دفاعية متعددة الأقطاب واختتم أندرو ديفيدسون تحليله بالتأكيد على أن العالم يشهد اليوم تحوّلاً بنيوياً في بنية الصناعة الدفاعية. فلم يعد النظام مركزياً ولا محتَكَراً من قبل تحالفات بعينها، بل باتت الدول تسعى لتحقيق السيادة الصناعية، وتعزيز قدراتها الإنتاجية، ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن عقائدها القتالية.
وأوضح أن الأساس الاقتصادي للصناعات الدفاعية تغير هو الآخر، حيث باتت المرونة في سلاسل الإمداد، وتبني الطباعة ثلاثية الأبعاد، والاستفادة من شركات متوسطة الحجم، من العوامل الحاسمة في تحديد معادلات القوة.
في هذا السياق المتغير، يخلص الكاتب إلى أن الدول التي تنجح في الجمع بين التفوق التقني والتخطيط الاستراتيجي التقليدي، ستكون صاحبة التأثير الأكبر في صياغة مستقبل التوازنات العسكرية العالمية.