آسيا تايمز- صعود القوى الوسطى في صياغة النظام العالمي الجديد

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, June 4, 2025

قال ميراس جيينباييف، مستشار رئيس مجلس إدارة "جامعة مقصود ناركباييف" في كازاخستان، إن القوى العظمى لم تعد الفاعل الوحيد في تشكيل النظام العالمي، حيث باتت ما تُعرف بـ"القوى الوسطى" تلعب دوراً متنامياً في هندسة المشهد الدولي متعدد الأقطاب.

لطالما عرفت "القوى الوسطى" في أدبيات العلاقات الدولية بشكل رأسي، أي من حيث ترتيبها في سلم القوة العالمية استناداً إلى الناتج المحلي الإجمالي، أو القدرة العسكرية، أو عدد السكان. لكن جيينباييف يدحض هذا التصور التقليدي، داعياً إلى تبني مقاربة أفقية لتعريف القوى الوسطى، تركز على تموضعها الجيوسياسي وسلوكها الخارجي، لا على حجمها فحسب. وبهذا المفهوم، تصبح "القوة الوسطى" موقعاً حيوياً في تقاطع مصالح القوى الكبرى.

في هذا السياق، يقول الكاتب في مقاله بموقع "آسيا تايمز": "تمثل القوى الوسطى جسوراً دبلوماسية بين الأقطاب المتنافسة، وتؤدي أدواراً محورية بوصفها لاعبين متأرجحين قادرين على التأثير في النتائج النهائية. ومن بين هذه الدول تركيا والبرازيل وإندونيسيا وكازاخستان، التي تستثمر في موقعها الجغرافي وتحالفاتها المتعددة لتعزيز دورها في الوساطة وصياغة التفاهمات".

وأشار الكاتب إلى أن هذه الدول لا تملك قدرة على فرض الأجندة الدولية، لكنها تستفيد من تراجع قدرة القوى الكبرى على فرض الهيمنة، وهو ما أتاح لها مجالاً أوسع للمناورة. فالتشابك الاقتصادي العالمي، وارتفاع كلفة الحملات العسكرية، وتنامي الحس الوطني في الدول، كلها عوامل أضعفت الأدوات التقليدية للقوى العظمى.

فراغ تملأه القوى الوسطى
في هذا الفراغ النسبي، برزت القوى الوسطى قوى قادرة على قيادة التحالفات، وطرح المبادرات، وبناء التوافقات، خصوصاً في القضايا التي لا تجد فيها القوى الكبرى توافقاً أو اهتماماً مباشراً.

وأشار الكاتب إلى تمتع هذه القوى بهامش واسع من الاستقلالية الاستراتيجية. فهي لا تقبل بلعب دور التابع، بل تسعى إلى نظام دولي متوازن يحفظ سيادتها ويمنحها القدرة على صياغة بيئتها الإقليمية. وفي هذا، تتقاطع تطلعاتها مع بعض طموحات القوى الكبرى، وإن كانت وسائلها مختلفة. تجدر الإشارة إلى أن توجه "عدم الانحياز"، الذي ظهر في حقبة الحرب الباردة، يجد اليوم صيغاً جديدة قائمة على الشراكات حسب القضايا وليس الانتماء إلى تكتلات جامدة.

وأوضح الكاتب أن هذه الظاهرة تبرز بشكل جلي في الفضاء الأوراسي، حيث تتقاطع مناطق النفوذ ويتعدد الفاعلون الإقليميون. هناك دول عديدة، منها كازاخستان، وإندونيسيا، وماليزيا، وأوزبكستان، والإمارات، وقطر، فضلاً عن تكتلات مثل الآسيان، تملك دبلوماسية تتسم بالبراغماتية والمرونة وتعدد المحاور. ويعود ذلك جزئياً إلى خلفياتها التاريخية في النضال ضد الاستعمار أو الهيمنة الخارجية، ما جعلها تتوجس من التبعية وتسعى إلى تنويع شراكاتها.

جهات فاعلة
ورأى الكاتب أن هذه القوى مرشحة بقوة لقيادة أنماط جديدة من التعاون الدولي، نظراً لعقلانيتها العملية، وخبرتها في دبلوماسية التحالفات المتعددة، وقدرتها على التوفيق بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب. ويمنحها هذا الموقع الوسيط مصداقية عالية، تجعل منها جهات فاعلة قادرة على التوسط وتجاوز الاستقطابات.

تحول إيجابي في ميزان القوى
واختتم الكاتب تحليله بنبرة متفائلة، مشيراً إلى أن صعود القوى الوسطى يعكس تحولاً إيجابياً في توازن القوى العالمي. ففي ظل ما يشهده العالم من تنافس محموم بين القوى العظمى، قد تكون هذه الدول المتوسطة ـ بحكم تموضعها ودبلوماسيتها الجماعية، قادرة على منع تدهور النظام الدولي إلى تكتلات متصارعة أو صراعات صفرية.

ومن هنا، يرى الكاتب أن مستقبل العلاقات الدولية، قد لا يكون محكوماً بالعمالقة وحدهم، بل قد تقوده حفنة من الدول المتوسطة، التي توازن بين الاستقلالية والانفتاح وبين المصلحة والتعاون.

وفي هذا السياق الجديد، يخلص الكاتب إلى أن "الوسطية" لم تعد مرادفًا للضعف أو الحياد، بل غدت تعني التموضع في قلب الفعل الدولي، والمساهمة النشطة في تشكيل ملامح النظام العالمي المقبل.


24.AE